لو بحثتَ في معاجم الألفاظ وفهارس الأمثال لما وجدتَ لفظاً أدق من وصف القرآن للعلاقة بين الزوجين: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}، فلا يلتصق شيء أشد من التصاق اللباس بالجسد، ثم الترابط القلبي: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}، فإذا تحققت هاتان العلاقتان استقرت الحياة الأسرية، وحاز الزوجان وفازا بأحلى متاع وأشرف علاقة قلبية. وتتكدر الحياة بينهما بقدر ما يخل الزوجان بهذين الرابطين، وما أجمل ما قاله هوميروس الشاعر اليوناني: إذا اتخذتَ امرأةً فكُنْ لها أباً وأماً وأخاً؛ لأن التي تترك أباها وأمها وإخوتها وتتبعك فمن الحق أن ترى فيك رأفة الأب وحنو الأم ورفق الأخ. ودوماً تنبعث سعادة الفرد من بيته لتملأ باقي أرجاء حياته الاجتماعية والوظيفية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سعادة لابن آدم ثلاث: الزوجة الصالحة، والمركب الصالح، والمسكن الواسع). وهناك أخي الزوج روافد تغذِّي حياتك الزوجية؛ حتى تتمكن القوارب من السير بكل سهولة لتقف على بر الأمان وشاطئ الاطمئنان ويبقى نهر الزوجية نابعاً: 1- خذ مبدأ الرفق؛ فالبيوت المطمئنة هي الرفيقة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق) رواه الإمام أحمد، وصحَّحه الألباني. ومَن فقده فقد خسر الخير كله، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير كله) رواه مسلم. فالكريم يلين ولا ينكسر، وبحكمته وحنكته يحقق أغراضه ويلبي مطالبه بعيداً عن الضجيج والتهديد والوعيد. وكلما كان النابل متأنياً كان أقدر على إمساك سهمه؛ فإن السهم متى انطلق لا يعود. قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل فكنْ سهلاً رفيقاً ليناً رقيقاً، وفي مواطن الحزم والجد عندها تظهر قوامتك وقوتك. 2- لا تفارق الابتسامة محيَّاك؛ فالابتسامة تمحو قصورك، وتسدِّد نقص أخلاقك. قالت أعرابية واصفة زوجها: والله لقد كان ضحوكاً إذا ولج، سكيتاً إذا خرج، آكلاً ما وجد، غير سائل عما فقد. فهل تعجز أن تظهر وجهك بشوشاً فيبدو مرحاً فرحاً لا عابساً مكفهراً؟! أتركاً تغنم بالتبرُّم درهما أم أنت تخسر ببشاشة مغنما؟! 3- يحسن تعطير الكلام بعبارات الثناء، فمن صنع إليك معروفاً فكافئه، فضع في قاموس كلماتك المنزلية: (شكراً لكِ، طعام لذيذ، اختياركِ رائع، تصرُّفكِ جيد، ذوقكِ رفيع...). قالت لزوجها: ذوقك رفيع. قال لها زوجها مباشرة: ولذلك اخترتكِ زوجة لي.الكلمة القاسية والحانية مخرجهما واحد، فاختر ما شئت. فالكلمات مغارف القلوب، وألفاظك عنوان أخلاقك، ودوماً ابحث عن أفضل عبارة وأزكى كلمة تبلغ بها مرادك، {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. قد يمكث الناس دهراً ليس بينهم ودٌّ فيزرعه التسليم واللطف 4- لماذا تستبدُّ في اتخاذ القرارات بعيداً عن الاستئناس برأي زوجتك وأولادك، وخصوصاً في القضايا المشتركة بين أفراد العائلة، كاختيار أثاث المنزل، وأماكن النزهة والفسحة، واسم المولود، وأوقات التسوق، واختيار المشتريات؟! شاور سواكا إذا نابتك نائبة يوماً وإن كنتَ من أهل المشورات فالعين تنظر منها ما دنا ونأى ولا ترى نفسها إلا بمرآة والرأي وإن كان ممن هو دونك أفضل من رأيك؛ لأنه متجرِّد من هواك، وربما ذكَّرتك زوجتك بما غاب عن ذهنك لانشغالك أو نسيانك، وكذا حال غضبك، فشارك الناس بعقولهم، ولا تفتخر بقناعتك فربما أوردتك المهالك. 