يفرح المؤمنون الطائعون المخبتون برمضان وقدومه لأسباب: - لأنه شهر يربون فيه أنفسهم على الصبر عن الشهوات. - ولأنهم يتذكرون الانتصارات والفتوح؛ فشهر رمضان شهر النصر لأمة الإسلام. - ويفرح المؤمنون برمضان؛ لأنه يجدد فيهم الأمل، في عودة المسلم لربه، وعودة الأمة لسالف أمجادها. - ويفرح المؤمنون برمضان؛ لعلمهم ما أعده الله فيه من الثواب الجزيل والعطاء العظيم ومضاعفة الحسنات، وتكفير الخطايا والسيئات أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفساد فأد حقوقه قولا وفعلا وزادك فاتخذه للمعاد فمن زرع الحبوب وما سقاها تأوه نادما يوم الحصاد - ويفرح المؤمنون برمضان لصلاة التراويح: وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)(1). - ويفرح المؤمنون برمضان لقيام ليلة القدر: وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)(2). - ويفرح المؤمنون برمضان؛ للعلم، وتلاوة القرآن، والذكر، والتفكر، والتأمل ومضاعفة الأجر والصدقة، والروحانيات التي ينبعث أريجها في كل مكان، وانشراح الصدر، والطمأنينة، والخير، والفضل {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} سورة يونس «58». وعلى حين يفرح المؤمنون برمضان، وتنشرح نفوسهم، وتسمو أرواحهم ينقبض منه آخرون، ويعتبرونه سجنا، تستوحش منه أجسادهم، وتنفر منه أرواحهم، إذا لا يعدو رمضان عندهم أن يكون حرمانا من حظوظ النفس، وشهوات الجسد، ولذا تراهم إذا اقترب رمضان؛ يقول قائلهم: إذا العشرون من شعبان ولت فواصل شرب ليلك بالنهار ولا تشرب بكاسات صغار فإن الوقت ضاق عن الصغار ويروى أنه كان للرشيد ابن سفيه، أقام على ملذاته، فلما جاء رمضان ضاق به ذرعا، وأظلمت عليه نفسه؛ فقال: دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ولا صمت شهرا بعده آخر الدهر فلو كان يعديني الأنامُ بقوةٍ على الشهر لاستعديت قومي على الشهر فأصابه داء الصرع، فكان يصرع في اليوم مرات، وما زال كذلك حتى اختلست نفسه من بين جنبيه وخر ميتا قبل أن يأتيه رمضان. فهؤلاء يستثقلون الشهر ويستعظمون مشقته؛ فإذا نزل بهم فهو كالضيف الثقيل، يعدون ساعاته وأيامه ولياليه، منتظرين رحيله بفارغ الصبر ولهذا أسباب: منها: أنهم اعتادوا التوسع في الملذات والشهوات؛ من مآكل، ومشارب، ومناكح وغيرها، فضلا عن مقارفتهم للذات المحرمة؛ فرمضان حبسهم عن شهواتهم وحال بينهم وبين ملاذهم فاستثقلوه. ومنها: أنهم قوم عظم تقصيرهم في الطاعات حتى إن منهم من قد يفرط في الفرائض والواجبات كالصلاة مثلا؛ فإذا جاء الشهر التزموا بعض الطاعات، وشهدوا الجمع والجماعات، وواظبوا على الصلاة كل يوم؛ فثقل عليهم حمل الشهر فتبرموا منه. يجلس المرء منا ساعات طويلة في سمر وسهر حتى الفجر، ثم في نوم عميق متصل حتى الظهر، فإذا قام إلى الصلاة حضرت الأشغال، واشتدت الأعصاب، وتذكر المواعيد، وغنت الهموم فوق رأسه حتى يصلي عجلا، ولا يكاد يفقه كم صلى؟! التهنئة بدخول رمضان التهاني من العادات، والأصل فيها الإباحة؛ سواء في ذلك رمضان أو العيد أو عند تجدد نعمة أو دفع نقمة. وهذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع، أو تضمن مفسدة شرعية، وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. والعادات والمباحات قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يلحقها بالأمور المحبوبة لله، بحسب ما ينتج عنها وما تثمره، كما أنه قد يقترن ببعض العادات من المفاسد والمضار ما يلحقها بالأمور الممنوعة، وأمثلة هذه القاعدة كثيرة جدا. أفاده ابن تيمية وابن سعدي وغيرهما. وفي قصة الثلاثة الذين خلفوا، وتهنئة الصحابة لهم بالتوبة، وتبشير النبي صلى الله عليه وسلم دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية والقيام إليه إذا أقبل ومصافحته، فهذه سنة مستحبة وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية وأن الأولى أن يقال له: ليهنك ما أعطاك الله وما من الله به عليك ونحو هذا الكلام؛ فإن فيه تولية النعمة ربها والدعاء لمن نالها بالتهني بها. والجمهور من الفقهاء على أن التهنئة بالعيد لا بأس بها، وهو أشهر الروايات عن الإمام أحمد - رحمه الله - وذهب بعضهم إلى مشروعيتها. قال أحمد رحمه الله: (ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبل الله منا ومنك). وقال حرب: سئل أحمد عن قول الناس في العيدين تقبل الله منا ومنكم. قال: لا بأس به، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة. قيل: وواثلة بن الأسقع؟ قال نعم. قيل: فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد. قال: لا. وذكر ابن عقيل في تهنئة العيد أحاديث، منها: أن محمد بن زياد، قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك. وقال أحمد: إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد. وقال علي بن ثابت: سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين سنة، وقال: لم يزل يعرف هذا بالمدينة(3). ولا شك أن رمضان وقدومه من أفضل النعم. الاستعداد لرمضان كل المسلمين يستعدون لرمضان؛ فمهم من يستعد لرمضان بإخلاص القلب، وتصحيح النية، والإقبال على العبادة، وتجريد القصد لله - تعالى -، والعزم على التوبة، وهذه أعظم المنازل وأرقاها وأوفاها. ومن الناس من يستعد لرمضان بألوان الأطعمة والأشربة والمأكولات، كما يفعله كثير من الناس، والقدر المعتدل من هذا حسن، فإن التوسعة على النفس والأهل خلق الكرام، وإنما يفرح بالمال لهذا، وللإحسان والكرم والجود. ومنهم من يستعد لرمضان ببرنامج خاص، كما يفعل الإعلاميون، يحتوي على المواد المتنوعة التي يخاطب بها الناس ويوجهون توجيها معينا، وإذا كان يقدم للناس في غير رمضان المسرحية المنحرفة، والتي يمثلها فلان وفلان، وتدرب على المعاني الرديئة، فإنه في رمضان قد يقدم لهم المسرحيات التي يظهر فيها ذلك الممثل نفسه يؤدي دور خالد بن الوليد، أو صلاح الدين الأيوبي أو غيرهم من أبطال الإسلام وعظماء التاريخ، حتى يظن الناس أن أولئك كانوا كهؤلاء، ويلتبس الأمر عليهم، وتتحول الحقيقة إلى خيال، ويتحول الجد إلى هزل. فضلا عن أن بعض القنوات تسير عكس الاتجاه، وتحاول انتهاك قدسية الشهر وحرمته بعرض الأجساد العارية، وانتخاب الوجوه الحسنة، ولعمر الله لقد صفدت الشياطين ومردة الجن فمن يكون هؤلاء؟! ومن الناس من يستعد لرمضان باللهو واللعب كما نجده في كثير من البلاد في ألوان المباريات الكروية والدورات الرياضية، وإذا سهر الإنسان الليل كله يشاهد الكرة فماذا تراه سيصنع في نهاره، هل سيدرس؟ هل سيتعلم؟ هل سيقرأ القرآن؟ هل سيتعبد لله - تعالى -؟ هل سيؤدي الصلوات الخمس مع المسلمين؟ الله المستعان. والرياضة المتوازنة التي بها حفظ البدن، والاستعداد لمواجهة صروف الحياة مطلب، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل. لكن المذموم شيئان: - الإسراف والمبالغة وإضاعة الأوقات. - وضع الشيء في غير موضعه. ومن الشباب من يستغلون ليالي رمضان في تنظيم دوريات خاصة بهم في عدد من الأحياء والأماكن والملاعب تستغرق جل الليل، مصحوبة باللغو والتشاتم والصياح والعصبية والغضب، وربما كان أجمل ما يذكرهم برمضان ويربطهم به هي تلك الأنوار الكاشفة، والملاعب الليلية، والدوريات وما أشبهها. وجدير بشباب الإسلام أن يدرك حجم التحديات التي تواجهها أمته، وأن يعد نفسه للمهمات الصعبة، ويتزود بالخبرات والملكات، وألا يقبل ضياع العمر والوقت والجهد من غير طائل: مؤامرة تدار على الشباب ليعرض عن معانقة الحراب مؤامرة تدور بكل بيت لتجعله ركاما من تراب نعم! قوة البدن من مقاصد الشريعة، والترفيه المنضبط لا تثريب فيه، بيد أن لكل شيء حدودا، ولكل وقت وظيفة مناسبة. إنه جدير بالمسلم أن يحقق معنى الصيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة «21». فإذا لم يدع الإنسان قول الزور والعمل به، وشهادة الزور، واللغو والرفث فأي سبب يدعوه إلى الصيام إذن؟! إن الله - تعالى - ليس بحاجة إلى أن يدع هذا الإنسان طعامه وشرابه. وليس بحاجة لأن يدع أحد طعامه وشرابه، سواء ترك الزور أم لم يتركه، فعلم بهذا أن الصوم لله في نيته وقصده وأجره، ولكنه للعبد خالصا في ثمرته وعائده وفائدته. وجدير بالصائم أن يتنبه لنفسه، فكأنه والله بالموت وقد أتاه فجأة، فيئس منه الطبيب، وفارقه الحبيب، وبكى عليه كل قريب. كان الحسن يقول: عجبت لأقوام أمروا بالزاد، ونودي فيهم بالرحيل وجلس أولهم على آخرهم وهم يلعبون. وقالوا أبو حازم: إن بضاعة الآخرة كاسدة، فاستكثروا منها في أوان كسادها، فإنه لو جاء وقت نفاقها لم تصلوا فيها إلى قليل ولا كثير. وكان أبو بكر بن عياش يقول: لو سقط من أحدهم درهم لظل يومه يقول: إنا لله ذهب درهمي، وهو يذهب عمره، ولا يقول: ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات. هي فرصة فلعلك لا تدرك رمضان غير هذا. يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان لقد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضا شهر عصيان واتل القران وسبّح فيه مجتهدا فإنه شهر تسبيح وقرآن واحمل على جسد ترجو النجاة له فسوف تضرم أجساد بنيران كم كنت تعرف ممن صام في سلف من بين أهل وجيران وإخواني أفناهم الموت واستبقاك بعدهمُ حيا فما أقرب القاصي من الداني اللهم تقبل منا صومنا وقيامنا إنك أنت السميع العليم، اللهم اغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اهدنا إلى سواء السبيل، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم احشرنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم وفقنا لصيام رمضان وقيامه اللهم ارزقنا فيه الخير، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين. _________ (1) أخرجه البخاري (37) في الإيمان، باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان. ومسلم (759) في صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح. (2) البخاري (35) في الإيمان، باب قيام ليلة القدر من الإيمان. ومسلم (760) في صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح. (3) المغني 3-294