لا أتوقع أن كل من رُزق بولد عاق كان هو عاقاً لوالديه.. وان كان من أبواب طاعة الله والتسبب في أن يرزق الإنسان بذرية صالحة أن يبر والديه ويبقى كل أمر معلّق بيد الله سبحانه وإرادته فهو اللطيف الخبير.. نعم أحيانا يبتلي الله الإنسان بشر إعماله ويكون الجزاء من جنس العمل فإذا عق والديه يبتليه الله بمن يمارس معه العقوق لكن هذه تدابير يضعها الله سبحانه كيفماء شاء ومتى شاء بقاعدة لا يعلمها إلا هو.. ولو أخذنا الأمور بسطحية لقلنا أن أول ولد عق والديه هو ادم عليه السلام على أساس أنه أبتلي بعقوق أحد أبنائه وكلنا يعلم كيف خلق الله آدم.. ولقلنا أن العائلة التي يعق احد أبنائها والديه ستستمر فيها صفة العقوق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهذا طرح غير منطقي وغير مستساغ لا يقبله العقل والفطرة التي تفرض الخير قبل الشر. ومما يعزز ما اذهب إليه أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه لا تزر وازرة وزر أخرى فإذا اخطأ احدهم وارتكب ذنب عقوق والديه فما ذنب أبنائه أن يكتب فيهم من يعق به.. قد يُبتلى إنسان خيّر بار بوالديه ومقيم لحدودهما وحدود مصاحبتهما في الدنيا بمعروف بولد شاذ وعاق والعكس صحيح فقد يُرزق عاق بوالديه بذرية بررة مقيمين لحدود صلة الرحم فيصلحون ما يحدثه أبوهم من فساد في دائرته وهكذا تأتي الأمور بترتيب عميق لا يفهمه إلا هو سبحانه الذي يميز صدق ايمان عبده وصدق ما يدعيه بابتلائه إما بصورة سلبية تتطلب الصبر وإما بصورة ايجابية تتطلب الشكر فإن اُبتلي بضر أصابه وصبر واحتسب اجر مصيبته وابتلائه على الله كان له فيما اُبتلي به الخير والثواب من الله وان رُزق بأمر وحمد الله عليه وشكر كان له فيما رزق الخير والثواب من الله وكم رجل صالح في هذه الدنيا لم تكن ذريته كما كان هو وكم رجل فاسد جاءت ذريته بإرادة الله صالحة مؤمنه مقيمة لحدود الله. هذه الخواطر راودتني عندما تناقشت مع احدهم الذي قال شامتا في احد الأصحاب الذي اُبتلي بابن عاق: لو انه لم يعق والده لما عقّه ابنه. وقالها على اساس أنها قاعدة ثابتة وأكدها بقوله: دائما إذا رأيت احدا يشتكي عقوق ابنائه تأكد انه كان عاقاً لوالديه.. ولأن في النفس مما قال حاجات لا تقنعها أثرت هذا منطلقا من أن الله يحاسب كلاً على فعله هو، فلو افترضنا صحة ما قاله صاحبنا هذا لقلنا إن القاتل لابد وان يكون في ذريته قاتل والزاني كذلك وكل عاص أو مرتكب للفواحش لابد وان يظهر في ذريته من يرتكب ما كان أبوه يصنع.. ولي على هذا تحفظ كبير. حتى لا تضيع الفكرة أو يفهم ما أريد في غير موضعه.. أقول إن العقوق احد اقبح الصفات فهو يأتي من نفس كريهة لم تقدر الله حق قدره وسيعاقبها الله على عقوقها بما يراه سبحانه وقد تُبتلى بذرية عاقة لكن ليس بالضرورة ان كل من يرزق بولد عاق كان في الأساس هو عاقا لوالديه.. والله أعلم. [email protected]