النوم هو آخر محطة يتركها الراكب بعد أن يقطع رحلة يومه، وعناء نهاره فيأوي في بيته إلى مكان هادئ ومريح ومظلم ومن ثم يسلم نفسه لخالقها الذي يتولى حفظها ورعايتها وتصريف أمورها وعمل أجهزتها. والنوم آية تدل على عظمة الله وقهره وعلى ضعف الإنسان وفقره، فلولاه لكلت عضلاته وشلت أعصابه، وانفجرت شرايينه، فهو راحةٌ له لاستعادةِ نشاطِه وشحنِ قوتِه، رحمةً من الله وفضلاً ونعمةً وكرما، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً «9»وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً «10» وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} سورة النبأ الآية (9- 10-11) والنوم صنو الموت، يعطل الحواس، ويفقد الوعي، ويلقي بالإنسان جثة هامدة، ليس فيها إلا قلب ينبض، ونفس يتردد، ودماء تجري بقدرة الله الواحد القهار. هذا وللنوم وكيفيته ومقداره آداب إسلامية، وسنن نبوية نذكر فيها مايلي: 1- الوضوء قبل النوم، وصلاة ما تيسر من قيام الليل، يختمها بصلاة الوتر، ولا يأخذه النوم إلا وهو على وضوء وذكر الله تعالى، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول من أوى إلى فراشه طاهراً، وذكر الله عز وجل حتى يدركه النعاس، لم يتلقب ساعة من الليل يسأل الله عز وجل خيراً من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه) رواه ابن السني. 2- محاسبة النفس قبل النوم على ما فعله في يومه، والاستغفار من جميع الذنوب التي اقترفها، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر الله تعالى له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه الترمذي. 3- قراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين قبل النوم، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ: قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على أرسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. متفق عليه. 4- نفض الفراش والغطاء قبل الاضطجاع فيه للاطمئنان إلى خلوه من الحشرات وغيرها، ثم الاضجاع على الجنب الأيمن، وتجنب مد الرجلين إلى جهة القبلة، ثم الدعاء بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد أدعية النوم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: (إذا أوى أحدكم فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزراره فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما بما تحفظ به عبادك الصالحين) متفق عليه. 5- التعود على النوم باكراً، فهو يعين على الاستيقاظ باكراً بهمة ونشاط للعبادة والصلاة وهو ما تنصح به القواعد الصحية، قال صلى الله عليه وسلم: (بورك لأمتي في بكورها) رواه الطبراني في الأوسط. 6- لبس الثياب اللينة الساترة المريحة خلال النوم، وتجنب التعري والتكشف، واختيار المكان الهادئ الواسع المريح للنوم، وانفراد كل شخص بغطاء خاص به. 7- تجنب النوم على البطن لأضرارها الصحية والنفسية والجسدية، عن يعيش بن طخفة رضي الله عليه قال: قال أبي: بينما أنا مضطجع في المسجد على بطني إذا رجل يحركني برجله فقال: (إن هذه ضجعة يبغضها الله، قال: فنظرت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داوود 8- ذكر الله عز وجل كلما استيقظ خلال النوم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تعار من الليل قال: (لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السماوات والأرض وما بينهما وهو العزيز الغفار) رواه النسائي. 9- إغلاق النوافذ والأبواب، وإطفاء المواقيد والنيران، وتغطية الأواني والأباريق قبل النوم، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم، وأغلقوا الأبواب وأوكئوا الأسقية وخمروا الطعام والشراب) متفق عليه. 10- القيام إلى الوضوء والصلاة إذا أصيب بأرق، ثم الاستعاذة بكلمات الله التامات من غضبه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين، ثم الدعاء بما علم به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرق أصابني فقال: (قل اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم أهدئ ليلتي وأنم عيني، فقلتها فأذهب الله عز وجل ما كنت أجد) رواه ابن السني. آداب الاستيقاظ الاستيقاظ بعد النوم آية من آيات الله الباهرة الدالة على قدرة الله تعالى وهي تشبه آيات البعث بعد الموت، وقد سمى الله تعالى النوم وفاة والاستيقاظ من بعده بعثاً ونشوراً قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (سورة الزمر آية رقم 42). والاستيقاظ بعد النوم استئناف للحياة بعد تعطيلها، وفتح صفحة بيضاء جديدة يسطرها المرء خلال نهاره، يبدؤها باستيقاظه ويختمها بمنامه، ويودعها كتاب أعماله لتعرض عليه يوم الحساب قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (سورة الأنعام آية رقم 60). وقال الحسن البصري - رحمه الله تعالى: (ما من يوم ينشق فجره إلا ومنادٍ ينادي يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة)، وإذا كان الاستيقاظ ابتداء للحياة اليومية الرتيبة فينبغي للمسلم أن يجعل افتتاح يومه، وابتداء عمله، صلة بخالقه، وذكراً لرازقه، وشكراً لولي نعمته الذي تولى حفظه ورعايته خلال نومه متمثلاً في الآداب الإسلامية التالية: 1- الاجتهاد في أن يكون الاستيقاظ باكراً قبل طلوع الفجر، وذلك لتحصيل الفوائد الروحية، واكتساب العادات الصحية، واغتنام أوقات الصفاء والنقاء للعبادة أو الدراسة، قال الله تعالى في وصف عباده المتقين: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ «17»وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات آية رقم 17-18). وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (باكروا في طلب الرزق والحوائج، فإن الغدو بركة ونجاح) رواه الطبراني. 2- أن يكون أول ما يجري على القلب والفكر واللسان ذكر الله تعالى وتوحيده، والدعاء بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (سورة الإنسان آية رقم 25) وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: (باسمك اللهم أحيا وأموت، وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أمتنا وإليه النشور) رواه البخاري. 3- المبادرة بعد الاستيقاظ إلى الطهارة والوضوء والصلاة، وجعل هذه الأعمال فاتحة النهار بعد الذكر والدعاء وتجنب الانشغال عنها بأي عمل آخر، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نائم ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ وذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) متفق عليه. 4- تجنب المكوث في الفراش والتقلب فيه بعد الاستيقاظ استجلاباً للأفكار والأحلام، واستغراقاً في الخيال والأوهام. 5- تجنب العودة إلى النوم بعد طلوع الفجر، أو التسويف في أداء الصلاة لوجود متسع من الوقت، لأن ذلك من وحي الشيطان ليضيع على المسلم صلاة الفجر. قال تعالى في وصف عباده المؤمنين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (سورة السجدة آية رقم (16). 6- غسل الفم وتنظيف الأسنان بالطريقة الصحيحة المفيدة بعد الاستيقاظ من النوم، وتكون إما بالسواك وهو الأفضل، أو بالفرشاة والمعجون وهي عادة تطيب الفم، وتحافظ على الأسنان. عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك) متفق عليه. 7- فتح الأبواب والنوافذ المغلقة في غرفة النوم بعد الاستيقاظ لتجديد الهواء وجريانه فيه. 8- إعادة ترتيب السرير، وطي الفراش بعد تهويته وذكر اسم الله عليه، وتجنب ترك السرير، ولوازم النوم مبعثرة بشكل غير لائق، إذ ليس من الأدب والمروءة اعتماد المسلم على غيره وخاصة في إنجاز أعماله اليومية، وأموره الشخصية. إعداد المشرفتين: أ. موزة الملحم أ. رحاب الهاشم