ليس الاحتفال باليوم الوطني إلا تذكاراً لأبناء الوطن بذاتيتهم وخصوصيتهم وأصالتهم، وإذكاءً لمشاعر الولاء والفخر بالانتماء للوطن في صدورهم. ووقفة ينظر فيها الوطن كلّه وراءه ليعرف أي مسافة قطع، ثم ينظر أمامه ليرى كم بقي من الشوط. ليس الاحتفال باليوم الوطني مجرد استمتاع بالكسل اللذيذ، ولكنه حشد للطاقات نحو المزيد من الفعل والمزيد من العطاء.. تطلع مشروع نحو غدٍِ مجيد.. تطلع نحو المزيد من التنمية.. التنمية، التنمية، تلك هي الكلمة - المفتاح، المفتاح للغد، ولكل حلم كبير تتقارب الشقة يوماً فيوماً بينه وبين التجسد. وعندما نتحدث عن التنمية فنحن نعني بها فعلاً ينتظم جميع الأصعدة، المصنع الذي يقوم مظهر من مظاهر التنمية ولكن حقيقة ذلك المظهر تتبدى في الخيار الحضاري الذي يلتزم الاتجاه نحو الصناعة بوعي وعلم لتحويل الثقل الاجتماعي نحو حقائق الغد. والمدرسة التي تفتح مظهر آخر من مظاهر التنمية تتبدى حقيقته في عين الخيار الحضاري الذي يؤمن بالعلم طريقاً ومنتهى، وسيلة وغاية، ومكوناً من مكونات الغد تغور جذوره بعيداً في ثقافة الأمة وروحها. والمسجد الذي ترتفع مئذنته مظهر كذلك من مظاهر التنمية: التنمية الأصيلة التي لا تطير بجناح واحد، بل تعرف للروح مكانها، وتعرف للسعي غايته، وتهب المسير الاجتماعي معناه الذي يرتبط بمعنى الحياة والنفس والكون، بتوجيه ذلك المسير لخالق الكون. كل ذلك وأكثر منه: المستشفى، ملعب الرياضة، النهضة التكنولوجية، تطور الاتصال - المغامرة في عالم الكمبيوتر، والآبار التي تروي عطش الصحراء، والانتفاضة الزراعية كل هذا من مظاهر التنمية: التنمية الاقتصادية، الاجتماعية، الصحية، التعليمية، والنفسية، والروحية.. أجل الروحية ومن هنا جاء احتفاؤنا باليوم الوطني محاولين أن نستخلص من ذلك كلّه صورة للوطن في يوم الوطن. يتفق الدارسون عرباً وغير عرب، مسلمين وغير مسلمين، على أن الوحدة التي شهدتها بلادنا تكاد أن تكون غير ممكنة إلا بوجود الملك عبد العزيز، لقد (كان هاجس الوحدة يلح على عبد العزيز، فكان ينادي بها كلّما وجد فرصة لذلك، وهذا طابع السياسي والأريب الذي لا ينظر إلى مصلحته الشخصية، فقد كان عبد العزيز فخوراً وشاكراً لله على إنجاز واحد كبير هو توحيد الجزيرة بعد شتات وفرقة)، وليس أفضل ونحن نحتفل بهذه المناسبة من أن ندعو الناس الذين كتبوا عنه يتحدثون: يقول خير الدين الزركلي، مؤلف كتاب (شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز) في معرض حديثه عن شخصية الملك عبد العزيز: (ليس من المبالغة ولا من الثناء أن أذكر أن عبد العزيز كان عجباً في سرعة الخاطر إذا تحدث وفي قوة الحجة إذا أراد الإقناع. وسر القوة في حجة عبدالعزيز أن عقله كان يسبق لسانه، وأنه ينسى العاطفة أمام المنطق، ولا يقول إلا ما يعتقد.. لم يكن يهيئ الخطبة كما يفعل أكثر الناس وفيهم من كان يكتبها ويحفظها، ويكاد سامعه لا يعرف أنه يخطب إلا من ارتفاع صوته. ومن ابتدائه - حين يريد الاسترسال والتوسع - بحمد الله ثم الصلاة على نبيه كما كان يصنع الخلفاء الراشدون. فيتحدث حين يخطب منطلقاً على سجيته، غير متأنق ولا متكلف، فيفيض في الشطر الأول من خطبته أو من حديثه كما تمليه عليه ذاكرته من عظات يستمدها أو يستمد معانيها، أكثرها من الحديث النبوي ومن آيات كتاب الله، ويأتي بالشواهد، وقد يتمثل بالبيت من الشعر أو بالشطر يرد في كلامه عرضاً لا على أنه قول ينشد ولكنه على أنه كلام محكم يورد). يقول (كنث ويلمز): (مواهب ابن سعود الخطابية عظيمة، فهو يظهر مقدرة عجيبة في أحاديثه العامة والخاصة، وهو إذا تكلم تدفق كالسيل، يحب التحليل ورد الشيء إلى أصله، شديد الولع بتشريح المواضيع تشريحاً يدل على ذكاء وفطنة ولباقة، يخاطب البدوي بلهجة البدوي والحضري بلهجة الحضري، وما استمع أجنبي إليه إلا خرج مفتوناً بحديثه). ويقول (موريس جورنو) في كتابه (تحقيق حول ابن سعود): (إذا كان ابن سعود قد نجح في لم شعث الجزيرة العربية تحت لوائه، وجعل من بلد مضطرب البلد الأكثر أمناً في العالم، فمرد ذلك ليس إلى القوة والسيف فحسب، بل إنه سكب في أعماق الأمة الناشئة أقوى عوامل التراص والتماسك، أي التقيد الشديد بأحكام القرآن). ويقول (جان بول مانيه) في (باري ماتش) إثر وفاة الملك عبد العزيز - يرحمه الله -: (لقد خلف ابن سعود الذي لقبه الإنجليز بنابليون الجزيرة العربية مملكة شاسعة تعادل مساحتها نصف مساحة أوروبا، وبلداً يعتبر الثالث في العالم في إنتاج البترول، وكان في الوقت نفسه الزعيم المرموق في العالم العربي.. لقد استطاع ابن سعود في خضم القرن العشرين أن يفجر من غمار الرمال أمة جديدة).