يتكون هذا الكتاب القيم من مقدمة، ثم تعريف بالكتاب، ثم تعريف بالإرهاب، ودوافعه، ونشأته ومن هم وراءه، وما عرف عنه قبل الإسلام وبعد الإسلام وغموضه وصلته بالخوارج وصفته في اليهود.. حتى يصل إلى مفرزات العداء، ومن يحرك الفتن وتساؤلات مع الإرهابيين، وكيفية علاج هذا الداء العضال، ثم يختم بخاتمة وملاحق وفهرس لمحتويات الكتاب. أما المؤلف، فهو صديقنا الخلوق الدكتور محمد بن سعد الشويعر، صاحب المؤلفات الكثيرة، والمصنفات الرصينة، ومن له باع طويل في الحراك الثقافي على أكثر من صعيد ومنبر، فهو الباحث المنقب في التراث، والمراجع الموثق في تاريخ المدن والآداب والأنساب، وهو الكاتب المواظب، والمحاضر الدائب على الطرح النير والحوار الذي لا يضيق بالآخر. لماذا الإرهاب..؟! تفضل علي الصديق الدكتور محمد بن سعد الشويعر، فأهداني نسخة، من مؤلفه هذه الصائفة، الفارطة، فجاءت فرصتي الثمينة، للاطلاع عليه، في ليالي العيد السعيد، وكنت كلما قلبت صفحة - منه إلى أخرى جديدة، سألت نفسي: ولماذا الإرهاب..؟! أعني، لماذا يكتب الدكتور الشويعر عن الإرهاب.؟ ولماذا أكتب أنا، ويكتب آخر وآخر من أبناء هذا البلد عن الإرهاب.؟! * الواقع أن كل بيت في بلادنا متأذ من هذا الداء.. بل كل مواطن في هذه البلاد؛ تأذى بشكل أو بآخر من هذا السلوك المشين الذي سلكه أناس تجردوا من قيمهم الدينية والحضارية، والإنسانية، فاختاروا جانب القتلة والمجرمين الفجرة الذين يدعون أنهم ينفذون إرادة رب العالمين، وهم بذلك يكذبون على الله ورسوله والمؤمنين أجمعين. إذا لم يكتب باحث متمكن مثل الدكتور الشويعر، عن هذه الظاهرة التي وصمت المسلمين بتهمة وجرم الإرهاب؛ فمن يكتب إذن..؟! الُّلبَاب في كتاب الإرهاب.. قلت (بعض) اللباب في كتاب الإرهاب، لأني هنا؛ إنما أقدم لمحات لجهد بحثي ثري بما هو نافع ومفيد، خاصة وأن المؤلف الفاضل؛ لا يقدم رؤية شخصية بحتة، وإنما يدعم طرحه في كتابه، بأدلة شرعية من القرآن الكريم والسنَّة النبوية الشريفة، ثم يسند بعد ذلك؛ إلى حوادث وأخبار وتاريخ طويل، يمتد إلى مئات السنين، فالإرهاب كسلوك عدواني شاذ في المجتمعات البشرية، قديم قدم البشرية نفسها؛ وربطه بالديانات؛ إنما هو تسويغ لفكره، وتسويق لممارسة عنيفة مرفوضة على كافة المستويات. ماهو الإرهاب..؟! استوقفتني بداية في هذا الكتاب، محاولة المؤلف، تقديم تعريف شافٍ ضافٍ للإرهاب، فانطلق من التعريف اللغوي الذي بدأ بالتخويف والترهيب عند ابن منظور، إلى وصف عرضه المعجم الوسيط، قال المؤلف: هو (أقرب للدلالة) ويقول (الإرهابيون) جمع واحدهم إرهابي، ويطلق على الذين يسلكون سبل العنف والتخويف لتحقيق مآربهم السياسية. ولتحرير هذا المعنى بين اللغوي والمصطلح، ينتقل الباحث، باحثاً ومحرراً ما جاء حوله عند أهل الشرق وأهل الغرب، حتى يصل إلى مصطلح يسمي الإرهابيين ب(الفئة الضالة) وهو كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشهرستاني وابن حزم ورد في كتبهم التي تبحث في العقائد والملل. ص28 وهؤلاء هم الخوارج كما يقرر المؤلف بعد ذلك، يظهرون في كل عصر مثلما ظهروا في عصر الخلافة النبوية وابن حزم- رحمه الله- يقول عنهم: (اعلموا -رحمكم الله-، أن جميع فرق الضلالة، لم يجر الله - قط - على أيديهم خيراً، ولا فتحوا من بلاد الكفر قرية، ولا رفعوا للإسلام راية، ومازالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين، ويسعون في الأرض مفسدين) ص28 عن الفصل في الملل والنحل لابن حزم. من صفات الفئة الضالة قال الدكتور الشويعر بعد ذلك (ومما أركن إليه في تأييد هذا المصطلح - يقصد الفئة الضالة لأنه قد يكون أوفى بالمقصود.. الأسباب التالية.). ثم سرد وفصل في ستة أسباب.. أضيف أنها من صفاتهم، وإن لم تكن وحدها.. وهنا أوجز ما ذكر: 1- إنهم يغرسون الحقد والغل في قلوب الناس. 