5- ما أحوج الزوج الراغب في صفاء حياته الزوجية الذي ينشد العيشة الهنية إلى العفو عن سقطات شريكته والتغاضي عنها؛ فالزوج الملحاح عند مطالبته، والمندفع عند معاتبته، يقلب حياته بفعله إلى نكد وكبد. قال الغزالي رحمه الله: أوصيك بحسن الخلق معها، وكف الأذى عنها، بل واحتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كانت زوجاته تراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن يوماً إلى الليل. فيا أخي الكريم: تجاهل الهفوات العارضة والزلات البسيطة. تغافل عن أمور كثيرة فلم يَفُزْ بالحمد إلا من غفل فالكمال محال، والسلامة من التقصير منالها بعيد، وتحقيقها عسير، ولا يخلو بيت من المكدرات والمنغصات، ولولا الليل ما أشرقت الشمس، وكلما كان الجوع قارصاً كان الطعام لذيذاً. قال معاوية لابنه: يا بني، مَن عفا ساد، ومن حلم عظم، ومن تجاوز استمالت إليه القلوب. وأنت حسبي أنت تعلم أن لي لساناً أمام المجد يبني ويهدم وليس حليماً من تقبل كفه فيرضى ولكنه من تعضُّ فيحلم وإذا أساءت الزوجة مرات فقد أحسنت المئات، فلا تحجب الكثير بالقليل. وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع من يطبخ طعامك، ويصبر على صراخ وخصام أطفالك، وينظف بيتك، ويرتب ملابسك، ويتحمل ألفاظك القاسية عند الغضب؟! إنها زوجتك. 6- عن عائشة قالت: كان يوم عيد يلعب الصبيان بالدوق والحراب، فلما سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (تشتهين تنظرين؟)، فقلت: نعم. فأقامني وراءه، خدِّي على خده، وهو يقول: (دونكم يا بني أرفدة). حتى إذا مللتُ قال: (حسبك)، قلت: نعم، قال: (فاذهبي) رواه البخاري ومسلم. إنه موقف نبوي كريم يتجلى فيه أسمى درجات الرحمة والألفة بين الزوجين، فهو صلى الله عليه وسلم يسأل زوجته عائشة رضي الله عنها: هل ترغبين في المشاهدة، كأنه أحس بشوقها فاستجاب لها، ثم سألها مرة أخرى: هل مللتِ، فلم يستعجلها، قالت: نعم. وربما وضع رأسه على حجرها وهي حائض، وربما قرأ القرآن بتلك الحال، فكانت تنام في غرفتها بين يديه وهو يصلي بالليل يناجي ربه، فيغمزها إذا سجد حتى تكف رجليها، وسابقها مرتين، ويشرب من نفس موضع شربها. شتان بين زوج يهش قلب الزوجة ويفرفش الأطفال إذا أحسوا بدخوله وبين آخر يخفق قلبها وينقبض الأطفال حين وصوله وسماع صوته. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: وبكل حال فالمشروع أن يخصص الزوج لزوجته أوقاتاً يحصل لها الإيناس وحسن المعاشرة، ولا سيما إذا كانت وحيدة في البيت فليس لديها أطفال لها أو ليس لديها أحد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي). 7- من العجب أن تحب إكرام ضيفك وتغفل عن إكرام مَن ساعدك على إكرامه، فلا أخالك تعجز عن هدية حلوة معطَّرة بمعاني المحبة والشفقة تعبر عما في قلبك من عطف وحنان تجاهها. إن الهدية حلوة كالسحر تجتلب القلوب تدني البعيد من الهوى حتى تصيِّره قريب قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: (حتى ما تضعه في في امرأتك) البخاري ومسلم. قال النووي: وضع اللقمة في فم الزوجة يقع غالباً في حال المداعبة. فالعطر الفواح والمنظر الخلاب والزهرة المعطرة والحلوى اللذيذة وهناك ما يفوق الهدية أثراً وأقل منها تكلفة: البسمة الصادقة، واللمسة الحانية، والجلسة الهادئة، والكلمة الرقيقة، والاستماع إلى حديثها مهما يبدو قليل الأهمية. وخلاصة القول وخاتمة المطاف: العلاقة بين الزوجين متينة، فلا ينبغي أن تعصف بها متقلبات الحياة العارضة.هذا، والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.