سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الناقد عبدالله السمطي في كتابه الجديد يقرأ المكون الدلالي وأنساق الخطاب الشعري عند الشاعر سعد الغامدي الهم الوطني وشعرية التأمل وظاهرة التكرار أبرز ملامح التجربة الشعرية
ثرية وعميقة هي التجربة الشعرية للشاعر الدكتور سعد عطية الغامدي، فهي تنطوي على قدر كبير من التنوع الدلالي الذي يكتسي جملة من العناصر والخواص التي تهب النص الشعري مساحة رحبة من التواصل والتلقي وإعادة إنتاجها قرائيا. إنها تجربة تستحق التأمل النقدي والفحص والاختبار والاستبطان؛ ذلك لأنها تحتوي في مكامنها على آفاق من جولان الخطاب الشعري في الموضوعات والقضايا الواقعية الحية، والإشكاليات الراهنة التي تواجه الإنسان العربي كفرد، وكمجموع، إنه يمرق عبر هذه القضايا ليقدم رؤية الذات الشاعرة المعاصرة لها، لا ليقف منها موقف الراصد، أو الأديب التسجيلي أو الحدثي المناسباتي، إنما يقف منها موقف المتأمل الذي يدرك ما وراء الأحداث، ويسعى لاستبصار خطوطها الخلفية، وقراءة بناها العميقة. وصدر حديثا عن دار المفردات للنشر والتوزيع بالرياض للناقد والصحفي المصري عبدالله السمطي كتاباً حمل عنوان: المكون الدلالي وأنساق الخطاب الشعري (قراءات في شعر سعد عطية الغامدي) الطبعة الأولى (1426ه، 2005م) ويبدأ السمطي قراءاته من أن الشاعر الدكتور سعد عطية الغامدي ينطلق في تجربته من هذا الهاجس الوجداني الذي يرى أن الذات الشاعرة لها رؤيتها الخاصة التي تنبثق عبر مساءلة الأشياء واستكناهها، بمعنى أن الشاعر الرائي يرى لمسافة أبعد وأعمق ما يدور على سطوح الأشياء، ثمة مسافة أخرى، ثمة مساحة رأسية، ثمة معطى بعيد يقدمه الشاعر الرائي، ومن هنا فإن التعبير عن الحدث اليومي لا يكون تعبيرا تسجيلياً بل تعبيرا رائياً إذا جاز الكلام، ويوقن الشاعر الرائي أن صدقه الفني والدلالي هو عنوان كامن للصدق التخييلي الذي ينطوي عليه النص الشعري، ولذا فإن نسق الخطاب الشعري الذي يقدمه الغامدي حافل بالأسئلة، والتأمل، والبحث والاستقصاء، إنه حين يتناول الموضوع الوطني إنما يتناوله بشكل متأمل، لا بشكل انفعالي عابر، ولذا فإنه يحرص على أن يبقى حدث القصيدة إذا عبر الحدث الواقعي وزالت آثاره. ويشير السمطي إلى أن الموضوع الوطني يحتل جانبا كبيراً من أفق الخطاب الشعري الذي يقدمه الدكتور الغامدي، حيث لا يخلو ديوان من دواوينه الشعرية من التعبير عن القضية الفلسطينية، بكل تفاصيلها من احتلال ومقاومة، ومن تعبير عن المقدسات، وأبطال الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت في العام 1987م، وانتفاضة الأقصى التي انطلقت في العام 2000م، بل إن ديوانه: (بشائر من أكناف الأقصى) يقدم عدداً كبيراً من القصائد الوطنية المكتوبة عن الحدث الفلسطيني. وإن (فدائي العملية الاستشهادية) هو موضوع أثير لدى الشاعر، إن محمود مرمش، ومحمود أبو الهنود، وإيمان حجو، ومحمد الدرة، والشيخ أحمد ياسين هي شخصيات العصر التي