تابعت حلقة (طاش ما طاش) الخاصة بالتفحيط وما يخلفه وكنت سمعت في مقابلة مع رجل كبير السن يسألونه عن رأيه في التفحيط والتطعيس فلم يستغرب ذلك ولم يستنكره، بل قال إنهم في زمانه كانوا يتسابقون على المطايا ويلعبون بحركات أكثر من السباق مثل القفز عليها وهي تجري أو القفز عنها أيضاً أثناء أسرع الجري فيقعون كما قال وتنكسر أيديهم وأرجلهم - شيء طبيعي -. وانقدحت في ذهني قصيدة فيها التطعيس والتفحيط فأحببت أن استعرضها خاصة وأن الأماكن المذكورة فيها هي حولنا. والقصيدة لأبي بصير ميمون بن قيس الأعشى الكبير ومناسبتها منافرة جرت بين الصحابيين الجليلين عامر بن الطفيل وعلقمة من علاثة قبل الإسلام. والمنافرة مفاخرة وتحدًّ بين رجلين كل منهما يذكر مناقبه ومفاخره ليحكم بينهما حكام وقد دخل الأعشى في هذه المنافرة ليأخذ جانب عامر ضد علقمة، وحكم أبو سفيان للاثنين بالتعادل وأنهما كركبتي البعير تقومان معاً وتقعدان معاً (تشبيه من البيئة).. وإلى القصيدة.. القصيدة من البحر السريع (مستفعلن مستفعلن فاعلن) بدأها بالنسيب والتشبيب (الغزل) بحبيبته (قتلة) لعلها قتلته بحبها ويدلعها (قُتيلة)، والبدء بالتشبيب عادة الشعراء الجاهليين ثم يتبعونه (التشبيب) بشعر الأسفار ثم ينتقلون إلى الغرض الرئيسي من القصيدة، لكن الأعشى في هذه القصيدة بدأ بالتشبيب وأنهاها بالأسفار وجعل الغرض الرئيسي (مدح عامر وهجاء علقمة) في الوسط. وسأمر علىالقصيدة مرّ الكرام بتعليقات يسيرة وشروح مختصرة: الأطلال.. أطلال منفوحة 1- شاقك من قتلة أطلالها بالشطِّ فالوتر إلى حاجرِ 2- فركن مهراسٍ إلى ماردٍ فقاع منفوحة ذي الحائرِ 3- دارٌ لها غيّر آياتها كلُّ ملث صوبُهُ زاخرِ وكالعادة بداية بشعر النسيب وذكر الديار التي هجرتها المحبوبة فأصبحت أطلالاً (خرائب) بعد رحيل قتلة التي كانت تعيش في بلدان الشط والوتر وحاجر وركن مهراس ومارد ثم منفوحة والحائر (منفوحة والحائرمعروفتان لدينا جنوبالرياض) تلك الأطلال التي غيرها ومحا معالمها كل ملثٍّ صوبُه زاخِر يعني الأمطار الغزيرة. والحائر المقصود هنا مجمع الأمطار انتقل معناه إلى أن أصبح بلداً معروفاً. ومنفوحة كانت إلى عهد قريب منفوحتين (القصية والموالية) وكان المدرس الذي يعين بهما (عشت ذلك سنين) يكون في الأرياف خارج الرياض. (ملث صوبه) أي السحاب الممطر بشدة وصوبه (فاعل لاسم الفاعل (ملث) مرفوع وزاخر صفة لملث (مجرورة)، وهذا المطر غَيَّرَ آيات الدار (معالمها). وينتقل الأعشى إلى الغزل: النسيب والتشبيب 4- وقد أراها وسْط أترابها في الحيِّ ذي البهجة والسامرِ 5- كدمية صُوِّرَ محرابُها بِمُذهبٍ في مرمرٍ مائرِ 6- أو بيضةٍ في (الدعص) مكنونةٍ أو درة شيفت لدى تاجرِ وقد: هنا للتحقيق ولو سبقت المضارع لأن الأعشى رآها فعلاً.. قال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} (18)سورة