كنا قد نشرنا يوم أمس وأمس الأول فعاليات ندوة الإعلام والحوار الوطني (العلاقة بين المضمون والوسيلة) التي اشتملت على العديد من أوراق العمل المهمة والمداخلات المتباينة التي أثرت اللقاء مما جعله يتسم بالشفافية والوضوح في مناقشة كافة القضايا التي تربط الإعلام بالحوار الوطني.. وفيما يلي نقدم استعراضاً لبعض أوراق العمل التي قدمت أثناء ذلك اللقاء.. * الرياض - حمود الوادي، محمد الفيصل: خطبة الجمعة والمحاضرات الدينية والحوار الوطني د. عبدالرحمن بن زيد الزنيدي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تمثل خطب الجمعة والمحاضرات الدينية إحدى أهم السبل التربوية الإعلامية التي تقوم بإيصال المعتقدات والأفكار إلى أكثر الشرائح الاجتماعية وإلى ترسيخها في نفوسهم، ومن ثم التأثير في وجهات نظرهم ومواقفهم، وتأتي قوة هذه الوسيلة فضلاً عن عموميتها لأغلب الناس، من الرمزية الشرعية التي تمثلها الخطبة أو المحاضرة الدينية بما لهذه الرمزية من ارتباط بالإيمان والطاعة التي هي مقتضى التدين الصحيح الذي يمثل الخطيب والواعظ الديني واسطة تبليغ تعاليم الدين إلى الناس فالخطيب أو المحاضر الديني إنما يتحدث حلاً أو حرمة صحة أو فساداً. كما تأتي قوتها من مقام مقدمي الخطب والمحاضرات الدينية بصفتهم علماء شرعيين ودعاة إلى الله مما يعني امتلاكهم صفات الصدق والتجرد للحق، والغيرة عليه، كما تأتي القوة أخيراً من أسلوب تلقي الخطبة والمحاضرة الذي يتجلى في الإنصات التام، والشعور بأنه في عبادة أثناء الاستماع والتفاعل الحيوي مع دفقات الخطبة أو المحاضرة مما يجعل وعيه حاضراً متابعاً، مثلاً عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم تشرع الصلاة والسلام عليه ونحو ذلك، وهذا الأسلوب يتشكل من الأدب الإسلامي الذي جاء به القرآن والسنة - {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، (من مس الحصا فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له)، وهناك آداب لمجالس الذكر ذكرها العلماء السابقون. لكل ما سبق فإنه ليس من الخير لا شرعياً ولا وطنياً عزل هذه الوسيلة عن مجرى الإصلاح الاجتماعي، بل ولا السماح بأن تبقى رهينة الجهود الفردية للخطباء والمحاضرين بإهمالها وعدم تطوير أدائها بما يحقق فاعليتها الثقافية في المجتمع. دور الخطب والمحاضرات الدينية هو معالجة القضايا الإسلامية في حياة الناس، ونظراً لشمولية الإسلام لكل جوانب الحياة فإن المفترض ألا ينحصر دورها في المسائل العقدية والعبادية بل تكون القضايا الاجتماعية والثقافية جزءاً من اهتماماتها، بل الجزء الأهم الآن لأن الارتباك في حياة المسلمين اليوم خاصة في مجتمعنا هو في قضايا الثقافة والاجتماع أكثر مما هو في العقيدة والعبادات، مما يعني ضرورة ربط الناس في قضايا مجتمعهم بالرؤية الشرعية المعتدلة التي تتحقق بها المصالح وتدرأ المفاسد. وهذا ما تطورت إليه الخطب وكثير من المحاضرات الدينية منذ أكثر من عقدين وما يزال، حيث الاهتمام بالتحولات الاجتماعية والظواهر المستجدة سواء كانت محلية أو ذات بعد عالمي، وذلك بمعالجة القضايا التي يعيشها الناس من زاوية حساسيتها الدينية لاستثارة عواطفهم وبرمجة المواقف المفترض اتخاذها من قبلهم، حسب توجيه الخطيب والمحاضر تجاه تلك القضايا تأييداً ودعماً أو رفضاً ومنافرة، ويمكن أن يشار إلى أن من المواضيع التي كانت مجالاً لكثير من الخطب والمحاضرات خلال السنتين الماضيتين. (التطرف، الجهاد، المناهج الدينية في المدارس، دمج رئاسة البنات مع وزارة التربية والتعليم، قيادة المرأة للسيارة، ستار أكاديمي، وكثير من قضايا الشباب والمرأة تفاعلاً مع إثارات الصحافة كما في حلقات التحفيظ والمراكز الصيفية، ومشاركة المرأة في الانتخابات....). لكن يلحظ بهوت أو قل غياب تناول الخطب والمحاضرات الدينية للقضايا الأوسع من تلك الجزئيات مع بعدها الوطني من جهة، وحضورها الإعلامي من جهة أخرى مثل (المواطنة، الشورى، الديمقراطية، وبعض قضايا الثقافة....) مما يدخل في قضايا الحوار الوطني بشكل مباشر لكن الأمر أعمق من ذلك، فالقضية ليست عدم طرق موضوعات من قضايا الحوار الوطني ولكنها قضية منهج في معالجة أي قضية يتطرق لها الخطيب أو المحاضر. إن المنهج السائد في الخطب وفي أغلب المحاضرات الدينية الآن يتمثل في الشحن العاطفي والأحكام القاطعة، الاستنجاد بالحضور للمبادرة إلى الاندفاع نحو ما ينبغي أن يكون، وهو ما يرسمه الخطيب. طبعاً هذا المنهج ليس جديداً مع الخطابة المعاصرة، إنه هو المنهج الطبيعي للخطب ولهذا كان (المنطق الخطابي) أي العاطفي الذي عماده بلاغة الأداء والثقة بالملقي مقابلاً للمنطق الجدلي والبرهاني، المفارقة هنا أن الخطبة قديماً كانت تتعلق بيقينيات يذكر بها عقائد أو عبادات، وقيماً وفضائل مما لا يحتاج معه الخطيب إلا الترغيب والترهيب لأنها