معرفة الله، وأعظم نعمة وربح: نعمة العبودية لله والذل له والانكسار بين يديه، وأعظم نقمة وخسران: الكفر به؛ وأشد منه وأخطر التحدي لذاته والتنقص من مقامه تعالى ربنا وتقدس سبحانه جل في علاه. قال الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى...) شرَّف الله رسوله وخاتم أنبيائه وأشرفهم بمقام العبودية؛ إشارة لشرف هذا المقام وعظمه، ولا ينال الإنسان الكرامة والعز والشرف إلا بتحقيق العبودية لله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)؛ لأنها الحكمة في الوجود، والعقل والشرع متفقان على ذلك، وكذلك الفطرة والحس؛ ولهذا لا ينكر ذلك إلا من زاغ عقله وانتكست فطرته وذهبت إنسانيته (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا). إن السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة هي بتحقيق هذا المقام (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وإن الأمن بجميع أنواعه ثمرة العبودية لله والإيمان به؛ الأمن الذي ينشده كل البشر (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ). معرفة الله وتحقيق عبوديته والانقياد له سعادة وأمن وانشراح واطمئنان، وقل ما شئت من ثمرات هذا المقام الذي ينتهي باليقين التام لله وبالله تعالى وتقدس. إن كل استقرار وكل سلام وكل راحة ونجاح في كل مجالات الحياة هو بالله؛ لأنه المالك المتصرف المدبر الخالق الرازق، بيده الحياة والممات والأمر كله له، وإليه يرجع الأمر كله؛ فمن حقق لازم ذلك: بتحقيق العبادة له؛ فهو الذي عرف حقاً ما رواه مسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء). ونحن على أبواب شهر الخير شهر رمضان؛ فإننا موعودون بمضاعفة الحسنات؛ لهذا يجب على كل أحد أن يدرك ذلك، ولنستشعر قول الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، في هذا المقام العظيم يدرك العبد ثمرة عبوديته، ويدرك الجاحد المعاند ثمرة عناده وتكبره، يوم يقوم الناس لرب العالمين. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ونسألك العبودية لك والخضوع إليك والانقياد لأمرك والانكسار بين يديك، ويقيناً يملأ القلب ثباتاً حتى نضع الأقدام في جنة عدن فضلاً منك وتوفيقاً، حينها يكون الفلاح والراحة والسلامة التامة في دار السلام.