الأحزاب. والأعشى كان يراها وسط أترابها (مماثلاتها في العمر) في الحي البهيج بسماره ويشبهها بالدمية الموضوعة في المحراب (صدر الغرفة وليس محراب المسجد) مصنوعة من المرمر شديد البياض المذهب اللامع البراق. وتشبيه آخر: يشبهها بالبيضة في (الدعص) مخفية والتشبيه بالبَيض معروف قال تعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} (49) سورة الصافات. أو درة (لؤلؤة) ترى عند التاجر. قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} (24) سورة الطور. التطعيس والوقفة عند الدعص السبب المباشر في هذه الكتابة: فلقد بحثت عن الطعس في المعاجم فلم أجده بمعنى كثيب الرمل بل وجدت له معنى (غير مناسب) وإنما الدعص هو كثيب الرمل ولعلي أصحح للشباب ليقولوا (التدعيص بدل التطعيس). صفات المحبوبة 7- يشفي غليل النفس لاهٍ بها حوراء تصبي نظر الناظرِ والشطر الأول نضرب عنه الذكر صفحاً (إني صائم)، وبقية صفاتها حوراء (شديدة سواد العين شديدة بياضها) تصبي أو تسبي أو تأخذ ببصر وبصيرة مَن ينظر إليها. صفات جميلة 8- ليست بسوداءَ ولا عنفصٍ تسارق الطرْف إلى الداعرِ 9- عَبْهرةُ الخَلْقِ بُلاهيَّةٌ تشوبه بالخُلُقِ الطاهرِ 10- عهدي بها في الحيِّ قد سُربلتْ هيفاءَ مثلَ المهرة الضامرِ 11- قد نهدَ الثديُ على صدرها في مشرق ذي صُبح نائرِ 12- لو أسندت ميْتاً إلى نحرِها عاشَ ولم يُنقلْ إلى قابرِ 13- حتى يقولَ الناسُ مما رأوا يا عجباً للميت الناشرِ ويستطرد في الغزل حساً ومعنى فقتلةُ (المتغزل بها) بيضاء والبياض محمود وهو صفة الأحرار وديننا الإسلامي والحمد لله لا يفرق بين أبيض وأسود إلا بالتقوى وسيدنا عمر رضي الله عنه يقول: أبوبكر سيدنا وأعتق سيدنا (بلال)، ولا عنفص بذيئة قليلة الحياء بل عفيفة لا تنظر إلى قليلي الحياء الداعرين من الرجال، وهي مكتملة الجسم (عبهرة) خَلْقاً وخُلقها طاهر (حسنت خَلقاً وخُلقاً فمن أحسن منها؟)، بطنُها ضامرٌ وخصرُها دقيقٌ كالمهرة الضامرة، نهد ثديُها (نهض) بل ثدياها على صدرها المشرق المزين بالحلي البراقة اللامعة، ونحرها نَحَرَ الأعشى فلو أسندت ميْتاً إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى المقبرة (خيال شعراء مبالغ فيه جداً) حتى يتعجب الناس من هذا الميت الناشر. قال تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ}(21-22)) سورة عبس، الله المحيي المميت لا قتلة ولا غيرها. ولعل كلام الأعشى عن النهد ونهوضه في الصدر يذكر بقول نزار القباني: صار عمري خمس عشرهْ صرتُ أنثى ألف مرّهْ صرتُ أحلى ألف مرّهْ إلى أن يقول: والذي كان سوياً قد تكورْ (مثل الكرة) وبعد هذه الصور الجميلة الحية التي تذكرنا بالمراهقات ينتقل إلى الغرض الرئيسي في مدح عامر وهجاء علقمة، بقدرة على الجمع بين المدح الموصل بصاحبه (الممدوح) إلى الغرور والهجاء المقذع الذي يُبكي المهجوَّ في