مسلمة أساساً لدى الجميع ومعلومة من الدين بالضرورة، لكن الخطبة - فضلاً عن المحاضرة - اختلفت كثيراً عن السابق في الموضوعات التي تناولتها حيث يتم في خطب كثيرة تناول قضايا اجتماعية ليس فيها أحكام نصية بل ولا اجتهادات راجحة أحياناً (مشاركة المرأة في الانتخابات، عضويتها في مجلس الشورى، ونحوها) مما يجعل إملاء رأي معين على أنه اليقين من الشرع وأن من عدل عنه مجانب للحق راغب عن سبيل المؤن مستحق لدعائهم منطقاً خاطئاً ومنهجاً غير سليم. إن منهجية العلم مرتبطة بموضوعه مما يجعل تغير الموضوع مؤثراً في المنهج تعديلاً أو تغييراً. ولهذا فإن الخطيب بين خيارات ثلاثة: - إما أن يعود بموضوعات الخطابة نحو صورتها المأثورة يجعلها وصية بالتقوى، ووعظا بالتزام الإسلام بإقامة شعائره، والتحلي بفضائله، والانزجار عن كبائره، وهنا يسوغ الإطلاق والشحن العاطفي الذي يرتفع بالناس نحو ما ينبغي أن يكون ولو على مستوى الرغبات للحظات، والركون إلى الترغيب والترهيب وبيان عظيم الوعد للمستجيبين، وأهوال الجحيم للمقصرين والرافضين. - وإما أن يُعدِّلَ في منهج تناوله بتقديم رأيه على أنه وجهة نظر واحترام وجهات الآخرين، ونقدها بمنطق متزن، والدعوة إلى الاجتماع والألفة بين أصحاب الوجهات المختلفة ما دامت في إطار المبادئ والقيم العامة للإسلام على الرغم من اختلاف وجهاتهم، والنأي بمقام الخطبة والمحاضرة أن تكون قناة تشهير أو تصفية حسابات مع المخالف خاصة إذا كان من أهل العلم أو الفضل. - وإما أن يشير إلى الظاهرة التي يريد التعرف لها، وإلى مواقف الناس تجاهها، ويكون دوره العملي حث الناس على التبصر تجاهها، وتوصية أصحاب الشأن علماء أو مثقفين أو سياسيين بالانطلاق من هدي الإسلام في النظر إليها، ومن المصالح الشرعية في تقويمها، ومن بناء المواقف منها على استجلاء الآثار التي يتوقع أن تنتج عنها.وأخال أن هذا الخيار أولى الخيارات لخطبة الجمعة المحدودة زمنا والمصطبغة بالوعظ والتذكير شرعا وشعورا لدى المصلين، إذ ليس من السائغ أن تبقى الخطب في غربة تامة عن تحولات الحياة التي تمثل هم الناس وشغلهم في الليل والنهار، وليس من السائغ في خطبة حث الشرع على قصرها، فضلا عن مقتضيات أدائها (كونها ظهرا، وتجمعا مسجديا حاشدا، والمستمع لها ملزم بعدم الكلام أو الحركة..). أن تكون مجالا لشرح الظواهر وخلفياتها وآثارها والمواقف منها مما له مجالاته الأخرى، التي منها المحاضرة. لذا فإن المناسب للمحاضرة الدينية هو الخيار الثاني، وفق ما أسلفناه. ما هو الحوار الوطني الذي نتأمل في علاقة الخطبة والمحاضرة الدينية به؟ الحوار الوطني يتمثل في علاج قضايا تخص الوطن من خلال تأمل وتفهم طروحات المهتمين من أبنائه، ومناقشتها بعقلانية وأدب ورعاية للمصالح الشرعية لهذا الوطن. وقد سبق أن الخطب والمحاضرات الدينية ليست معزولة عن القضايا الوطنية، وأنها تتناول كثيرا من قضايا المجتمع بأسلوب عام للقضية من وجهة الإسلام، أو بأسلوب يحدد القضية بصفتها ظاهرة وطنية معينة، وقد تبين لنا أن المشكلة تكمن في المنهج، منهج التناول، لا في وجود التناول أو عدمه. السؤال الآن: كيف نستطيع جعل الخطب والمحاضرات الدينية قناة للمشاركة في الحوار الوطني، والإسهام في الارتقاء به من خلال منطق اعتدال واتزان وحسبان للمصالح الشرعية؟ لتحقيق ذلك أتصور أنه ينبغي اتخاذ جملة أمور من أهمها: 1- أن يقوم تعاون جدي بين وزارة الشؤون الإسلامية وهي المعنية بالحوار الجامع ومراكز الدعوة، وبين مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لتعزيز دور الخطابة والمحاضرات في قضايا الحوار الوطني. 2- إقامة دورات صغيرة أو ندوات يحضرها الدعاة والخطباء تعالج منهجية التناول الدعوي لقضايا الحوار الوطني، وتدرب على ذلك. 3- كسر الحاجز بين الدعاة خطباء ومحاضرين، وبين مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ليتعرفوا على أهدافه وطبيعته ومجالات عمله، ويمكن جعل موضوع لقاء من لقاءات المركز عن قضية تهم هؤلاء الدعاة مباشرة مثل (نحو منهج أجدى للأنشطة الدعوية في المملكة) يناقش فيها دعاة كل منطقة رؤى الآخرين في هذا المجال، ويقدمون رؤاهم هم، ويمكن عقد لقاء ختامي عام على غرار ما سيتم في (اللقاء الخامس). 4- تزويد وزارة الشؤون الإسلامية بنتائج وتوصيات ولقاءات الحوار الوطني لتوزيعها، وطلب تناولها كما تفعل الوزارة في مسائل ترشيد المياه وأسبوع المرور ونحوها. 5- ويمكن لتفعيل النقطة السابقة أكثر أن تقوم لجنة في الوزارة بصياغة توصيات اللقاء على شكل عناصر خطبة أو أكثر مع تأصيلها شرعيا مساعدة للخطيب والداعية. وأخيرا فإن الحوار الوطني، سواء تمثل في القضايا ذات الهم المشترك لكل أبناء هذا المجتمع السعودي، والتي بمجموعها تمثل مفاصل حركته الراهنة والمؤثر الأساسي على مستقبله، أو تمثل - هذا الحوار - في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي يتولى الآن استقطاب القيادات الفكرية والاجتماعية وشرائح المجتمع المهمة - الشباب والمرأة - لتفعيل هذا الحوار عبر لقاءاته المتتابعة بأصدائها الإعلامية وتوصياتها، وتفاعل المؤسسة الرسمية معها - أقول: إن الحوار الوطني بهذين العنصرين - ينبغي ألا يكون غائبا عن العمل الدعوي خطبا ومحاضرات دينية، لابد من التفاعل المتبادل بين الجانبين، بما يحقق المصلحة الشرعية وخدمة الوطن، وتنوير الناس، والاستجابة الإيجابية من كل طرف للآخر للاستفادة المتبادلة.. والله الموفق. *** النخبة الدينية الثقافية ومبادرات التواصل الشيخ حسن بن موسى الصفار داعية إسلامي في كل شريحة من المجتمع قيادات فكرية واجتماعية بارزة، لها موقعيتها وتأثيرها في الأوساط المحيطة بها، ومن أجل أن تتحقق حالة التواصل والتلاحم بين فئات المجتمع، لابد من وجود حوار وتواصل بين الرموز المؤثرة في شرائحها، لأنها هي التي تصنع وتحدد الموقف من الآخر بين أتباعها، فحين تتواصل وتتحاور مع رموز الأطراف الأخرى، تكون أفضل معرفة وإدراكا لواقع الآخرين، حيث تكتشف مناطق الاتفاق، وتحدد موارد الاختلاف وتظهر لها مجالات التعاون لخدمة المصالح المشتركة للأمة والوطن. كما أن حالة التواصل الشخصي والجمعي بين هذه النخب تساعد على تجاوز الحواجز النفسية، وتخلق أجواء إيجابية تخدم وحدة المجتمع وتكرس نهج الحوار في أوساطه. وعلى العكس من ذلك فإن التباعد والقطيعة بين ذوي الرأي والتأثير في المجتمع، يتيح الفرصة للأخذ بالظنون السيئة، ولانتشار الشائعات الخاطئة، ولإبقاء الحواجز بين مختلف الشرائح والفئات. فلو بادر بعض ذوي الرأي من كل جهة، للانفتاح على أمثاله من الجهة الأخرى، ومناقشة موضوع العلاقات الداخلية بين الجهات والفئات، وكيفية تأطيرها في الإطار الإسلامي والوطني، لقطعت مجتمعاتنا شوطا متقدما على طريق الوحدة والانسجام والتعاون، ولوفرنا على أمتنا خسائر القطيعة والنزاع والاحتراب. ونقصد بذوي الرأي أصحاب الكفاءة العلمية والفكرية، ممن يمارسون دور التوجيه والتأثير في المجتمع كعلماء الدين، والمفكرين المنتجين، والقيادات الاجتماعية. إن تقاعس ذوي الرأي عن المبادرات الإيجابية، وعن رفع الصوت عاليا بالدعوة إلى الانفتاح والحوار، هو الذي يترك الساحة فارغة، لأصوات دعاة الكراهية والمتطرفين، من الجهات المختلفة. ونتساءل هنا: لماذا تنعدم في ساحتنا - أو تقل - مبادرات ذوي الرأي على اختلاف توجهاتهم في الانفتاح على بعضهم بعضا، والتحاور فيما بينهم من أجل رأب الصدع، والاهتمام بالمصلحة العامة؟ في الجواب عن هذا التساؤل يمكن القول: إن هناك مجموعة من الأسباب والعوامل، تضعف توجه ذوي الرأي، وتقلل مبادراتهم باتجاه التواصل والحوار، ومن أبرزها ما يلي: 1- ضعف الاهتمام بالشأن العام: إذا وفق الله تعالى الإنسان لنصيب من العلم والمعرفة، وقدر من الوعي والخبرة، فإنه بنفس الدرجة يكون مسؤولا عن توظيف ذلك في خدمة المجتمع والمصلحة العامة، لكن بعض ذوي الرأي يعيشون همومهم الخاصة، فإذا كان الحوار والانفتاح على الآخر لا يحقق كسبا ذاتيا، فإنه لا يكون من دائرة اهتماماتهم، ولا ضمن سلم أولويتهم. وهذا هو منطق البعض من علماء الدين أو المثقفين في مجتمعاتنا. إنه لا يشعر بحاجة شخصية، ولا يتوقع مكسبا ذاتيا من خلال الانفتاح على الآخر والحوار معه. ولكن ماذا عن المصلحة العامة؟ إنك قد لا تكون محتاجا للآخر على المستوى الذاتي الشخصي، وهو قد لا يكون محتاجا لك كذلك، ولكن الوطن والمجتمع يحتاج إلى تلاقح الآراء، وتضافر الجهود، وسد ثغرات الفتن والنزاعات، وترسيخ الوحدة الوطنية والاجتماعية. 2- مشاعر الاستعلاء أو الرهبة: حينما يكون ذو الرأي في موقع متقدم من حيث المنصب أو الإمكانيات المادية والاجتماعية، فإنه قد يهيمن عليه شعور بالاستعلاء والتفوق على أمثاله، من ذوي الرأي الذين لا يصلون إلى مستوى مكانته وقدرته، فيعزف عن الانفتاح عليهم، ويترفع عن الحوار معهم، لأنه لا يجدهم أندادا. وقد لا يكون ذو الرأي شخصيا في موقع قوة، لكن انتماءه إلى فئة هي في موقع القوة، يكفي لمنحه ذلك الشعور بالاستعلاء. وعلى العكس من ذلك، فقد يكون الشعور بالضعف والرهبة من الطرف الآخر سببا للعزوف عن الانفتاح والحوار، فمن لا يكون واثقا من نفسه، أو من علمه ورأيه، فإنه يتلكأ في التواصل مع الآخرين، خوفا من ظهور ضعفه، أو أن يفتح ذلك منافذ للتأثير على جمهوره وقاعدته. 3- التصنيف والأحكام المسبقة: في أجواء التشنج والخصام، وحينما تتضخم مسائل الخلاف، يصنف الناس بعضهم بعضا تصنيفا حادا، ويصدرون على بعضهم البعض أحكاما غيابية قاسية. وحينما يصنف الإنسان الآخرين عدائيا، ويحكم عليهم بالإدانة سلفا، فإنه لا يندفع للانفتاح عليهم والحوار معهم. ولكن حتى إذا غضضنا النظر عن خطأ التصنيف والحكم المسبق، فإنه لا يصح أن نتجاهل أن تطورا واضحا في مستوى الوعي، والثقة بالذات، والاستقلالية في الرأي، قد حصل في ساحة المجتمع، نتيجة للتطورات العلمية والاجتماعية، وهذا يعني أن الأيديولوجيات والمذاهب والمدارس الفكرية، ما عادت تحكم سيطرتها في جميع الآراء والمواقف على المنتمين لها، لذا لا يصح أن تحاكم شخصا أو تدينه من خلال ما تكونه من انطباع عن الجهة التي ينتمي إليها، فالأحكام التعميمية لم تعد دقيقة ولا صائبة. ثم إن كون الآخر منتميا لهذا الاتجاه أو ذاك، ومهما كان تصنيفك له، فإنه لا يصح أن يمنعك من إشادة جسر العلاقة الإنسانية والاجتماعية معه، خاصة مع وجود مصلحة مشتركة، ولقد عاهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يهود المدينة ونصارى نجران، وتعاطى الخلفاء من بعده مع مختلف أتباع الديانات، وجرت اللقاءات والحوارات بين زعاماتهم والقيادات الإسلامية، ويكفينا قوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} سورة الممتحنة الآية 8). وتحدثنا السيرة النبوية الشريفة عن مداراة الرسول صلى الله عليه وسلم لزعماء المنافقين والتواصل معهم، كما في عيادته صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن أبي عند وفاته، وكان أئمة المذاهب وعلماء الفرق يتواصلون فيما بينهم عبر تاريخ الأمة مع اختلافاتهم العقدية والفقهية، ولنا حاضرا في بعض الساحات الإسلامية كمصر ولبنان وإيران وباكستان شيئا من التواصل بين مختلف التوجهات. 4- ضغوط التعبئة الجماهيرية: يبالغ بعض علماء الدين أو المثقفين أحيانا في تعبئة جمهوره ضد الطرف الآخر، وإلصاق مختلف التهم والعيوب به والتشكيك في نواياه، ويرتب على ذلك تحريم وتجريم أي نوع من التواصل معه. إن مثل هذه التعبئة تصبح أسرا وقيدا على حركة منتجيها، ويجعل من الصعوبة بمكان أن يتجرؤوا على الانفتاح على الطرف الآخر، أو الحوار معه، لأن جمهورهم قد تربى على منحى مخالف. ولا أدري ما هو المبرر الشرعي لهؤلاء في تربية جمهورهم على الأحقاد والأضغان، وسوء الأخلاق؟ مع أن القرآن الكريم يأمر المسلمين أن يتعاملوا مع الكفار المشركين بالتي هي أحسن، لإظهار وجه الإسلام الحضاري الإنساني، يقول تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}سورة فصلت الآية 34). إن التعامل الإنساني مع الآخرين يساعدك على استقطابهم والتأثير فيهم، بينما إساءة التعامل والأخلاق تنفر الآخرين من الحق الذي تعتبر نفسك داعية له!! كما يأمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يستقبلوا الناس - كل الناس - بحسن المعاشرة وطيب الكلام، يقول تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} سورة البقرة الآية 83)، وفي تفسير هذه الآية الكريمة يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي: (ثم أمر بالإحسان إلى الناس عموما، فقال: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} ومن القول الحسن: أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليمهم العلم، وبذل السلام، والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب. ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله، أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق، وهو الإحسان بالقول، فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى الكفار). (السعدي: الشيخ عبدالرحمن بن ناصر، تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 66، دار الذخائر، مؤسسة الريان، بيروت 1997م). 5- مراكز القوى: هناك مراكز قوى خارجية وداخلية، لا يعجبها أن تسود أجواء الوئام والانسجام في شعوب الأمة، ولا أن تتصلب الوحدة الوطنية في بلاد المسلمين، لذلك تستخدم كل أساليبها ووسائلها للإبقاء على حالة التفرقة والنزاع، ولمنع أي تقارب جاد بين الجهات والاتجاهات المختلفة. تلك هي أبرز العوامل - فيما يبدو لي - التي تعوق انطلاق مبادرات الانفتاح والحوار بين ذوي الرأي من علماء ومفكري هذه المجتمعات. لقد آن أن يتحمل ذوو الرأي في مجتمعاتنا، وخاصة علماء الدين، مسؤوليتهم في تجاوز حالة القطيعة مع بعضهم البعض، وأن يتحلوا بالجرأة والشجاعة في الانفتاح والحوار، وأن ينقذوا المجتمع من مشاكل الصراع والنزاع، فالتحديات والأخطار التي تواجهها أجيالنا المعاصرة، أكبر من القضايا التي يتم على أساسها التصنيف والافتراق. إنني آمل أن يضع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني من بين مهامه تشجيع حال التواصل الشخصي والجمعي عبر مختلف البرامج بين ذوي الرأي في أرجاء الوطن على اختلاف توجهاتهم. وأقترح وجود جهة في المركز للتواصل مع المنتديات القائمة في مختلف ربوع المملكة لتفعيل دورها في ترسيخ نهج الحوار الوطني، وتحقيق التواصل بين رموز وشرائح المجتمع المتنوعة. *** الصالونات الأدبية وتأصيل قيمة الحوار في المجتمع السعودي أ. سهم بن ضاوي الدعجاني