أكد عدد من الخبراء والمحللين السياسيين أن سوريا لن تكون لقمة سائغة أمام المخططات الأمريكية الرامية إلى تقويض نظامها موضحين ان لدى دمشق أوراقا عديدة تستطيع استخدامها لصد الهجمات الأمريكية عليها. وتمحور كلام المحللين حول عدة أوراق أساسية هي بناء تحالف شعبي لصد التدخل الخارجي وقطع الطريق أمام العملاء والمخربين الذين يريدون الوصول إلى السلطة بأي ثمن ولو كان تدمير البلاد، والورقة الأخرى هي مساندة المقاومة في العراقوفلسطين لإشعال الموقف ضد أمريكا بما يعرقل من مشاريعها الرامية إلى التهام المنطقة العربية وكذلك استخدام ورقة القوى الحليفة لدمشق في لبنان لتفتيت صفوف المؤيدين لمعاقبة سوريا وتبقى الورقة الإيرانية - كمدخل أخير - يمكن استخدامها وفق التوازنات الدولية والظروف الداخلية لطهران وأكد الخبراء أن الرهان الحقيقي يقع على كاهل العمل العربي المشترك وخاصة السعودية ومصر الدولتين الأقوى والأهم في المنطقة اللتين تستطيعان تغير مجريات الأمور في المنطقة عند تحركهما. المحلل السياسي الدكتور رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات أكد أن أهم ورقة في يد نظام بشار الأسد هي تجسير الفجوة مع الشعب السوري لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد تقدم على شن هجوم عسكري ضد الحكومات ولكنها لا تستطيع أن تحارب مجتمعا بأسره مشيرا إلى أن أمريكا نجحت في إسقاط النظام العراقي لأنها وجدت ثغرات وفجوات استطاعت النفاذ منها إلى قلب بغداد والكل يتذكر هؤلاء الذين وصلوا الأراضي العراقية وهم على مقدمة البوارج والمدرعات العسكرية لقوات الاحتلال ثم تحدثوا باسم العراق وشعبه لذلك يجب على سوريا ان تعي الدرس وتقوم بعملية بناء قوى شعبية حقيقية معادية للسياسات الأمريكية ومساعدة على إقامة مجتمع مدني قوي. وأضاف سيد أحمد أن الورقة الثانية هي القوى اللبنانية الحليفة خاصة حزب الله وحركة أمل وهما يلعبان دورا مهما وقد وضح استعدادهما لهذا الدور عندما سحب الحزب والحركة وزراءهما من مجلس الوزراء اللبناني عند انعقاده لمناقشة خطاب الدكتور بشار الأسد الرئيس السوري بخصوص تقرير القاضي الألماني دتيليف ميليس وأشار المحلل السياسي أن هذه القوى الحليفة تستطيع إرباك الساحة اللبنانية من الداخل أمام المخطط الأمريكي خاصة فيما يتعلق بسلاح المقاومة كما تستطيع تعطيل تسييس تقرير ميليس وحصره في الشق القانوني فقط. وأضاف سيد أحمد أن الورقة الثالثة للنظام السوري في مواجهة الولاياتالمتحدة هي ورقة الفصائل الفلسطينية خاصة حماس والجهاد لوجود قيادتهما في دمشق. وقد لوح الأسد مستقبلا باستخدام هذه الورقة عندما أعلن عن لقائه بقادة هذه الفصائل الاسبوع الماضي موضحا ان الورقة الفلسطينية مهمة للغاية لأن التهدئة التي تقودها أمريكا على الصعيد الفلسطيني الاسرائيلي هدفها توطئة الأجواء لضرب سوريا وعلى ذلك يجب على الفصائل استيعاب هذا المخطط بتصعيد المقاومة في فلسطين لإحراق الأيدي الأمريكية والصهيونية معا. وهناك في رأي سيد أحمد ورقة أخرى هي المقاومة العراقية وطالب دمشق بمساعدة هذه المقاومة أدبيا وماديا لأنه كلما استفحل المستنقع الأمريكي في العراق كانت الظروف غير مواتية لواشنطن لتمرير مخططها ضد النظام السوري. وأضاف ان هناك ورقة تالية لهذه الأوراق وهي التحالف مع إيران ولكن