بيت واحد. مدح وهجاء 14- دعها فقد أعذرتَ في حبها واذكر خنا علقمة الفاجرِ 15- علقمُ لا لست إلى عامرٍ الناقض الأوتار والواترِ 16- واللابس الخيل بخيل إذا ثار غبار الكَبَّةِ الثائرِ 17- سدت بني الأحوص لم تعدهم وعامر ساد بني عامرِ 18- ساد وألفى قومه سادةً وكابراً سادوك عن كابرِ 19- ما يُجْعَلُ الجُدُّ الظنونُ الذي جُنب صوبَ اللجب الزاخرِ 20- مثل الفراتيِّ إذا ما طما يقذف بالبوصيِّ والماهرِ ويقول إنه أَعذر في حبها واستحق أن يُعذر لما تمتعت به (قتلة) من جمال الخَلْق والخُلُق لينتقل إلى هجاء علقمة فيصفه بصاحب الخنا: الفجور والفحش في الكلام، ليقول له إنك لا تقاس بعامر الذي يأخذ بثأره ممن عاداه ولا يدع أحداً يثأر منه، والذي يهجم على الأعداء لتختلط خيله بخيلهم في المعركة إذا ثار الغبار. ولا يمنعه هجاؤه أن يصف علقمة بالسيد لكنه ساد أقاربه من بني الأحوص بينما ساد عامر قبيلة بني عامر (قومه) كاملة. وهو سيد على سادة، أخذ السيادة عليك يا علقمة كابراً عن كابر (صار قول الأعشى مثلاً) وهو (عامر) بَحرٌ ليس ببئر قليل ماؤه وحتى السيل لم يمر عليه بل هو نهر الفرات الذي يقذف بالمركب والمراكبي. الأعشى حكم عدل 21- إن الذي فيه تماريتما بُيِّن للسامع والناظرِ 22- حكَّمتموني فقضى بينكم أبلجُ مثلُ القمر الباهرِ 23- لا يأخذ الرشوة في حكمهِ ولا يبالي غَبَنَ الخاسرِ 24- لا يرهبُ المنكر منكم ولا يرجوكم إلا نقي الآصرِ 25- يا عجب الدهر متى سُوِّيا كم ضاحكٍ من ذا وكم ساخرِ 26- فاقنَ حياءً أنت ضيعته مالك بعد الشيب من عاذرِ 27- ولست بالأكثر منهم حصىً وإنما العزةُ للكاثِر 28- ولست في الأَثرَيْنَ من مالكٍ ولا أبي بكر ذوي الناصرِ 29- هم هامةُ الحي إذا حُصِّلوا من جعفر في السؤدد القاهرِ 30- أقول لما جاءني فخرهُ سبحانَ من علقمةَ الفاخرِ وكما يرى القارئ الكريم فإن الغالب الأعظم من شعر الأعشى أيسر فهماً من بعض الشعر المعاصر الحداثي والمرموز والمتقعر.. يقول: إن الذي تمارى فيه عامر وعلقمة وتجادلا بَيِّنٌ للسامعِ والناظرِ ويقول لهما: حَكَّمتموني فقضى بينكم.. والذي أعرف أنهما لم يحكماه وإنما أدخل نفسه في الأمر، ويصف نفسه بالقمر الباهر الذي يأخذ بالأنظار عادل في حكمه لا يقبل رشوة ولا يهمه من يكسب ومن يخسر. لا يهمه من أنكر حكمه ولا يرجو منكم إلا كمن يكسر العظام ليمتص ما فيها من الدسم (لا لحم ولا شحم) أي أنه لا يرجو منهما شيئاً. ويقول: إن العجب العجاب أن يتساوى علقمة وعامر مما يدعو للسخرية والضحك ويخاطب علقمة بقوله: الزم الحياء الذي ضيعته فبعد الشيب لا عذر لك في السفه، كما أنك أقل قوماً من عامر والعزة للكثرة كما أنك لست غنياً مثل بني مالك ولا من ذوي النصرة قوم أبي بكر (طبعاً ليس أبا بكر الصديق رضي الله عنه). ثم يقول ما معناه إنه لم يبقَ إلا علقمة ليفخر (سبحان الله). استمرار في