يسجل الشاعر بطولاتها، وهي الشخصيات التي ترفض الانحناء والهرولة، هي شخصيات صنعها المخاض الوطني الفلسطيني، وصنعتها المواجهة اليومية مع العدو الصهيوني، من هنا يظل هذا المخاض هو الشجرة الدلالية التي تسمق في شعرية الدكتور الغامدي، التي يرويها بكلماته قبل أن يرويها بمداده كذلك يعبر الشاعر عن بيروت، وعن القاهرة، وعن الرباط، وعن الرياض، فيما يعبر عن الوطن العربي ككل، ولا يقف الموضوع الوطني عند حد، حيث يعبر الغامدي شعريا عن دلالات وطنه، وتفاصيل المكان وجغرافياه، عبر شخوصه ووجوهه، عبر الطبيعة والفكر والشعر، وهي دلالات تنبثق من هذا الهم الشعري الوطني الذي ينتجه الشاعر. إن الموضوع الوطني يقود بالضرورة إلى ما هو واقعي، ويقود أيضاً إلى التزام المبدع بهموم بلاده الوطنية، وبهموم الهوية والانتماء اللذين يعضدهما المصير المشترك بين أمة واحدة. ويقول السمطي إنه ومع هذه الهموم الكبيرة، لا ينسى الشاعر الغامدي همومه هو، وهي ليست هموماً صغيرة بالضرورة، بل هي هموم من خبر الحياة وجربها، فيقدم تأملاته ورؤاه في أكثر من قصيدة، بل إن جانبا كبيرا من شعرية الغامدي يمكن أن يطلق عليها وصف: (شعرية التأملات) حتى في الموضوع العاطفي، وقصيدة الحب، يقدم الغامدي هذه التأملات، ويبثها عبر قصائده المتعددة. ويقول السمطي: (إن في تجربة الشاعر الدكتور سعد عطية الغامدي ما يشي بتعدد القراءات الشعرية)، وقد اعتمد هذا الكتاب تنوع مجالات هذه القراءات للخروج بأكبر قدر من الدلالات الموضوعية حول شعر الدكتور الغامدي، ففي الفصل الأول الذي يقوم فيه الباحث بقراءة ديوان: (شطآن ظامئة) نهضت القراءة لتتبع المكون الدلالي وآفاق التشكيل الشعري لدى الشاعر من خلال البحث عن ثلاث مكونات، تتمثل في: صنع المفارقة الشعرية، والاحتفاء بقيم المكان، وشعرية التأمل، وقد سعت القراءة إلى تبيان هذه الآفاق، وإبراز ما تتصف به من تعبيرات دلالية، وكشف أنساقها وخواصها الشعرية، لبيان كيف أدى الشاعر دلاليا، أو بالأحرى كيف استطاع أن يصل بنا إلى استشفاف هذه الملامح والآفاق المهيمنة على البنية الدالة للديوان؟ وفي الفصل الثاني يذهب السمطي بنا في قراءة لديوان: (بشائر من أكناف الأقصى) المعنون ب: (الموضوع الوطني وصنع الدلالة الشعرية) ويسعى إلى بيان ماهية هذا الموضوع باعتباره الدلالة الأولى الناتئة في الديوان والذي تلامسه التجربة الشعرية بشكل مباشرة. إن التجربة الشعرية حين تلامس الموضوع الوطني فإنها تلامس أفقا محددا له ملامحه وخواصه ومسمياته، كما له حضوره وانتشاره، وتجليه في الذهنية القارئة، على اعتبار أنه موضوع عام وواقعي يرتبط بمصير (الجماعي) لا الذات الفردية الخاصة بالضرورة، ويبحث المؤلف في خواص هذا الموضوع الوطني وكيف تعامل الشاعر معه، باعتباره يقدم حدثا حيويا له انبثاقه وتجليه، وما أبرز الدلالات التي يركز عليها الشاعر. وفي الفصل الثالث: (بنية التكرار ولعبة التماثل) في نسق القصيدة الحديثة قراءة في ديوان: (إلى العرين