إن النواميس الكونية الإلهية تحدث كما يريدها الباري جلّت قدرته، وقانون السماء جلي أبلج كفلقِ الصبح بتقديراته وحيثياته، فالله عز وجل خلق الخلق في صورة محكمة متكاملة حسب مشيئته لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء) الآية 6 آل عمران، وجعل الخليقة كلها شرائح مختلفة في الجنس واللون والتفكير واللغة، لقوله الله عز وجل: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} الآية 68 سورة القصص، حتى في السيادة والتبعية والفوارق الطبقية والأرزاق. وجعل الله الأجناس المتقاربة متآلفة مهما كان لونها ولكنتها، ونحن كمسلمين موحدين أوجد الله بيننا الألفة والمودة والمحبة لتكون اللحمة قوية بين مجتمعاتنا، ونكون صفاً واحداً كالبنيان المرصوص في وجه من يريد أن يكسر شوكتنا أو ينوي تفريقنا، وهذا خير عظيم رزقنا الله إياه على نقيض المجتمعات الأخرى. وجعلنا نحن المسلمين الجسد الواحد في الشعور والإحساس والآلام والآمال، فالأصل فينا أن نألف بعضنا ونشعر بشعور بعضنا، لأن المحبة التي أوجدها الله في القلوب عند تكوين خَلْقِنَا موجودة، ولكن لابد لها من ترجمة عملية، وذلك بالتزاور بين بعضنا البعض، وهذا التزاور فوق شرعيته أصبح عادة حميدة عند الناس جرى التعارف عليها، والزيارة إذا استشعر الزائر قيمتها ومضمونها وإيجابياتها كان له الأجر والمثوبة من الله عز وجل فيها. والزيارة في حد ذاتها سراج إلهي تضيء حبات القلوب، فتضمد الجراح، وترتق الخلل، وتعفو آثار الزلل ومواطنه، وتزيد من عرى المحبة وتقوي وشائجها. فالأهل والأقارب يزورون بعضهم البعض، والصغار يزورون الكبار تقديراً واحتراماً وإجلالاً، وكبار القوم ووجهاؤهم وأصحاب الرأي والمشورة يتبادلون الزيارة كذلك فيما بينهم، ليبقى عبق الطيب وأريج المحبة معطِّراً لأجواء الأصحاب والأحباب على مر الليالي والأيام. ونحن في هذه البلاد منذ توحيدها على يد الوالد الأكبر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه متحابون ومتآلفون، وازدادت بيننا اللحمة والمودة والاتصال والتزاور بعد أن انتقلت هذه البلاد نقلة نوعية، من الحرب والخوف والاضطراب، إلى الأمن والاستقرار، ومن التناحر والبغضاء، إلى التلاحم والمحبة، ومن الجوع والفقر, إلى الغنى والثراء. وأبناء الملك المؤسس رحمه الله ساروا قاطبة على نهج أبيهم في الخير والعطاء، والتعاون والنماء، والتعاضد والتكاتف وحب الخير للغير وهم كذلك لقول الشاعر: شيمُ الأُلى أَنا منهمُ والأصلُ تتبعهُ الفروعُ ومن حسن الحظ والطالع أن المقادير ساقتني لما كنت أتمنا ه وهو مرافقة صاحب السمو الملكي الأمير ممدوح بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه حيثما كان، هذا الرجل الذي يلهج لسانه بالطيب والكرم والوفاء وحب الخير دائما، فقمنا وإياه بزيارة قصيرة إلى والدنا صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه حيثما كان، ولما وصلنا سموه حيانا بالتحايا العطرة ورحب بنا ولما استقر بنا المقام إذا بمجلسه عامر بأهل الخير والطيب والوفاء، فأخذ يقص علينا ويحدثنا بأنواع القصص والروايات، وإذا جعبته مملوءة بالتجارب العظيمة ومواقف النخوة والرجولة والإصلاح كل ذلك حصاد عبر السنين والأعوام، إنها مسيرة عمر مديدٍ- أطال الله في عمره على طاعته- ولما رأيت سموه وهو يتكلم تمثلت قائلاً: كرمٌ تبيَّن في كلام ماثلاً ويُعرَفُ عتقُ الخيلِ من أصواتها والوقت يمضي وأنا منصت ومحاور له بكل إعجاب. وفي سياق حديث سمو الوالد أخذ يوجه أبناءه الحاضرين بتوجيهات سديدة وذلك بالالتفاف حول القيادة الرشيدة، مبيناً النعم التي أسبغها الله علينا نحن أبناء المملكة عامة. وقال: إنها تحتاج إلى شكر بل وترجمة عملية لهذا الشكر، كما أظهر فضل ولاة أمورنا علينا حفظهم الله، كيف لا؟ وهم يقيمون شرع الله المطهر ويطبقون أحكامه القويمة، وينصرون دينه، ويحبون العلماء والصالحين، لأنهم سُرُج الأمة في دياجير الظلمات، ويحبون الإنسانية والإنسان في كل مكان. وبينما نحن كذلك نتجاذب أطراف الحديث في الأشياء النافعة المفيدة، إذ بشخص يطلب سموه على الهاتف فرد عليه بانشراح صدر وأريحية، وإذا بالشخص يحاوره ويستشيره، والمشورة لقاح العقول كما يقولون، فوجهه إلى مراده قائلاً: إياك واثنتين ضعهما نصب عينيك واحذر الاقتراب منهما، وسأحاسبك عليهما. الربا أولاهما، وكل ما فيه حرام ثانيهما. فدار في خلدي: والناس ألفٌ منهمُ كواحدٍ وواحدٍ كالألفِ إِنْ أَمرٌ عَنَى فصاحبُ الربا توعده الله بالحرب، وخاسرٌ لا محالة، وماله في هلاك وإن كثر، والحرام كذلك بجميع صوره وأشكاله يودي بصاحبه إلى حمأة الردى وأتونِ الهاوية، واسترسل الوالد الأمير مشعل في استنكاره لكل حرام، وطال حديثه حول هذا المعنى، وأسهب وأسهب. ونحن بدورنا ندعو لوالدنا بالخير والمزيد من كل خير ودوام الصحة والعافية ونشكره شكراً جزيلاً على حسن استقباله لنا وترحيبه بنا كما ونشكره على توجيهاته السديدة التي كان لها أكبر الأثر في نفوسنا وذلك بتجنب الربا وكل حرام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله). ومثل هذه التوجيهات ليست غريبة على ولاة أمورنا أدام الله عزهم وجعلهم ذخراً لنا، كما أنها ليست غريبة على رجل ينحدر من ذرية الوالد الأكبر الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، لأنه يضع أمجاد أسلافه نصب عينيه دائماً وكأنها نبراسٌ تضيء له طرق الخير. والوالد صاحب السمو رجل صاحب نخوة وشهامة، حرٌّ أبيٌّ، شجاعٌ كريمٌ، معطاءٌ لا يوصد له باب، سمحٌ عالي الهمة، صادق العزيمة، طيب الشمائل. ويذكرني قول الشاعر: أنت كالبحر في السماحة والشم سِ علواً والبدر في الإشراق واستأنف صاحب السمو حديثه معنا والبسمة لا تفارق ثغره، وظل هكذا إلى أن غادرنا مجلسه فرحين مسرورين. ولا ننسى أعمال صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز الخيرية التي لا تعد، ومآثره التي لا تحصى ولا تنسى، فسوف نحفظها له نحن أبناء الوطن في سويداء قلوبنا ونسجلها له بمداد من نور وندعو له في السر والعلن. ولا ننسى بصماته الخيرة الدالة على أعماله الجليلة في كل مكان، ولا أدل على ذلك من الأجهزة الصناعية لوحداتِ غسيل الكلى عافانا الله وإياكم منها. ولم يكن سموه بعيداً ببعد نظرته الثاقبة من إحياء التراث في مزايين الإبل التي بصمته فيها واضحة وظاهرة لدى العيان، وكاد هذا الصنف أن ينقرضَ لولا لطف الله عز وجل أولاً ثم فكرة سموه وحرصه على ذلك ثانياً. وبمشروعه هذا قد أيقظ الناس من حاضرة وبادية وجعلهم يزدادون حرصاً على ذلك، ومثل هذه الأعمال التي يقوم بها الوالد مستمدة من توجيهات خادم الحرمين الشريفين والدنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز ويسير على ما سار عليه أسلافه من آل سعود.