إن الدنيا اليوم,, تموج وتضطرب، لأنها فقدت الأمن والأمان في حياتها كلها, وأصبح الناس,, فيما يشبه الرعب خائفين في ذعر, والأمن أغلى ما يحتاج إليه المرء بعد اليقين,! فالأمن عافية وهناءة واستقرار,, وحياة عزيزة رغدة سعيدة,! ولا قيمة لحياة تفتقد إلى الأمن والأمان. وحين منّ الله على قريش ، جيرة البيت المحرم يومئذ، أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم سورة تحمل اسمها، ذكر فيها ايلافهم، ثم رحلاتهم في الشتاء والصيف,, إلى اليمن وإلى الشام بتجارتهم، وكانت العرب,, التي تمر بها قوافل قريش تحرصها وتهابها، ليس لقوة قريش، كما قال أحد المتحدثين مرة في منتدى الأستاذ علي أبو العلا,, قبل اكثر من عامين، ليس ذلك بحق، وإنما لأن تلك القبائل مضطرة إلى المجيء إلى مكة للتسوق والحج، فإذا هي أساءت معاملة جيرة البيت وتعرضت لتجارتها، فإنها إذا جاءت إلى مكة حاجة أو متسوقة، فإن قريشاً ستقتص منها، لتنال ما فقدت بغزو أو إغارة على أموالها,, التي تحملها قافلتها، في توجهها شمالا وجنوبا,! فالله منّ على قريش في تلك السورة، التي حملت على قصرها: إيلاف تلك القبيلة,, مع تكرار النص، ثم رحلة الشتاء والصيف، ليعبدوا ربهم,, الذي أطعمهم من جوع، لأنهم كانوا في واد غير ذي زرع, ثم ما أسبغه عليهم من أمن وماذا يريدون بعد ذلك؟ كل احتياجاتهم متوفرة، تآلف وتجارة مربحة، فلابد بعد ذلك أن يؤدوا شكر النعمة بعبادة رب البيت، حيث أطعمهم وآمنهم,! ونجد نبي الله يوسف عليه السلام، يوم استقبل أهله,, الأبوين والأخوة,, قال لهم: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ليس غير الأمان نعمة، كالعافية والغنى إلخ, إذن فالأمن مطلب الحياة,, من كل جوانبها وحالاتها، هو كل شيء، وبعده يأتي الرزق من الرزاق الكريم! أما حياة,, لا أمن فيها ولا أمان فلا قيمة لها! ما قيمة أن يتوفر عند الإنسان المال والحياة,, وكل متطلبات الحياة الكريمة، ولكن غير آمن على حياته وأهله وماله,, لا قيمة البتة!؟ ذلك أن الأمن والأمان لا يشتريان بالمال ولا بالحياة، ولا يكتسبان تلقائيا، ليس إلى ذلك من سبيل، إذن ما هي السبيل يا ترى!؟ نعم الأمن والأمان من الله، لا نشكك في ذلك، غير أن ذلك يتطلب أنماطا من البشر,, يحملون هذا التوجه الخير في حياتهم كلها,! في السلوك والممارسة والتعامل المشترك، وقبل ذلك الاستقامة ! قال تعالى: (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً)!. إذن الإنسان، هو الذي بتوجهه، يستطيع أن يكون سعيداً آمناً، أو شقياً منبوذاً,, بسعيه على وجهيه,! وأن أحدنا ليعجب، كيف ينحرف الانسان عن الصراط السوي، وقد وهبه خالقه عقلا,, يميز به، ويدرك الصالح من الطالح، والمنحرف من السوي، والخبيث من الطيب؟ ثم بعث الخالق الرسل,, مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل,! نحن البشر,, نسلم أن الإنسان يخطئ، وينحرف بعض الوقت، ثم يعود حين يصحو ضميره إلى الطريق السوي، فيرجع إلى ربه ويتوب ويهتدي، وبذلك تحلو الحياة، وتصفو من الكدر والأوضار، أما الفساد,, فلا يحبه الله ولا يحبه الأسوياء، والمفسد في الأرض، يعيش في شقاء مدم، وفي عذاب أليم, والإنسان بتميزه بجوهرة العقل، يختار أي السبيلين يختار!, قال تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً). إننا لو سألنا أي إنسان، ولاسيما غير المتعلم,, ما تتمنى في حياتك؟ سيقول بتلقائية وبالفطرة: أن أكون هانئا وسعيداً ومرتاحا ومطمئنا,, إذن ما الذي جره إلى الانحراف والانجراف في الطريق الأعوج,, الذي يجر عليه الويلات والثبور وعظائم الأمور؟, إنه البعد عن الخالق سبحانه وتعالى, فالذين نسوا الله,, أنساهم أنفسهم, وسماهم القرآن فاسقين!, وقال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب), إن الدمار والعناد الذي نسمعه ونراه في الحياة قاطبة، والرعب الذي يجللها بسواده ورعبه وخوفه وذله وبؤسه,, مرد كل ذلك,, أن الناس الذين يحفهم هذا البلاء، لا يؤمنون بالله، ولا يذكرونه، ولا يخافونه، ولا يخشون عقابه,, لأنهم غافلون، وقد وصف الكتاب العزيز هذه الشريحة من البشر بأنهم كالأنعام، وأنهم أضل من الأنعام!. إننا لو حاورنا أي إنسان، وقلنا له لقد كرمك خالقك بقوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)!, بينما أنت في تصرفاتك الهوجاء يصفك القرآن بأنك كالانعام,, التي لا تعقل وهي كذلك عجماء، بل إنك أضل من هذه الحيوانات بنص القرآن,, كيف تقبل على نفسك ذلك، وقد كرمك ربك، وقال عنك: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)!. نحن نسلم بهداية الله، غير أن هذا الإنسان، وكما يقول الحديث النبوي: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه), إنها (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)!, إذن هي التربية المفقودة، أعني التربية السوية، فأصبح كثير من الناس أضل من الأنعام، لأن هذه الأنعام التي ذللها الله وسخرها لنا، طائعة، تؤدي وظائفها بانتظام!, حتى المفترس من الحيوانات إذا شبع قنع، فلا يعتدي، ولا يفترس ويترك ليفسد,, إلا الإنسان، فإنه المفسد بكل التصور والواقع المرير, وقد نهاه خالقه ألا يفسد في الأرض بعد اصلاحها، وأن يدعو ربه خوفا منه، وطمعا في رحمته وعفوه, ولكنه تمرد وكفر وبطر، في كل شيء,, حتى خالقه!, نسوا الله فنسيهم!. إن العقل البشري نعمة من عطاء الله، فإذا انحرف ضل، وأصبح الإنسان شقيا معذبا منبوذا، مفسدا في الأرض بعد إصلاحها، وتصبح حياته: (أنكالاً وجحيماً، وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً)!. إن الشقاء من سعي الإنسان وانحرافه عن الصراط المستقيم، وإن الذي يتوجه إلى الله مخلصا له النية، يجد ربا يهديه إلى الحق، ويقبل توبته ورجوعه إليه، ويغفر بفضله ما قد سلف في تقصير العبد مع خالقه. نرجو الله جلت قدرته أن يؤمنا في أوطاننا، ويحفظ علينا أمننا وأماننا واستقرارنا، وأن يهدي عباده، حتى يعمروا الأرض كما اراد الله لهم ولها، ليكونوا من المصلحين، إنه هو البر الرحيم!, اللهم انصرنا على أنفسنا حتى لا نضل، وانصرنا على أعدائنا حتى لا نذل!.