وقف بغرور وكبرياء وقال: لقد لمعت في ذهني البارحة فكرة كلمعان الشهاب، فأنتم تعلمون أن مياه الأمطار والسيول تعبر من جوانب الجبال وتعبر هذا الوادي، ولهذا جمعتكم لتنفيذ هذه الفكرة، إنها السد، وبعلو ثلاثة أمتار فلنعمل بجد وقوة. أخذ العمال يحفرون أساس السد، ثم بدءوا ببناء الحجارة. قلت له: أقترح متراً واحداً، فالسد سوف يتحمل الماء أما ثلاثة أمتار فكثيرة. فقال: إنك لا تحب الخير يا مسعود، إنك لا تعلم أن السد سيمد المزارع عاماً كاملاً، إنه سد قوي، وهؤلاء العمال يوقدون حجارة الجبس، وهذا يزيد الأحجار قوة، انظر إلى نشاطهم وحبهم للعمل وكيف جمعوا الأكوام من الجبس القوي. فقلت: ولكنه سينهار حتماً، فقال: رأيك غير صائب، ونحن ماضون على رأينا. جاء الليل واتجهت نحو السد أنقب فتحات على علو متر واحد، فجاءوا ومعهم سراج وقال: جئنا سريعاً، لقد سمعنا طرقاتك ورددت الجبال صداها، إنك يا مسعود تتدخل في شئوننا، إنك تخرب السد الذي كلفنا ستة شهور من الكد والتعب والعمل الشاق وسوف نرفع قضيتك إلى الأمير إن فعلتها مرة أخرى، هل تشهدون عليه؟ قالوا: نعم كلنا نشهد. تلبدت السماء بالغيوم وهطل المطر غزيراً، وسالت الأودية، وكنت على البعير على بعد ميلين اثنين من سد القرية، ومن المؤكد أن الكارثة ستحصل قريباً، وبينما أنا مستغرق في التفكير إذ حدث دوي صوت وانفجار هائل، فجفل البعير وكدت أسقط أرضاً، واقتربت وإذا السد قد تبعثرت حجارته وانهار تماماً ولم تبق قطرة ماء، وأصاب الجميع خيبة أمل وندامة وإذا هو يرفع صوته: أنتم لم تتقنوا عملكم، من المؤكد أنكم خلطتم الجبس بالتراب أو الطين، وآخر يقول: لا ينفع الكلام الآن!! وآخر يقول: لكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة.