ودعت جموع المصلين في المسجد الحرام يوم الجمعة التاسع من شهر شوال الجاري فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالعزيز بن وائل التويجري وهو من رجال السلك القضائي القدامى في المملكة العربية السعودية. وتعود أصوله لبلدة (ضراس) بمدينة بريدة ونشأ وترعرع مشغوفا بطلب العلم، وكف بصره وهو في مقتبل عمره، وعوضه الله بقوة البصيرة حيث حفظ القرآن في صغره عن طريق الكتاتيب، وتعلم سائر العلوم الشرعية على يد عدد من علماء الشريعة في الرياض والقصيم، وبعد أن اشتد عوده عين في بدايته قاضيا بعنيزة لمدة يسيرة انتقل بعدها للزلفي وفي عام 1392ه انتقل للمذنب إلى أن تمت ترقيته في السنوات الأخيرة من حياته إلى قاضي تمييز بمكةالمكرمة ليختم ما تبقى من عمره فيها شرفها الله... وفضيلته من أسهموا في نشر العلم الشرعي والإحسان والخير بين الناس. وقد كان- رحمه الله- مثالا يحتذى للعالم الرباني والمربي الناضح وكان لطلابه بمثابة الأب الرحيم الذي اتشح بالأبوة الحانية والرعاية التلقائية غير المتكلفة بحكمة لطيفة وأدب جم يتعرف على مشكلاتهم وأحوالهم، ويتفقد أمورهم ويعالجها بكل هدوء وشفافية. لذا كان طلاب العلم يهرعون إليه من كل حدب وصوب يتعلمون ويسترشدون ويستفسرون عما يشكل عليهم، فقد كان محل ثقتهم لما حباه الله من العلم الراسخ والعمل الصالح، ولما يلمسونه من حرصه -رحمه الله- على مصالحهم والتأليف بينهم، ونتاج ذلك هو انشراح نفوسهم لما يوجههم إليه مشيدين بأسلوبه المتميز لإقناع الشباب، وكان من أفذاذ العلماء وأفاضل الرجال الذين جمعوا بين العلم والدعوة والخلق القويم والدين المستقيم والعقيدة الصحيحة والعبادة الأثرية الخالصة والخالية من الشوائب والبدع والمحدثات، وقد نفع الله بعلمه الغزير وسعى بكل حكمة لرأب الصدع والعمل على اجتماع الكلمة ووحدة الصف ونبذ الفرقة والنزاعات وجمع الله به الناس على كتاب الله وسنة رسول الله- عليه الصلاة والسلام- على وفق سيرة السلف الصالح، وقد عايشته منذ نعومة أظفاري ووقت أن كان سكنه ومسجده بحي الصفراء بمحافظة المذنب قريبا من منزلنا، وكان قاضي المذنب ورئيس المحكمة الشرعية ورئيس جمعية تحفيظ القرآن، وعمل على تأسيس كافة اللجان الخيرية ومساندتها ودعمها ماديا ومعنويا، وكذلك الفقراء والمحتاجين والمساكين والمعوزين والراغبين في الزواج من الشباب العزاب، ولازمته ودرست عليه بعد الفجر على وجه الخصوص وبعد العصر على وجه العموم عددا من العلوم الشرعية من أهمها القرآن الكريم والتفسير (تفسير القرآن العظيم للحافظ إسماعيل بن كثير) (جامع البيان عن تأويل القرآن- لابن جرير الطبري) والتوحيد (كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب- التوحيد- كشف الشبهات- الأصول الثلاثة وأدلتها - حفظا-). (اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية). والحديث (جامع العلوم والحكم لابن رجب) (حفظ الأربعين النووية للإمام محيي الدين أبي زكريا النووي) والفقه) المغني لابن قدامة) (السلسبيل للشيخ صالح البليهي) والفرائض (الفوائد الجلية للشيخ ابن باز) (تسهيل الفرائض للشيخ ابن عثيمين) والسيرة النبوية (السيرة النبوية لصفي الرحمن المبارك فوري) (زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن القيم) والفتاوى (لمفتي المملكة الأول محمد بن إبراهيم) (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية- جمع الشيخ عبدالرحمن بن قاسم) (أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الجوزية) والنحو (ألفية ابن مالك للعلامة ابن مالك الأندلسي). والثقافة العامة الآداب والسلوك وبعض الرسائل الموسمية المتزامنة مع رمضان والحج والأضحية والإجازات والرسائل العصرية، وما يستجد في الساحة من حوادث... ولزمته واستفدت منه كثيرا حتى بعد انتقاله لحي الخالدية بمحافظة المذنب، وكان مما يوصي به استعمال الحكمة والرفق وحسن الخلق والمواصلة بالطلب مذكرا لي بعبارة (قليل دائم خير من كثير منقطع) ويرشد إلى أهمية تقييد الفوائد التي تمر بطالب العلم بدفتر جيب صغير..... ولشيخنا العلامة عبدالله التويجري عدد من الأيادي البيضاء على جميع شرائح المجتمع الذين لا يملكون سوى رفع أكف الضراعة للدعاء له بالمغفرة والرضوان، كما أن شيخنا له عدد من الأبناء الفضلاء النجباء وهم الشيخ عبدالعزيز ومحمد وسعود وإبراهيم وأحمد وعدد من الإخوة الكرام- رحم الله- من توفي وأحسن عزاء الباقين. وأعزي هنا أسرة التويجري في وفاة والد الجميع، ولن أفي عالمنا الجليل حقه مهما قلت ولكنها إشارة كتبتها على عجل والألم يعتصر قلبي على فراقه، وقد رأيت الجموع الغفيرة من أبنائه وأفراد أسرته وطلابه ومحبيه يتوافدون زرافات ووحدانا على مقبرة الشرائع بأم القرى مكةالمكرمة العاصمة المقدسة ليواروا جثمانه الطاهر الثرى هناك.. أسأل الله أن يجزيه الجزاء الأوفى، وأن يجزيه خير ما جزى معلما عن طلابه وأن يسكنه الفردوس الأعلى من جنات النعيم إنه سميع مجيب الدعاء {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.