مشرف النشاط الثقافي في الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض سكرتير تحرير المجلة العربية إبرازا لمبدأ الحوار الوطني الذي تعد الصالونات الأدبية من أبرز قنواته الشعبية في المملكة العربية السعودية، وتسجيلا لبعض الصور المشرقة في مشهدنا الثقافي السعودي، وتوثيقا لشيء من تاريخ الحركة الثقافية، حاولت منذ أكثر من سبع سنوات رصد نشاط بعض الصالونات الأدبية على امتداد وطني الغالي، لعل في ذلك شيئا من الثناء الذي يستحقه أولئك المواطنون المخلصون أصحاب تلك الصالونات الذين جعلوا منازلهم مجالس علم ومنارات ثقافة وواحات حوار وطني بناء. كما آمل أن يكون هذا الرصد لناشئة الفكر والأدب في المملكة دليلا ومرشدا لحضور تلك الصالونات لعلهم يجدون فيها فعلا ثقافيا وزادا فكريا مبنيا على حوار جاد بناء، يسهم في صنع بيئة مدنية صالحة، ووعي فكري وثقافي، وتدعو للحوار بين مختلف الشرائح والفئات. منذ مدة طويلة كانت الصالونات الأدبية التي تشهدها بعض الدور في عدد من المدن السعودية، نوافذ يطل من خلالها الفكر والثقافة، ومن هنا فإن دورها يعد موازيا للمنابر الرسمية مثل الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون وسواها من المؤسسات التي ترفع راية الفكر والثقافة. وغرست هذه الصالونات الأدبية تقاليد ثابتة من خلال التواصل مع الأدباء والمثقفين وأرباب الفكر، ولم يكن الأمر قصرا على دارة دون أخرى بل تكاد تلمس تشابها في الشكل مع تنوع في الطرح وخلاف يسير في الأسلوب. إن انتشار المجالس الأدبية أو (الصالونات الأدبية) في بلادنا التي يحلو لبعضهم تصنيفها حسب أيام الأسبوع: السبتية، الأحدية، الاثنينية، الثلوثية، الأربعائية، الخميسية، وهكذا، أقول: إن انتشار تلك الصالونات في مجتمعنا السعودي في الآونة الأخيرة يعد ظاهرة صحية في مشهدنا الثقافي المحلي، فخميسية الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - الثقافية، واثنينية الشيخ عثمان الصالح - شفاه الله -، وندوة النخيل للدكتور محمد بن سعد بن حسين، وأحدية الدكتور راشد المبارك، وخميسية باجنيد، وأحدية أبي عبدالرحمن بن عقيل، وثلوثية محمد المشوح، وندوة سعود المريبض في مدينة الرياض، واثنينية عبدالمقصود خوجة، وثلوثية الطيب في مدينة جدة، وأحدية أحمد المبارك، واثنينية (النعيم) واثنينية (العفالق) واثنينية أبي ملحة في أبها، واثنينية تنومة، وغيرها على امتداد وطننا الغالي مشاهد ثقافية راسخة شامخة شاهدة على حب أهل هذه البلاد للعلم والثقافة. وعموما فإن المجالس والصالونات الأدبية واحات ندية، امتازت بها كثير من مدن المملكة، وحتى بعض القرى استنارت بها فأصبحت من ضمن خصائصها المميزة منذ مدة طويلة، وهي في مجملها ساحات نيرة لتبادل الآراء في أجواء صحية، وتمثل سعيا جادا للتكامل مع الدور الذي تقوم به الأندية الأدبية، وغيرها من المؤسسات التي تعمل في مجال خدمة الثقافة والفكر والأدب (من ورقة عمل قدمها الشيخ عبدالمقصود خوجة في الملتقى الأدبي للمثقفين السعوديين الذي نظمته وزارة الثقافة والإعلام في الرياض 11-13 شعبان 1425ه). إن المتابع للصالونات الأدبية في المملكة يجد أن هناك تميزا وتنوعا بينها مما يجذب المتلقي ويغريه بالمتابعة، فهناك صالونات يغلب عليها الصبغة الأكاديمية طرحا وحضورا ونقاشا، وهذا اللون له رواده ومحبوه، كما أن هناك صالونات أخرى تتخذ من (الاحتفاء) بالناجحين وتكريمهم ميزة خاصة، وهذه - أيضا - لها حضورها الإعلامي في مشهدنا المحلي. كما لا ننسى أن تلك الصالونات الأدبية في الواقع هي قنوات شعبية تسهم بشكل جاد في خدمة الحركة الثقافية في بلادنا بردم الفجوة بين الشيوخ والشباب من خلال لقاءات حميمية في جو مفعم بالتفاعل الثقافي الممزوج والمزدان بنكهة بيئتنا السعودية وطيبة نفوسنا قبل مجالسنا المفتوحة. كما أن مثل هذه الصالونات فرصة لتسليط الضوء على من ابتعد عن الحقل الإعلامي، حيث تمنحه نافذة يطل من خلالها على شريحة هذه الندوة التي تحرص على الحضور والتفاعل والمداخلة، ثم تمنحه فرصة أخرى عندما يكتب عنها في الصحف والمجلات، فكم قدمت لنا تلك الصالونات من مثقف أو مبدع لم نعرفه من خلال قنوات الثقافة الرسمية بل تعرفنا عليه من خلال تلك المجالس الثقافية، كما أن تلك المجالس الأدبية فرصة حقيقية للواعدين في مجالات الإبداع المختلفة، فكم من شاعر واعد وجد فرصته الحقيقية في تلك (الصالونات)، وكم من ناشئ في رحاب الأدب وجد تربة خصبة لموهبته في رحاب تلك الصالونات، بل إن بعضها أسهم من خلال طباعة منجزها الثقافي في إعطاء أولئك الشباب فرصة للوصول إلى المتلقي، وكم من صحفي وجد في تلك الصالونات فرصة سانحة لإجراء الحوارات الثقافية وتوثيق الصلات الفكرية، وقبل ذلك كله معرفة رموز الحركة الثقافية في بلادنا وغيرها من خلال حضور تلك (الصالونات)، فقد تسمع بأديب أو تقرأ لكاتب أو تطرب لشاعر أو.. أو... فتجده بشحمه ولحمه أمامك في مجلس وقور، وجلسة هادئة ليس بينك وبينه حجاب، فتجلس في حضرته وتنهل من معينه من خلال تلك الصالونات، وهنا أتساءل، أليس في ذلك ردم للفجوة بين المثقف والمتلقي في بلادنا من خلال تلك المجالس المفتوحة والقلوب المشرعة للجميع؟! إن تلك الصالونات الأدبية عملت بكل اقتدار وصدق، ونجحت في تجسير الفجوة بين الطلائع الواعدة من الشباب المثقف السعودي من مختلف شرائح المجتمع، وبخاصة نحن نعيش قطيعة ملموسة في ظل تقصير القنوات الرسمية عن أداء دورها الحقيقي في حياتنا الثقافية. وهناك سؤال ملح يطرح دائما وهو: ما مدى الإفادة من الصالونات الأدبية؟ وهل هي وسيلة للبناء الثقافي الإيجابي في ظل الإقبال المتزايد عليها من فئة الشباب وغيرهم؟ وما حظها من تأكيد قيمة الحوار وتأصيل فضيلة (التحاور) بين روادها؟؟ إن ثقافة المجالس لم تعد حلا مؤقتا وإجراء عاجلا لإنعاش الثقافة المحلية التي تعاني من (القصور) و(التقصير)، تجاه القضايا الفكرية في ظل غياب مؤسساتنا الثقافية وتقاعسها عن الدور المنوط بها، بل إن تلك (المجالس) التي بذل أصحابها - مشكورين - وقتهم الغالي ومالهم بسخاء لاستقبال محبي الثقافة ومريدي المطارحات الفكرية وعاشقي (الحوار) إنهم بذلك يسهمون - مشكورين - في صياغة مشروعنا الثقافي الوطني، قدر استطاعتهم في ظل هذا الغياب، في سبيل صناعة مستقبل مشرق. لابد لنا أن نعترف أن أصحاب هذه (الصالونات) بذلوا الكثير من أوقاتهم وأموالهم، للباحثين عن الثقافة، ولكن هناك من يطرح سؤالا: لماذا بذلوا ذلك كله؟ هل هو للثقافة أم للوجاهة؟ ولكن من باب الجدل: عندما تصبح (الثقافة) شكلا من أشكال الوجاهة الاجتماعية، هل تكون ظاهرة صحية أم ظاهرة مرضية في المجتمع؟ مما لاشك فيه أن تلك الصالونات قد اختصرت - بتفوق - المسافات الشاسعة بين (الكبار) و(الصغار) - إن صح التعبير - في منظورنا الاجتماعي، ومكنت الشباب المتطلع إلى تثقيف ذاته بمجالسة (الرموز) المثقفة والنهل من (معينهم) مباشرة. وفي الختام أطرح بعض التساؤلات على مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، لمزيد من الإضاءة لزاوية (الصالونات الأدبية) ودورها في الحراك الاجتماعي من خلال تفعيل (الحوار الوطني) والتأكيد على قيمته الحضارية: - متى يتم رصد هذه الصالونات من خلال عملية مسح شامل لكافة مناطق ومحافظات المملكة؟ - ما حظ تلك (الصالونات) من المتابعة والتشجيع من قبل الجهات المعنية بالشأن الثقافي في بلادنا لبلورة هذا المشروع الوطني التطوعي؟ - ما حظ تلك المجالس الفكرية من الإسهام في صياغة المشهد الثقافي المحلي وإرساء قواعده التي تميزه عن بقية المشاهد الثقافية في الوطن العربي؟ - لماذا تأخذ معظم تلك الصالونات منحى الاحتفاء والتكريم لضيوفها؟ أليس في ذلك إشارة إلى ما يعانيه الوسط الثقافي في بلادنا من قلة الجوائز الثقافية الاحتفائية بالإبداع وأهله؟ أفكار لتطوير الصالونات الأدبية: من قبيل محاولة لتنشيط هذه الصالونات فإني أطرح بعض المقترحات، ومن ذلك: - إقامة ملتقى دوري في كل مدينة من مدن بلادنا العزيزة يجمع أصحاب الصالونات الثقافية على مستوى المملكة برعاية وزارة الثقافة والإعلام وهذا حصل بمبادرة من الشيخ عبدالمقصود خوجة، صاحب الاثنينية الشهيرة في جدة. - إصدار مطبوعة دورية تعنى بهذه الصالونات وأخبارها ونشاطاتها. - أن تتواصل هذه الصالونات الأدبية مع أصحاب المواهب الواعدة في المدارس الثانوية والجامعات القريبة منها للتعرف على تلك المواهب ورعايتها بشكل مبكر، ولربط هؤلاء الواعدين بالمجالس الثقافية لمزيد من تكريس ثقافة (الحوار) مع الآخر. أهداف الصالونات الأدبية: من خلال استقراء سريع لأهداف معظم الصالونات الأدبية في بلادنا وجدت أنها تتفق في عدد من الأهداف أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: 1- تقديم زاد من المعرفة في المجالات المختلفة، ووضع من لا تتيح له ظروفه فسحة من الوقت ليفرغ فيها إلى القراءة والاطلاع في موضع الاتصال بما يجد في مجالات المعرفة من العلوم والآداب والاجتماع والسياسة والاقتصاد. 2- إتاحة الفرصة للشباب المبرز في فروع المعرفة المختلفة لتبادل المعرفة والمشاركة في الخبرة واكتساب كل جديد. 3- تقريب وجهات النظر المتباعدة حول بعض الأفكار والمواقف، وتعويد النفس حسن الاستماع إلى الآخر وحسن الظن به، وتلمس موضع الصواب عنده، والأخذ بما روي عن الإمام الشافعي رحمه الله: (ما ناظرتُ أحدا فسرني أن أظهر عليه). 4- تكريم العلماء والمفكرين والشعراء والأدباء وغيرهم من المبدعين من داخل المملكة وخارجها، وتوثيق مسيرتهم من خلال نشر بعض الإصدارات. 5- التعريف بالرموز الثقافية والعلمية والفكرية في بلادنا وبيان دورهم وجهودهم في النهضة التي تعيشها البلاد. 