2- إن من تصدر للأمر منهم، ماهم إلا حدثاء الأسنان، وسفهاء الأحلام، لا علم عندهم ولا بصر أو تجربة أو فقه. 3- جرأتهم على تكفير العلماء وولاة الأمور، حتى يبرر خروجهم عليهم، وإباحة قتلهم، وتجريمهم دون مستند شرعي. 4- أخذهم العلم من غير العلماء بل اعتمادهم على علماء السوء. 5- تكفيرهم بدون مقاييس شرعية ويفتون بدون فقه ولا وعي، وجهلهم بقواعد المصالح والمفاسد. 6- جهلهم بمواطن الاستدلال، وتحريفهم الكلم عن مواضعه، وإنزال النصوص على غير ما تدل عليه، والبعد عن منهج السلف الصالح في القرون الثلاثة المفضلة. دوافع الإرهاب في كلامه عن دوافع الإرهاب، من سياسية ، أو شخصية أو حتى جنائية، خلص المؤلف إلى خمسة دوافع قال عنها (كل هذا وأكثر منه، جعل بعض الشباب، يعبرون عن أنفسهم بأي أسلوب يحقق نزعات متنوعة ترضي ميول تلك النفوس الحاقدة والموضوعة للإضرار) ص36 وأنا أتفق مع المؤلف في ذلك، وأعتقد أنها تظل من باب إثارة النزعات الشيطانية التي لايمكن بحال أن تبرر الإرهاب أو تسوغ التحريض عليه. نشأة الإرهاب ومن يقف خلفه لقد أحسن المؤلف، في تقديم صورة تاريخية، لنشوء هذه الظاهرة التي لم تعد حكراً على أمة بعينها، وإنما هي ظاهرة عالمية تهدد بخطرها كل العالم شرقاً وغرباً. فشرارة الإرهاب الأولى في تاريخ الإسلام كانت مع مقتل الخليفة عثمان بن عفان- رضي الله عنه-، ثم برز الخطر الذي شكل بذرة لفتنة ظلت تفرخ الإرهاب حتى يوم الناس هذا؛ مع ظهور الخوارج، فهم منذ خلافة الإمام علي كرم الله وجهه إلى اليوم يقدمون النموذج الضال في الذي يجعلون منه صبغة على دين المسلمين، ويعكسون أبشع صورة عرفتها الأمة الإسلامية على مدى تاريخها المجيد. من وراء الإرهاب سواء عند العرب أو في غيرهم من الأمم، هم بدون شك وكما قال المؤلف ضعاف نفوس، مسكونون بالشر والغدر والخداع، والأمثلة على ذلك كثيرة، في تاريخ اليهود، وفي تاريخ كافة الأمم على مر العصور. الإرهاب.. والخوارج عقد المؤلف ما يصح أن يكون فصلاً في إيضاح حقيقة الإرهاب اليوم، وأنه استمرار لنهج الخوارج الذين خرجوا على الأمة بعد موقعتي الجمل وصفين في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه. وفي هذا الفصل المهم في هذا الكتاب أورد المؤلف ثلاثين نقطة تشكل عوامل التقاء بين فكر وعمل الخوارج وفكر وعمل الإرهابيين اليوم، الذين أشعلوها فتنة بحجج منقوضة وشبه معزولة، وأوهام وأحلام وتخرصات لا تخفى على ذوي الألباب. فخوارج اليوم مثل أجدادهم يكفرون ويقتلون ويخربون ويبيحون الدماء والسلب والنهب، وهم يظهرون التقوى والصلاح، ويدعون العصمة ويتحججون بالمنكرات ويتسترون بالمبررات ولا حول ولا قوة إلا بالله. العلاج ليس بإمكاني التوقف عند كل مقالة عرض لها هذا الكتاب، ولكني أختم بنظرة سريعة إلى تساؤل المؤلف في ختام كتابه: بماذا نعالج الإرهاب؟ فالمؤلف وإن اعتبر الإرهاب داءً في منزلة الحمق، يعيي من يداويه، مستدلاً بقول الشاعر: لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها إلا أنه يراه من الفتن التي تعالج بتسليح النفس وإعانتها على تجاوز العقبات.. وعرض لأمور علاجية في هذا الباب، منها التمسك بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وتمثيل القدوة الصالحة في المجتمع وتحاشي وقوع الجريمة وإثارة يقظة الحس وصحة الإيمان وسلامة العقيدة وتوجيه الشباب بشكل حسن، وتفهم المتغيرات الاجتماعية والشبابية والتخطيط لتوجيهها والوقوف في وجه الأخطار والفتن، وتأصيل الحوار وترسيخ الأمن الفكري والاجتماعي وحفظ الحقوق والتوجيه السليم فكرياً وثقافياً ومهنياً. في الختام هذه كلمة شكر لأخي الدكتور محمد بن سعد الشويعر، على هذا الجهد الذي جاء في وقته لعل الله ينفع به من أراد النفع والهداية.