مدح حكمه العادل 31- علقمُ لا تسفهْ ولا تجعلَنْ عرضك للوارد والصادرِ 32- أُؤوِّل الحُكمَ على وجهه ليس قضائي بالهوى الجائرِ 33- قد قلت قولاً فقضى بينكم واعترف المنفور للنافرِ 34- كم قد مضى شعريَ في مثله فسار لي من منطق سائرِ إن تَرجع الحكم إلى أهله فلست بالمستي ولا النائرِ 36- ولست في السلم بذي نائلٍ ولست في الهيجاء بالجاسرِ 37- إنيَ آليتُ على حَلفةٍ ولم أُقلهُ عثرةَ العاثرِ 38- ليأتيَنْهُ مُنطقٌ سائرٌ مُستوسقٌ للمُسمَع الآثرِ 39-.................. ........................ 40-..................... ...................... ويستمر الأعشى في الإفحاش بهجاء علقمة بل ترك مدح عامر فيقول يا علقم (حذف التاء المربوطة ترخيماً) دع عنك السفه ولا تجعل عرضك مضغة على ألسنة الناس من وارد وصادر (الوارد الذي يرد الماء ليستقي والصادر الذي يخرج من موضع الماء بعد الاستقاء) فإن (الأعشى) يحكم الحكم على وجهه الصحيح دون اتباع الهوى الجائر، بل بالعدل (كذاب)، وقد قضى قولاً نهائياً بحيث اعترف المنفور (علقمة) للنافر (عامر) بالفضل (كذاب أيضاً)، ويقول إن شعره كثيراً ما مضى في الحكم على مثل علقمة فأصبح مثلاً سائراً على الألسنة لصدقه (كذاب) وإن كانت القواعد التي أثبتها في القضاء صحيحة، وأنت يا علقمة إن رَجعت الحكم إلى أهله فلست بشيء ولا قيمة لك، ولا لك في السلم نائل ولا في الحرب شجاعة. ولقد حلفت ألا أقيل علقمة عثرته بل سيأتيه مني كلام يسير بين الناس (في الهجاء) يسمعه السامع فيذيعه وينشره. وتركنا البيتين 39-40 لفحشهما وقذارتهما. يهزأ بالتهديد 41- لا تحسبَنِّي عنكم غافلاً فلست بالوالي ولا الفاترِ 42- واسمعْ فإني طَبِنٌ عالمٌ أقطعُ من شقشقةِ الهادرِ 43- يقسم بالله لئن جاءهُ عني أذىً من سامعِ خابرِ 44- ليجعلنِّي سُبّةً بعدها جُدِّعتَ يا علقمُ من ناذر 45- أَجَذعاً توعدني سادراً لستَ على الأعداء بالقادرِ 46- أنظر إلى كفٍّ وأسرارها هل أنت إن أوعدتني ضائري 47- إني رأيت الحرب إن شمّرتْ دارت بك الحربُ مع الدائرِ 48- حولي ذوو الآكال من وائلٍ كالليل من بادٍ ومن حاضرِ 49- المطعمو اللحَم إذا ما شَتَوْا والجاعلو القوتَ على الباسرِ 50- من كل كَوْماءَ سَحُوفٍ إذا جفّت من اللحم مُدى الجازرِ 51- والشافعون الجوعَ عن جارهمْ حتى يُرى كالغُصُنِ الناضرِ 52- كم فيهمُ من شَطبةٍ خَيفَقٍ وسابحٍ ذي مَيْعَةٍ ضامرِ 53- وكلِّ جَوبٍ مُترصٍ صُنعُهُ وصارمٍ ذي رونق باترِ 54- وكل مرنانٍ له أَزْمُلٌ وليّنٍ أكعبهُ حادرِ وكان علقمة توعد الأعشى أن يؤدبه ويجعله سبة بين الناس إذا ما هجاه بمنطق وكلام مقذع ولذا يقول له لا تظنني غافلاً عنك إلا أنني لا أحسب لك حساباً فلست بشيء، ويقول إنه فطن حاذق عالم يستطيع قطع ثرثرة الهادر بالكلام، ويذكر تهديد علقمة له ويقول: جُدِّعَ أنفك (تحقيراً) أيها الحالف والناذر