6- تنشيط العلاقة بين (المثقف) والشباب من خلال اللقاء المباشر المفتوح في جو تسوده روح المحبة والنقاش العلمي الرصين. 7- تبني (الحوار) بوصفه أسلوبا علميا وسلوكا حضاريا، يسهم في التقارب الفكري بين الأجيال. 8- التأكيد على الهوية الثقافية الأصلية لبلادنا المستمدة من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. 9- المشاركة في التعريف بما تعيشه المملكة من نهضة علمية وفكرية وثقافية وحضارية شاملة. 10- الحضور الفاعل في المناسبات الوطنية والمشاركة فيها، والعمل على تنشيطها والإفادة منها. 11- الاهتمام بالقضايا الاجتماعية المعاصرة وطرحها للحوار والمناقشة والسعي لإيجاد الحلول المناسبة لها. للتاريخ فقط: تحت وطأة الشعور بضرورة الوصول إلى شخصية مستقلة تولد الإحساس لدى الشباب للبحث عن مرجعية أخرى يتم من خلالها استلهام الإبداع، جاءت هذه الصالونات طوق نجاة في ظل الغياب الكبير الذي تسجله المؤسسة الثقافية في بلادنا عن دورها تجاه الناشئة الطامحين إلى التواصل والمثقفين المتعطشين إلى المزيد. ليس بوسع المراقب لهذه (الصالونات)، أن يذكر حضورها الثقافي في نفوس المثقفين، أو يتجاهل إسهامها الجاد في تناولها الوطني للعديد من القضايا المعاصرة مؤكدة دورها في صناعة منجز وطني جديد، غير أنها رغم ذلك كله تظل محاولة تنقصها الروح المؤسسية ذات الصفة التأثيرية الفاعلة، فهي مجرد جهود فردية، تحاول الإسهام بما تستطيع في خدمة هذا الوطن المعطاء، فلأصحابها كل الشكر والامتنان والدعاء لهم بالتوفيق والنجاح. أخيرا.. ليعلم الجميع أن أصحاب الصالونات الأدبية في بلادنا على وجه الخصوص هم مواطنون كرام، جعلوا من مجالسهم الخاصة، قنوات حوار ومساحات لقاء بين عدد كبير من المواطنين والمقيمين لمزيد من تفعيل (الحوار الوطني)، والتأكيد على رسالته الحضارية لبناء مستقبل يحترم الرأي والرأي الآخر، والله المستعان. *** كتاب مع الحوار.. وكتب ضده د. معجب بن سعيد الزهراني كاتب وأكاديمي، جامعة الملك سعود 1- الفرضية التي نطرحها للحوار في هذه الورقة أن مبادئ الحوار وقيم الحوار وعلاقات الحوار ضعيفة جدا في ثقافتنا السائدة اليوم في مستوييها النظري والعملي. هذه الفرضية تسمي، كما يلاحظ، إشكالية عامة سنحاول بيان تجلياتها وأبعادها من منظور معرفي نأمل أن يساعد على تفهمها والتعاون في سبيل تجاوزها. التركيز على وضعيات الكتاب كمنتوج ثقافي يقتضيه المحور الذي خصص لهذه المشاركة. لنبدأ بإيضاح بعض المفاهيم التي تؤسس لوجهات نظرنا وللحوار المنتظر معها. 2- الحوار شكل من أشكال التواصل والتفاعل فيما بين البشر، وما الأساليب الحوارية في بعض الكتابات السردية والدرامية سوى المظهر السطحي للحوارية. لكي نميز الحوار بهذا المعنى العميق لابد من مقارنته بضديه الأبرز: الإكراه والخضوع من جهة، والمجابهة والصراع من جهة أخرى ( صمت الاستسلام وضجيج الحرب، كما يقول تودوروف). الفكر الحواري يعني أي توجه ذهني يجعل الأفراد يعاينون الاختلافات فيما بينهم من منظور التفهم والتسامح، فلا تعيق التفاعلات الإيجابية بقدر ما تشجع عليها كتجربة تفضي إلى إغناء الطرفين بفضل اختلافاتهم تحديدًا. الفكر الحواري لا يبرر تحويل أي اختلاف إلى (خلاف)، وحين يحدث الخلاف الذي هو من طبيعة البشر، يتم حسمه في ضوء المبادئ والقيم التي تكفل للجميع حقوقًا متساوية من حيث المبدأ. منطق العقل يفيد بأنه لا توجد ثقافة حوارية أو غير حوارية في الأصل، البشر هم الذين ينمون أو يضعفون السمات والأساليب والتوجهات الحوارية في ثقافاتهم الفردية والجماعية، هنا تحديدا يبرز دور النخب المثقفة التي عادة ما تتميز عن الفئات الاجتماعية الأخرى بكونها تعمل وتنتج في المجال الرمزي من الثقافة، أي في مستوى الفكر والمعرفة والإبداع الجمالي. منطق العقل وتجارب الواقع والتاريخ يفيدان بحقيقة قابلة للاختبار: كلما زادت حريات التفكر والتخيل والتعبير، كلما كثرت وتنوعت وتطورت الكتابة الحوارية وفعلت فعلها الإيجابي في الثقافة العامة. العكس صحيح منطقيا وعمليا. حينما نجد في بعض المجتمعات حضورًا قويًّا للفكر المنغلق وللقيم الأخلاقية المتزمتة علينا ألا نبادر إلى إدانة النخب المثقفة وحدها. إنها تتحمل بالتأكيد جزءًا مهما من المسؤولية. لكن الدور الحاسم والمسؤولية الأكبر هما من نصيب المؤسسات الرسمية التي تتشكل منها (الدولة). مؤسسات التربية والتعليم والإعلام والتشريع والقضاء.. هي التي تتحكم في علاقات الداخل وتوجه تفاعلاته مع الخارج. حينما تتجه السلطة إلى تحديد وحماية حقوق النخب المتنوعة في المجتمع، وفق منطق العدل يزدهر الإنتاج في مختلف المجالات، ومنها المجال الثقافي بمكوناته المعرفية والفكرية والجمالية. 