هذا التحالف له ضوابط لأنه تعامل دول ولكل دولة مصالحها الخاصة أما الأوراق الأولى فهي أوراق مضمونة؛ لأنها بعيدة عن التوازنات التقليدية. وخلص المحلل السياسي إلى أن هذه الأوراق تبقى غير ناجعة مالم تتكاتف السعودية ومصر مع سوريا ضد المخططات الأمريكية نظرا لثقل البلدين دوليا واقليميا. الدكتور حسن أبو طالب رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي العربي أوضح أنه بعد صدور القرار 1636 تحدد مسار النظام ,وربما مصير سوريا بأحد احتمالين : الأول هو انفجار صراع ضار على السلطة بما يؤدي إلى تحولات مهمة ,وان ليست بالضرورة جوهرية في النظام . والثاني توحد النظام واصطفاف نخبته السياسية والأمنية داخل خندق دفاعي محاصر إقليميا ودوليا ينقل سوريا جوهريا إلى واقع سلسلة صراعية جديدة قد تنتهي إلى مصير لا يختلف كثيرا عن حالة العراق . ويتوقف الأمر إلى حد بعيد على قرار استراتيجي كما طالبت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية بالالتزام أو عدم الالتزام بالقرار وتطبيقه . ورغم حصر الاحتمالات في سيناريوهين فقط ,فإن الوقت مهما يكن قصيرا ,وبعض العوامل غير المؤكدة ,قد يفتح احتمالات أخرى أو بالأحرى تنويعات على هذين السيناريوين . وأضاف أن أول هذه العوامل هو نشأة تناقض قابل للاشتعال بين مصير القيادة السياسية للنظام ,بل ومصير النظام من ناحية وقوته الأمنية الضاربة من ناحية أخرى . فالقرار 1636 يلزم الدولة السورية باحتجاز وتسليم كل من تراهم لجنة التحقيق الدولية برئاسة ميليس متهمين بالتورط في اغتيال الحريري ,وجميعهم من القيادات العسكرية والاستراتيجية العليا . ويترتب على ذلك أن محاولة القيادة السياسية تطبيق القرار سيمثل تضحية بالقيادات العسكرية ,والأهم أن التطبيق نفسه قد يكون مستحيلا . أما ثاني هذه العوامل فهو ضيق هامش الاختيار أمام القيادة السياسية والعسكرية معا ,وتمكن التحالف الغربي من هندسة هذه الاختيارات بما يفتح الباب أمام سلسلة من التصفيات الداخلية . وقد لاحظ الجميع أن تقرير ميليس الذي قدم لمجلس الأمن ,وهو التقرير الرسمي ،قد رفعت منه أسماء أساسية كان التقرير يوجه لها الاتهام بالضلوع في اغتيال رفيق الحريري . ويكون بذلك قد أعفي الرئيس السوري من احتجازها مؤقتا . والقصد الواضح من هذا التحرك هو تمكين الرئيس السوري من توظيف هذه الأسماء . ولأن القيادات السياسية والعسكرية تدرك ذلك فليس أمامها سوى الاختيار بين التوحد في وجه أي تحرك يرمي إلى التسليم ؛ أملا في أن يفتح الزمن ثغرات أكبر مما هو متاح في القرار 1636, أو في تغير الظروف أو عقد صفقة مع اللاعبين الكبار وراء هذا القرار ,خاصة الولاياتالمتحدة ,توقف الملاحقة السياسية لسوريا والملاحقة الجنائية لرجال النظام الكبار . العامل الثالث هو مسار الإجماع الذي ظهر في تصويت مجلس الأمن على القرار في المستقبل . فرفض العقوبات الاقتصادية والسياسية على سوريا من جانب روسيا والصين وتهديد الدولتين دائمتي العضوية بالمجلس باستخدام حق النقض لوقف المسودة الأصلية للقرار والتي اشتملت على الإشارة إلى العقوبات ,قد يغري القيادة السياسية السورية بالرهان على الرفض الفعلي للتنفيذ اعتمادا على توقع أو وعود استمرار هذا الموقف في المستقبل . غير أنه لا يبدو من المرجح أن تستمر معارضة الدولتين لفرض عقوبات