شامخاً)، يبحث المؤلف عن ظاهرة بارزة في الشعرية المعاصرة، والقديمة على السواء وهي ظاهرة (التكرار)، فإن لهذه البنية معطيات مهمة في الخطاب الذي تقدمه القصيدة، إن التكرار - بوصفه قيمة أسلوبية - هو من الخواص البارزة والجلية؛ لأنه يكون ملحوظاً وناتئا في بنية القصيدة، التكرار علامة إيقاعية كما هو علامة أسلوبية، وهو يحقق قدراً كبيراً من الإنشادية والغنائية في بنية النص، وتجسد بنية التكرار الحالة التخييلية والذهنية الإبداعية التي يكون عليها الشاعر، وإن عمل الشاعر هنا يكون محكوماً بدقة حين يكرر، لأنه من الجوهري أن يشكل نصه الشعري على عنصر التغير، على ما هو مختلف في كل سطر شعري، لكن حين يؤدي هذه الظاهرة التكرارية إنما يؤديها لاعتبارات فنية وجمالية محددة؛ لأن التكرار سيصبح دون جدوى إذا لم يقدم للنص الشعري نوعاً من الدلالة المختلفة، وبالتالي على الشاعر أن يكون منتبها تماماً وهو ينتج قصيدته لهذه الظاهرة بحيث يؤديها بإتقان ووعي فني بشروط القصيدة الحديثة، ولا يقع أسيراً للتداعي والاستطراد والإطناب. وإن التكرار هو الظاهرة البارزة في النص الشعري الحديث، وفي الشعرية العربية بوجه عام، وهو يمثل بنية جوهرية من بنى القصيدة، وفي هذا الديوان يحاول السمطي العثور على جماليات هذه البنية، وكيف يتسنى لها إعطاء النص هويته التعبيرية والإنشادية والدلالية. أما الفصل الرابع والأخير: (زمنية الاستقبال والشعرية المضادة: قراءة في ديوان: بعد أن تسكن الريح) يجرب السمطي في هذه القراءة تأويل شعرية الاستقبال الزمني عبر الديوان وبشكل متدرج يذهب صوب القراءة الأفقية قصيدة بعد قصيدة، مطلا على هذا الهاجس الزمني المستقبلي للكشف عن آلياته وتأثيره الدلالي في النسق النصي للديوان بوجه عام. وقد اعتمد السمطي عدة مناهج ومفاهيم نقدية متنوعة في هذه القراءة، تدور بين آليات المنهج الأسلوبي، وآليات التلقي وبعض المفاهيم في نظريات الشعرية والتأويل، كما اعتمد الأسلوب المبسط في الكتابة النقدية والنأي قدر الإمكان عن المصطلحات المعقدة، وتخفيت حدة المنهج، ومفاهيمه المتعددة. والشاعر الدكتور سعد عطية الغامدي أصدر حتى الآن أربعة دواوين شعرية هي: (شطآن ظامئة) و(بشائر من أكناف الأقصى) و(إلى العرين شامخاً) و(بعد أن تسكن الريح) وتضم هذه الدواوين جميعا (121) قصيدة شعرية تتنوع ما بين الشكلين: العمودي والتفعيلي، والشاعر في كلا الشكلين يعلي من نسق الخطاب الغنائي، بمعنى أن الذات الشاعرة، بحضورها المراقب للأشياء، المعين للرؤى، تنسق أفقها الغنائي الإنشادي الناهض على حضور الضمير الفردي، وعلى جملة من العناصر الموسيقية والإيقاعية، بيد أن هذه الغنائية الظاهرة، التي تعلو على الأخص في الشكل العمودي، لم تمنع القصيدة من أن تقدم موضوعاتها الدرامية التي تعبر عن الأحداث الحية الساخنة، وأبرزها الحدث الفلسطيني، ومقاومة الاحتلال الصهيوني. ويذكر أنه صدر للسمطي من قبل عدة دراسات شعرية منها (أطياف الشعرية)، و(نسيج الإبداع).