ويقول له إن وعيدك ليس بجديد فأنت تقول ولا تفعل ولا تقدر على مواجهة الأعداء، ويقول له اقرأ الكفّ (على عادة العرب في الجاهلية بقراءة الكف وضرب الرمل) فهل تجد فيه أنك تستطيع أن تضرَّني، وأنت إذا شمرت الحرب عن ساقها دارت الدوائر عليك، وحَوْلَهُ (الأعشى) أنصاره الكثيرون كأنهم الليل المحيط وهم كرام يطعمون اللحم في الشتاء عندما يجوع الناس، والقوت على الفقراء بذبح النياق الضخمة عندما لا يجد الجزارون ما يذبحونه، ويشبعون الجار الجائع حتى يصبح كالغصن الناضر وعندهم الأفراس السريعة والأحصنة القوية السريعة وهم مجهزون بالدروع والسيوف والأقواس والنبال والرماح. التفحيط 55- وقد أُسلِّي الهمَّ حين اعترى بجَسْرَةٍ دَوْسَرَةٍ عاقرِ 56- زيّافةٍ بالرحل خطّافةٍ تلوي بشرخيْ مَيْسةٍ قاترِ 57- شتانَ ما يومي على كورها ويوم حيانَ أخي جابرِ 58- في مجدلٍ شُيِّد بنيانه يزلُّ عنه ظُفُر الطائرِ 59- يجمع خضراءَ لها سَوْرةٌ تعصف بالدارعِ والحاسرِ 60- باسلةَ الوقعِ سرابيلُها بيضٌ إلى جانبه الظاهرِ وكنا بدأنا بالتطعيس وصححناه إلى التدعيص ونأتي هنا إلى التفحيط الذي لم نجده في المعاجم ووجدنا (فحث بمعنى فحص) فحصت الدابة أي ضربت برجلها الأرض وهذا هو المقصود، فالتفحيط خطأ والصحيح تفحيث. وقد كان الأعشى يسلي همومه إذا ضاق صدره (كما هي أعذار مفحِّطينا) بركوب جسرة (ناقة ضخمة) ومثلها دوسرة ولعل منها جاء وادي الدواسر، عاقر (لا تحمل ولا تلد) فهي أقوى، زيافة تضرب بذنبها يميناً وشمالاً وتسرع في تمايل (تفحيث وتفحيط) حتى تقذف الراكب عن ظهرها، ويومه على ظهرها هائل شتان ما بينه وبين يوم حيان أخي جابر الذي حبس في حصن عالٍ شيد من الحجارة الصماء الملساء يزل عنها ظفر الطائر وعنده كتيبة تعصف بالحاسر (كاشف الرأس) والدارع لابس الدرع، وهذه الكتيبة شديدة الوقع تلمع فوق رجال الدروع البيضاء إلى جانب هذا الحصن المرتفع. تفحيط عام وأخيراً فإذا فحَّط الأعشى على الناقة فقد فحط امرؤ القيس على بعير صاحبته (عنيزة): ويوم دخلت الخدر خدر عُنَيزَةٍ فقالت: لك الويلات إنك مُرجِلي أي (يوقعها عن البعير) تقول وقد مال الغبيط بنا معاً: عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزلِ كما فحط (فحث) امرؤ القيس على الحصان: وقد أغتدي والطيرُ في وكناتها بمنجردٍ قيد الأوابد هيكلِ (حصان قليل الشعر (صفة طيبة) سريع ضخم) وانظروا إلى التفحيط: مكرٍ مفرٍ مقبلٍ مدبرٍ معاً كجلمودِ صخرِ حطه السيلُ مِنْ عَلِ (أرأيتم أخطر من هذا التفحيط، ومع ذلك لم يسقط امرؤ القيس عن ظهره. وأخيراً فحط طرفة بن العبد فقال: وإني أسلي الهمَّ عند احتضاره بعوجاءَ مِرقالٍ تروح وتغتدي ناقة عوجاء (تسير يميناً ويساراً) سريعة تروح وتغدو. ملاحظة: الأعشى اعتذر إلى علقمة في قصيدة أخرى بعد تمكنه منه وعفا عنه. (أعان الله من أكمل القراءة إلى النهاية).