إن رفعت لجنة التحقيق تقريرا يقول بعدم تعاون سوريا ,لما يشكله ذلك من حرج سياسي دولي قد لا تحتمله طويلا . ومعنى ذلك أن القيادة السياسية السورية قد تستطيع شراء الزمن في أحسن الأحوال بالقبول الرسمي بالقرار دون تطبيقه أو بعدم القبول بالقرار أصلا مع القول إنها ستتعاون مع لجنة التحقيق فعليا بشرط عدم التحقيق خارج سوريا على الأقل درءا لاحتمال محاكمة دولية لن تترك شخصا في القيادة السورية دون أن تطلب شهادته أو حتى تسلمه كمتهم في مرحلة ما من عملية المحاكمة . أما العامل الرابع والأخير فهو الوضع الإقليمي العربي بالذات . فإن بدا لسوريا أن عددا مهما من الدول العربية تشمل مصر والسعودية والأردن على الأقل لن تطبق نظام العقوبات حال وضعه بقرار من مجلس الأمن ,فقد تراهن على الممانعة سواء جاء في إطار القبول أو الرفض للقرار . ونعتبر أن موقف الأردن بالذات بالغ الأهمية ؛ لأنها الدولة الوحيدة التي بيدها فتح ثغرة في الطوق الجغرافي السياسي المضروب حولها من جانب العراق المحتل ,وتركيا العضو في حلف الأطلنطي وإسرائيل . وبدونها تصبح سوريا معزولة تماما عن العلاقات الاقتصادية الدولية . ولا يبدو هناك احتمال مهم أن تمتنع الأردن عن تطبيق قرار بالعقوبات . ومع ذلك ,فإن موقفا بالامتناع من جانب السعودية ومصر ,قد يشجع سوريا على المخاطرة بعدم التسليم . وهكذا نرى أن الفخ المنصوب لسوريا مثالي من ناحية الفن السياسي . حيث لا تبدو احتمالات مهمة للإفلات من الوقوع فيه سواء قبلت القرار أو رفضته . ولأن الاختيارات المتاحة ضئيلة وبالغة الصعوبة ,فإن السيناريوين اللذين تحدثنا عنهما ليس لهما ثالث ,إلا بمعنى تنويعات في التفاصيل والتداعيات . وأوضح أبو طالب أن السيناريو الأول الذي تمت هندسته أمريكيا ,عبر صياغة القرارات الدولية ,ليشمل ثلاث مراحل أو ثلاثة فصول . المرحلة الأولى تبدأ بقرار القيادة السياسية بتسليم المتهمين الواردة أسماؤهم في الصيغة الأخيرة لتقرير ميليس . ولكي يستطيع الرئيس السوري القيام بذلك بالفعل يجب أن يسبق المتهمين في الحركة ويضمن تجريدهم من قوتهم ومناصبهم . وهو ما يفترض أنه حصل على مساعدة قوية من جانب الرجال الأقوياء الآخرين في الجيش والأمن الاستراتيجي ,على رغم عدم وجود ضمان بعدم تسليمهم هم مستقبلا . فإن حدث ذلك ندخل إلى مرحلة ثانية تبدأ بطلب تسليم الشخصيات الأخرى المتهمة في المسودة الأصلية لتقرير ميليس . وهو ما يفترض أن الرئيس السوري لديه دعم قوي في الجيش يتجاوز قدرة المتهمين على المبادرة والحركة . فإذا وافق الرئيس السوري عليه أن يبدأ الإعداد لهذا السيناريو بعد تسليم الدفعة الأولى مباشرة . أما المرحلة الثالثة فهي تبدأ في وقت ما من عملية المحاكمة الدولية ,حيث قد تطلب المحكمة مثول الرئيس السوري نفسه إما للشهادة أو للمحاكمة . وإذا وقع ذلك نظريا يكون النظام السوري قد سقط عمليا . موضحا أن الصعوبة الأساسية أمام هذا السيناريو هي أن جميع الفاعلين في سوريا بما في ذلك الرئيس السوري لا يمكنه اتخاذ قرار استراتيجي كما تريد كوندوليزا رايس إلا على ضوء الفصول الثلاثة المرجحة للسيناريو بمجمله وبكل تداعياته . وكأن هذا السيناريو يطلب من الرئيس السوري خوض صراعات قد تؤدي إلى تداعيات أخرى أما السيناريو الثاني وهو الأكثر احتمالا من الناحية العملية وهو رفض الامتثال