تنوء بنا الذكريات.. وتبحر بنا سفن العمر في عباب السنين.. ونشرب الدمع مراراً.. ونحن في غمرة الأفراح.. يفاجئنا القدر المحتوم على الجميع أن يرحل أحبة أعزاء على الإنسان.. بالأمس القريب غاب قمر كان مضيئاً في سمائي وأعقبه آخر وآخر.. نعم رحل الغالي الزميل الحبيب عبد السلام الدعيج هذا الحبيب الغالي على الجميع، ترجل عن حصان الأيام بعد معاناة مع المرض.. كان زميل عمل.. كان صديق عمر.. جمعتنا الأيام.. وفرقتنا.. ومن ثم التم شملنا في عمل واحد وقبل الرحيل الأبدي كنت قد رحلت إلى عمل آخر في الجانب الآخر من التربية والتعليم.. وبعدها رحل الغالي في رحلة أبدية لعلنا نلقاه في جنات الخلد إن شاء الله. وأعقب رحيله زميله غال هو الآخر وفي نفس العمل يرحل الأخ الغالي سليمان الحمدان بعد معاناة مع المرض هو الآخر.. واتسع جرح الأيام والفراق.. وبكت السنون واهتزت ذكرياتي وانساح دمعي السخين.. وكان آخر المنظومة من الحزن والفراق مدير شؤون الموظفين في إمارة منطقة الرياض الحبيب الغالي عبد الله الدغيشم الذي قضى في حادث سيارة.. فاتكأت على أحزاني واسترجعت وحوقلت.. ويقينا هذا القدر هو سنة الله في الناس.. ما أضحكت إلا أبكت حقيقة هذه الدنيا الفانية والله لكم أوجعنا فراق الأحبة.. وليس بمقدورنا سوى الدعاء والترحم عليهم.. ونحن نجزم يقين الجزم أن هذا القدر المحتوم سيأتينا.. فهلا استعددنا له؟! والله إننا لمقصرون في التزود من الأعمال الصالحة وهذه هي الدنيا الفانية التي تغرينا بزخرفتها ونلهث خلفها وهي وهم وسراب.. وكما قال تعالي في سورة الحديد { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور} ِ(20 سورة الحديد). صدق الله العظيم. وهل سمعتم أعظم من هذا الوصف الرباني لهذه الدنيا الفانية؟ الله أكبر ما أعظمك يا إلهي وما أعظم كلامك سبحانك.. هي الأيام نلهث وهي تلهث ونسقط قبل اللحاق بها!! ونرحل من هذه الدنيا الزائلة ونحن لم نكمل آمالنا وطموحاتنا إنها دنيا دنيئة لا شيء بالنسبة للآخرة.. رزقنا الله نعيم الجنة.. وتجتاحني يا أحبة حالات وصفية لهذه الدنيا بعد استكانة العقد الخامس وبالأخص على شواطئ الجراح والفراق.. يقول (نديم كميت): كل هالدنيا شقا دمع وسراب كم قست يوم على الغصن الرطيب لا أضحكت يوم تجي تبكي عذاب كل واحد يشتكي فرقا الحبيب كل واحد يشتكي صد السحاب والصحاري تشتكي هاك الجديب النظر غاشيه مثلات الضباب ما يفرق بين لينه والعسيب وآخرتها يا ملا تحت التراب مثل شمس عانقت وقت المغيب وتمر بنا الأيام ببياضها وسوادها غير عابئة بذا وذاك ورحيقها الدموع والأحزان.. وتمطرنا سحائب الدمع وتكتوي بلظى الفراق.. آه ما أنكى جراح الزمن.. وما أصعب فراق الأحباب..يقول (نديم كميت) أيضا بالفصيح: آه على ضيم الزمان وجُرحه قد راح ينهش من حشاشة أضلعي وأتوه في ذكرى الزمان وطيفه وعلى جراح الأمس تهمي أدمعي يا ليت شعري والرفاق توادعوا وهفوا إلى يوم يغازل مصرعي! حقيقة هذه الدنيا كالحلم السرمدي.. نقلب أوراق تقويمه يوما بعد يوم ونمزقها والزمان حقيقة هو الذي يمزق يومنا بقدرة الخالق سبحانه وتعالى..إلى جنة الخلد يا أحبتي الذين رحلوا.. إلى جنة الخلد يا كل مسلم ارتحل وجمعنا الله بهم في مستقر رحمته.. والله المستعان.