حظيت الأمة الإسلامية بميزات كثيرة في كل جوانب حياتها.. ومن هذه الميزات شهر رمضان المبارك، ولا غرو أن يهب الله عز وجل هذه المنقبة الكبيرة للمسلمين؛ لأنه كريم يعطي الكثير ويغفر الذنب العظيم. ورمضان له فضائل كثيرة نلخص جانباً منها اليوم أوردها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة له في صحابته الليلة الأولى من رمضان، حيث قال: (أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم فيه ليلة خير من ألف شهر مَنْ قامها إيماناً واحتساباً غُفر له الله ما تقدم من ذنبه، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيامه تعبداً، شهر أوله رحمه، وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.. وهو شهر الصبر، والصبر جزاؤه الجنة، وهو شهر المواساة، شهر يوسع فيه رزق المؤمن، مَنْ فطّر فيه صائماً كان كمن أعتق رقبة، فاستكثروا فيه من خصال أربع: خصلتان ترضون بهما ربكم شهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وخصلتان لا غنى لكم عنهما تسألونه الجنة، وتستعيذون به من النار). وبمناقشة هذه الخطبة النبوية الصادرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دلّ أمته على الخير وحذرها من الشر نجد أنّ رمضان فرصة للمسلمين وزيادة في تحصيلهم، ولقائهم لربهم، وأنه يعوّد الصائمين على الصبر حيث يمتنعون عن الأكل والشرب وسائر ملذات الحياة؛ رغبة في رضا الله وطاعته، ولذلك قال الله عز وجل عن رمضان (.. والصوم لي وأنا أجزي به) فاختص نفسه بهذا العمل الذي هو سِرّ بين العبد وربه لا يدخل فيه الرياء بل مرجعه الضمير والاقتناع التام الخالص من الصائم. وتبدو في هذا الشهر المساواة، حيث يستوي الغني والفقير والمرأة والرجل والكبير والصغير في الأكل في وقت محدود والامتناع في وقت معلوم، وتبدو أيضاً المواساة، حيث يدرك الغني ألم الجوع والعطش فيجود على الفقراء بالمال والنفقة ويدرك نعمة الله عليه. أما توسيع الرزق فإنها ظاهرة تتجلى في رمضان يحسّ بها ذوو الدخل المحدود الذين ينفقون في رمضان أكثر من غيره حسب متطلبات الحياة، ومع ذلك فرزقهم واسع يأتي من موارد متعددة بهذا الشهر الكريم. وما تفطير الصائم إلا بابٌ من أبواب سعة الرزق وشمول النفقة.. والتلذذ بالعبادة. ولعله لا يغرب عن بال القارئ العزيز سِرّ هذه الخصال الأربع التي طلب منا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستكثر منها. فالأولى تعني صفاء العقيدة وخلو الذهن من التعلق بغير الله واستعداد النفس لمقابلة خالقها والاتصال به حتى تكون مستعدة لتقبل الرحمة والمغفرة والعتق من النيران. والثانية تعني تخلص المؤمن من الآثام وأوضار الحياة، وأدران المعصية وغسل قلبه من التعلق بها والتوجه إلى الله عز وجل والإكثار من العبادة؛ طلباً للمغفرة. والثالثة هي الهدف والأمل للمؤمن وهي نتيجة عمله وحصيلة سعيه في حياته ومنتهى السعادة الأبدية التي يرجوها المؤمن. والرابعة نتيجة لدخول الجنة فمن دخل الجنة فقد سَلِمَ من النار، والنار هي الشقاء الأبدي ومنزل العصاة المستقر، فالمؤمن مأمور بالاستعاذة منها دائماً. أيها القارئ العزيز، يهمنا في بداية رمضان المبارك أنْ تدرك ان هذه الفرصة المتاحة للمؤمنين فرصة نادرة، ولكن عليك أن تعي جيداً الأمور التي تضيعها عليك وتحرمك من الحصول على ثواب الله، وهذه كثيرة وأهمها: أكل أموال الناس بالباطل وغمط حقوقهم، وحقوق الوالدين، وذوي الأرحام، وأكل أعراض الناس بسبابهم، والنَّيْل منهم، وغمزهم ولمزهم. وهذه أفعال تقرض الأعمال كما يقرض المقص القماش، وقد قصد الإسلام تربية الروح والبدن، وصقل المسلمين، وجعلهم نموذجاً للاخوة المتحابين المخلصين في علاقاتهم، الصادقين في مودتهم.. حتى يكون لهم مجتمع صالح ينعم بالحياة السعيدة.. وإذا لم يعمل المسلمون بتعاليم دينهم، ولم يحافظوا على شعائره فإنهم بذلك يضيعون أنفسهم، ويفقدون أهم مقومات حياتهم، وأشد الناس تفريطاً وغفلةً مَنْ ضيّع الخير الذي بيده.. والله ولي المؤمنين.