للقرار . وبغض النظر عن الكيفية التي يتم بها ,فالأمر الجوهري في هذا السيناريو هو أن يتخذ الرئيس ومعاونوه قرارا استراتيجيا بالمقاومة الجماعية وربط مصيرهم معا . وهو الأمر الذي يرجحه رابط الدم والطائفية فضلا عن وحدة المصير والمصلحة الموضوعية أمام احتمالات المحاكمة الدولية للجميع الواحد تلو الآخر . وفي هذه الحالة ,فإن على النظام السوري أن يتحمل عزلة وعقوبات دولية وتطويقا كاملا من الناحية الجيوبوليتيكية . ويكاد ينحصر الأمل في الإفلات من هذا التداعي للأحداث في وقوع زلازل أخرى أكبر وأهم من الناحية الاستراتيجية الإقليمية والدولية تمنح سوريا وزنا أكبر وأوراقا جديدة في السياسة الدولية . ولذلك فإن الدبلوماسية الأمريكية ,التي لا شك أنها المهندس الأول لكل ما يجري في المنطقة وفيما يتعلق بسورياولبنان وبالعلاقة بينهما ,إنما تدفع القيادة السورية الراهنة إلى طريق المغامرة بشن حملة حياة أو موت من أجل التوصل إلى مساومة أفضل . ولا شك أن الورق السوري في لبنان وفي العراق هو المجال المفتوح لهذه الحملة أو المغامرة الاستراتيجية الكبرى . * يقول الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن سوريا تتمتع بالاكتفاء الذاتي في النفط والمواد الغذائية ويمكنها احتمال أية عقوبات اقتصادية تفرض عليها لأن لدى سوريا أيضا احتياطي من العملة الصعبة من عائدات تصدير النفط وإنتاج المؤسسات الحكومية وذلك حسبما أفادت مصادر حكومية عن احتياطي العملة الصعبة الذي يصل إلى 1911 مليار دولار كما ان سوريا بدأت اتخاذ تدابير من الآن للتعامل مع كل الاحتمالات التي يتخذها المجلس وقامت بتشكيل لجنة من كبار المسؤولين تبحث التفاصيل كافة ووضع الحلول الذاتية في حالة فرض العقوبات غير ان فرض العقوبات على سوريا يعد عقابا للبنانوالعراق ويضرب بدول الخليج ومن هنا يجب التصدي لأية عقوبات ضد سوريا لأن فقرات مجلس الامن 1636 كلها ملغمة وتهدد بانفجار الموقف؛ لأن المادة 10 من القرار تطالب سوريا باعتقال المسؤولين الذين تعتبرهم لجنة التحقيق وقد قرر مجلس الأمن بموجب القرار 1636 تأسيس لجنة جديدة مكونة من أعضاء مجلس الأمن ال 15 للقيام بهذا الدور الأمر الذي يعد مدخلا جيدا لتبين القضية ولتصفية الخلافات وكذلك المطلوب من عقلاء لبنان مهما كانت الحسابات والتراكمات القديمة وهناك من يشير إلى ان واشنطن تغذي العداء بين الدول العربية كما تعمل حاليا بين الطرفين من خلال تسميات الشيعة والسنة والأكراد والآن بدأت تتوسع في فرقة العرب والانفراد بهم وتخطط للجريمة ضد العرب بأيد عربية والثمن يدفعه الجميع. * الدكتور محمد السيد سعيد نائب رئيس مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية قال: إن هناك ثمة خيارات سورية متعددة ,ولكل منها ثمنه ونتائجه . ومن التحركات الأولى لرد الفعل السوري ,تبدو الأمور متجهة إلى الدمج بين أسلوبين تقليديين : أحدهما ,الالتفاف على الضغوط الدولية واللبنانية المعارضة وفق صيغة تجمع بين التجاهل العمدي والانتظار والدعوة إلى الحوار بالمطلق ، مع التركيز على الحوار مع الولاياتالمتحدة باعتبارها مفتاح تلك الضغوط ,وباعتبار أن الحوار معها سيؤدي إلى نوع من الصفقة التي تراعي ماء وجه سوريا وتحافظ على مصالحها وتقلل من النيات السوداء لدى إدارة الرئيس بوش . وربما ينتج عنها