هناك فئة من مخلوقات الله تخصصت في فن عجيب هو إحراج الآخرين.. يجدون متعتهم العظيمة في تلك الثواني التي يقضيها الضحية وهو في قبضة الحرج. هؤلاء ليس لهم إلا قلم د. غازي القصيبي اللاذع الذي قال عنهم ما يلي: * محرج الذاكرة وهذا الأخ العزيز يبدأ بسؤالك: - ما تذكرني؟! من الواضح لكل ذي عينين - ولمعظم العميان - أنك لم تتذكره، ومع ذلك يمضي محرج الذاكرة متلذذاً بتعذيبك: - أكيد نسيتني. وبدلاً من أن تصارحه بأنه لا يوجد أي سبب منطقي أو غير منطقي يجعل من شخصه الكريم شيئاً غير قابل للنسيان.. تلوذ بما لديك من أدب طارف وتليد وتقول: - أعوذ بالله! كيف أنساك؟ وهنا يغيب المحرج في نشوة عارمة من السعادة وهو ينظر إليك مباشرة ويقول: إذا لم تنسني فقل لي من أنا؟! ويحمر وجهك وتضطرب وتتلعثم، ولا تعرف ماذا تقول؟ ومحرج الذاكرة يبتسم في براءة الأطفال ويردد: - ما قلت لك؟ نسيتني! وتبدأ تفكر في إجابة إلا أنه يباغتك: - سبحان الله! زمان ما له أمان! يتكبر الناس على بعض وينسون بعض! * محرج المعدة ترى هذا السيد السند عرضاً وأنت تعبر قاعة فندق ما في طريقك إلى اجتماع ما، فينطلق صوبك كالقضاء المستعجل - كما يقول الأشقاء المصريون ويصرخ: - موعد! اعطني موعداً. لا حول ولا قوة إلا بالله! ويستطرد محرج المعدة قبل أن تنجح في العثور على مهرب ملائم: - الليلة! العشاء الليلة! وتقول أنت بصوت تحاول جاهداً أن تجعله نابضاً بالصدق: - للأسف عندي ضيوف الليلة. تدرك بمجرد صدور العبارة أن محرج المعدة سوف يحكم الخناق ولا يخيب ظنك: - ضيوف؟ أبرك ساعة، هاتهم معك. بصوت بدأ اليأس يدب إليه تقول: - اعذرني. ناس لا تعرفهم ولا تنسجم معهم. ويتلمظ محرج المعدة بشغف ويضحك ويقول: - أتشرف بك وبضيوفك. أصحابك أصحابي.. تنظر إلى محرج المعدة وتوشك أن تبكي وأنت تقول: - شكراً! شكراً! لا أستطيع. عندي معهم شغل خاص. تدرك على الفور أنك ارتكبت خطأ قاتلاً ويرد محرج المعدة: - شغل خاص؟ الله يهديك! إحنا بيننا أسرار.. إحنا اخوان. وقبل أن تقول شيئاً يباغتك: - وين عازمهم؟ تتقلص ملامحك وأنت تهمس بصوت ترجو ألا يصل إلى سمعه: - في البيت تقع في الفخ ويصرخ محرج المعدة: - خلاص، الساعة الثامنة أنا عندك في البيت. ويغمى عليك، وعندما تفيق تجده يقول للجميع الصغير وهو يشير إليك بسرور: - الرجال قلت له: باتعشى عندك ومات من الفرح! * محرج التربية البدنية وهذا البطل ممشوق القوام يطب عليك وأنت تفكر في وضع مترد من أوضاع الأمة العربية ويسألك دون مقدمات: - أنت تسوي رياضة؟ يلمح علامات الحرج تتسارع إلى وجهك فتتسارع علامات السعادة إلى وجهه وتقول: - أمشي. تدرك بمجرد خروج الكلمة أنك ابتلعت الطعم ويجيء السؤال أسرع من الرصاصة: - كم كيلو؟ تحاول أن تجيب على طريقة وزارة الخارجية البريطانية: - يعتمد.. حسب الظروف. إلا أن محرج التربية البدنية لا يؤمن بالردود الغامضة ويقول: - يعني كم كيلو؟ خمسة؟ ستة؟ عشرة؟ تهمس وأنت تقاوم الرغبة العارمة في قتله: - بين كيلو وكيلوين. تمتزج أمارات الاحتقار بابتسامة النشوة في وجه محرج التربية البدنية وهو يقول: - ما يكفي.. ما يكفي! يبغالك سبعة كيلو أقل شيء وش رأيك أمر عليك بكره ونمشي سوا؟ لا تجيب. ويخفف عليك محرج التربية البدنية المسألة: - كلها ساعتين بس. يمتقع وجهك ذعراً وتقول دون تفكير: - آسف! بكره أنا مسافر الفجر. رايح كندا. تتسع ابتسامة رائد المشي ويقول: - فرصة.. نروح المطار مشي. أمر عليك نص الليل والفجر إحنا في المطار. * محرج الوزن قبل النظرة والابتسامة والكلام يصفعك محرج الوزن بالملاحظة العلمية الدقيقة التالية: - ترى وزنك زايد يا فلان. وتتلعثم، كعادتك أمام المحرجين وتردد: - ناوي أعمل ريجيم إن شاء الله. يتجاهل المحرج وعدك ويمضي قائلاً: - يبغالك تنقص أربعين كيلو. أقلها. وترد بالموافقة الفورية آملاً أن ينتهي الحوار الظريف عند هذا الحد. إلا أن محرج الوزن لم يكد يبدأ.. ويستأنف: - ترى فلان مات بالسكتة وذبحة الكولسترول. كله من زيادة الوزن. وتهز رأسك موافقاً على أن زيادة الوزن أفتك سلاح في ترسانة عزرائيل ويسترسل محرج الوزن: - وفلان تحرول، زاد الوزن على ركبته وتحرول. وتؤكد أنت أن زيادة الوزن خطر داهم على الركب ووسيلة مضمونة للشلل. ويمضي محرج الوزن: - والضغط! ترى الضغط ما يجي إلا من زيادة الوزن. ويستمر غير آبه برأسك الذي يهتز بعنف تأييداً لكلامه: - عليك بريجيم الليمون. وتوافق مسبقاً على ريجيم الليمون بأمل أن تعفى من تفاصيله، إلا أن التفاصيل تأتي على أية حال: - قبل الفطور تعصر أربع ليمونات في ماء حار وتشربه مرة واحدة. والفطور جريب فروت. وقبل الغدا تعصر سبع ليمونات في ماء حار وتشربه والغدا جناح حمامة. لا ينتهي محرج الوزن من وصفته إلا وأنت على وشك أن تضع يديك على رقبته وتضغط.. وتضغط.. حتى تخرج من مسامه كل ليمونة شربها مع الماء الحار في حياته.