3- في ضوء هذه الأفكار العامة الشائعة في عالم اليوم لنتأمل وضعية الكتّاب وكتبهم في مجتمعنا. معطيات الواقع العنيد تفيد بما يلي: - إنتاج الكتب ضعيف جدا، على رغم وفرة الباحثين والباحثات في كل التخصصات، وعلى رغم كثرة المتعلمين الذين هم مستهلكو المنتج الثقافي ومنه الكتاب. - الكتب القليلة التي تنتج محليا، على قلتها، عادة ما تخضع لرقابات صارمة، وهذا ما يفسر ظاهرة التوجه للنشر في الخارج، وعلى حساب الفرد الكاتب غالبًا. - الكتب التي ينتجها الآخرون من خارج مجتمعنا كثيرة ومتنوعة جدا، لكن ما يصل منها إلينا قليل، وينحصر تأثيره في الأفراد، لأنه هو أيضا يخضع للرقابة ذاتها. - سياسة التفضيل والدعم المادي والمعنوي تتجه إلى الكتاب المنسجم مع الثقافة التقليدية والمعزز لأفكارها وقيمها المحافظة عموما. وتبلغ عملية التفضيل ذروتها، حينما يتعلق الأمر بالكتاب الديني المبجل للفكر السلفي التقليدي قديمه والجديد منه. هذه الوضعية يمكن معاينتها في ضوء منطقين مختلفين حد التعارض والتناقض. منطق الفهم والتفسير والنقد يفيد بأن تحويل التقاليد المحافظة إلى (أيديولوجيا رسمية) هو السبب في وضعية كهذه، ومن الصعب توقع غير ذلك لأن الكتاب المختلف أو المخالف لن يكون مرحبا به، بل قد يجلب الضرر على صاحبه!. منطق التبرير والتكريس سيقول بأن خصوصيات مجتمعنا من جهة، وأفضلية تصوراتنا وممارساتنا من جهة أخرى، يقتضيان وضعية (مثلى) كهذه. 4- إذا ما تجاوزنا الجدل النظري في القضايا، فإن علاقات الواقع يفترض أن تكون في مركز اهتمامنا. الكتاب السائد يفترض أن يختبر أثره في المجال العام للثقافة، مثله مثل المنتوجات الثقافية الأخرى. ما الحاصل في هذا المجال اليوم؟ - تقدم كبير في المنجزات العمرانية وتراجع مضطرد للذهنيات إلى أفكار الماضي ومعاييره وقيمه الأخلاقية والجمالية، وكأن الصلاح كله في ما تركه السلف للخلف. - فئات المتعلمين، كثيرا ما تبدو أشد انغلاقا وتزمتا من الجيل السابق، ومن يريد دليلا على وجاهة هذا القول فلينظر إلى تعاملنا اليوم مع المرأة ومع (الأجنبي) غير المسلم، أي مع (الآخر الداخلي) و(الآخر الخارجي)!. - واعظ بليغ واحد يؤثر بخطبه وأشرطته وكتبه في مجتمعنا أكثر من تأثير جامعة عريقة كبيرة كجامعة الملك سعود مثلا، وهذا يعني فيما يعنيه هشاشة الوعي العام وأمية الفكر. - الحريات الشخصية للفرد في القرية والبادية والمدينة القديمة كانت أوسع وأغنى منها اليوم في مدن كبرى يعد سكانها بالملايين، لأن هناك من يسعى ليل نهار إلى تنميط أشكال الناس وأفكارهم وأقوالهم وأفعالهم.. وبغطاء رسمي غالبًا!. - ثم ماذا يمكن أن يقال عن ظواهر العنف والفساد والفقر والبطالة، وعدم احترام الأنظمة ونظافة المكان العام.. إن لم تكن كلها (ظواهر ثقافية) خطيرة تنتشر في مجتمع يؤكد خطابه السائد أنه يحكّم مبادئ الإسلام الصحيحة وأخلاقه الفاضلة في كل حال ومجال؟!. 5- كل ما قيل آنفا، وباختزال شديد، يدل على أننا في أمس الحاجة إلى ثقافة جديدة تعين أغلب الناس على عقلنة تصوراتهم وأنسنة علاقاتهم بذواتهم وبالعالم من حولهم. هذه الثقافة يمكن أن ينتجها مثقفونا، من الجنسين، إذا ما أتيحت لهم الفرص للمزيد من الحريات التي تحرر طاقات الإنسان الخلاقة. الخطاب الذي لا يمل من تكرار مديح الذات وهجاء الآخرين والعالم مريح وخادع في الوقت نفسه. وإذا كانت بعض الأوساط الاجتماعية تقدم فضائل الكبت والانغلاق على مساوئ الحرية والانفتاح، فيجب ألا تتاح لها كل الوسائل المادية والمعنوية للهيمنة على الأوساط الأخرى. كتب عائض القرني وسلمان العودة وسفر الحوالي ليست أهم من كتب غازي القصيبي وتركي الحمد وحسن المالكي. ثقافة البادية والريف الزراعي ليست أرقى وأنقى من ثقافة المدينة الحضرية. كتاب (الأدب الإسلامي) ومنظروه ليسوا أدرى بالإبداع وجمالياته من أدباء (الحداثة) ونقادها. والعلماء الفضلاء الذين يكرهون أو يحرّمون الفلسفات الحديثة والفنون الحديثة ليسوا أقرب إلى منطق العصر من الباحثين في الطبيعيات والرياضيات والإنسانيات، حتى من منظور تراثي بحت. لاشك أن الحوار مع كتب ابن حزم وابن رشد في المعاهد والكليات وبرامج الإذاعة والتلفاز، بل وفي دروس المساجد، سيفتح ذهنيات الشباب على مدى تنوع وغنى الفكر الإسلامي. ما سماه القصيبي (ثقافة الثقافة) يمكن أن تدشن وتنشر وتطور في مجتمعنا بمجرد الوعي بأهميتها، واتخاذ القرار بتبنيها وتنميتها. أما الثقافة التي تخاف وتنشر الخوف من كل ما عداها فلن تنتج سوى المزيد من المخاوف التي تعطل الفكر، وتشل الإبداع وتشوه العلاقات بين البشر. بصيغة أخرى نقول: إن احترام النخب المتنفذة للنخب المثقفة، وتأمين المزيد من حقوقها في حريات التفكير والتخيل والتعبير سيفضي حتما إلى شيوع الثقافة الحوارية الحرة الخلاقة. فالنخب المثقفة في كل زمان ومكان لا تكسب رهانات العلم والفكر والإبداع من دون أن تعمل وتنتج في مجتمع تحترم سلطاته العليا منطق العقل، وتتحرى منطق العدل وتسعى جاهدة لتحقيق مصالح الفرد المواطن، بغض النظر عن عرقه وجنسه ومذهبه ورتبته الاجتماعية.