صفقة توفر لسوريا بعض المزايا في لبنان وفي غيره . لكن دعوة الحوار على رغم قيمتها المعنوية تبدو محدودة القيمة عمليا ,وكما أن محاولة فتح قنوات حوار مع المعارضة اللبنانية قبل اغتيال الحريري قد فشلت ,فإنها غير ممكنة أصلا في ظروف ما بعد الاغتيال . أما الحوار مع الولاياتالمتحدة فيبدو مستبعدا تماما ؛ لأنه قرار أمريكي يستند إلى اقتناع معلن قوامه أن سوريا بلد ضعيف عليها أن تلتزم بشروط ومطالب مسبقة من بينها القرار 1559, والتعاون الكامل في الشأنين العراقيوالفلسطيني . أما الأسلوب السوري الثاني ,فهو محاولة إحياء خبرات تضامنية إقليمية سابقة كانت مفيدة في حينها ,والتلويح بها في وجه تلك الضغوط . بحيث يبدو الأمر وكأنه نوع من التصعيد المحسوب ضد التصعيد المضاد . وتبدو هنا الدعوة إلى احياء التحالف الاستراتيجي السوري الإيراني باعتباره حجر الزاوية ,استنادا إلى أن البلدين يواجهان ضغوطا كثيفة من مصدر واحد تقريبا . وان كلا منهما يمكنه أن يقدم مخرجا ورصيدا إقليميا للآخر ,وبما يقلل من تأثير أي إجراءات مضادة تهدف إلى عزلهما معا أو عزل أحدهما . ولما كان موقف إيران وملفاتها مع الولاياتالمتحدة ووجود قناة حوار أوروبية مهمة وفاعلة يختلف جذريا عن موقف سوريا,فإن دعوة دمشق لإحياء التحالف الاستراتيجي السوري الإيراني تكون بهدف نصرة سوريا بالدعم الإيراني . في حين تضع الإشارات القادمة من طهران الدعم لسوريا في حدوده السياسية والمعنوية وحسب . وحتى مع افتراض نجاح أي صيغة للتحالف الاستراتيجي مع إيران المترددة نسبيا لتعزيز موقف سوريا إزاء الضغوط الخارجية ,فإنه يظل ذا تأثير محدود في مواجهة تصعيد المعارضة اللبنانية الشعبية السياسية السلمية ,والتي تتجه إلى استنساخ النموذج الأوكراني في الثورة الشعبية والتمرد المدني المدعوم دوليا ,والهادف إلى تغيير التركيبة السياسية الداخلية ، الأمر الذي يجعل من الاكتفاء بصيغة الالتفاف علي المعارضة اللبنانية مسألة غير مجدية ,ومن ثم يصبح ملحا البحث عن قرار كبير يتناسب مع التحولات الجارية في الداخل اللبناني نفسه . إن قرارا بالانسحاب التدريجي من لبنان ,وفي زمن لايتجاوز الأشهر الستة ,وبناء على تشاور مع الحكومة اللبنانية واستنادا إلى صيغة الطائف نفسها ,يبدو مخرجا مهما من أي ورطة أخرى تلوح قسماتها في الأفق . فالانسحاب لن يكون مجرد فعل إيجابي يتناسب مع القرار 1559, ولكنه سيقدم مزايا سياسية واستراتيجية أخرى عديدة يمكن أن نشير إليها في عجالة . فالانسحاب من شأنه أن ينفي أي مسؤولية سورية مستقبلية عن أي تطور سياسي للأوضاع في لبنان . لاسيما إذا ما صعدت المعارضة تمردها المدني . وأيضا سيجعل سوريا في حل من أي مسؤولية عن أي تطور أمني لبناني داخلي . وثانيا سيجعل من أي مطالبات دولية لها بالقيام بنزع سلاح حزب الله اللبناني بلا معنى؛ فهذه ستكون مهمة لبنانية خالصة . وثالثا سينهي عنها مايقال بشأن احتلالها للبنان . ورابعا سيعيد بناء علاقة صحية وشاملة مع لبنان . وخامسا سيقدم سوريا باعتبارها دولة ملتزمة بالشرعية الدولية ,وربما يقلل من التوترات السياسية الموجودة مع فرنسا . مثل هذه المزايا السياسية والاستراتيجية لقرار بالانسحاب من لبنان هي اكبر كثيرا من التمسك بأسلوب ثبت باليقين القاطع انه يفتح أبوابا للجحيم لا قبل لسوريا أو لنظامها بتحمله.