لم يخطر على فكر الرواد الصهاينة ولا على فكر قادة إسرائيل اليوم التوصل إلى حل وسط مع الشعب الفلسطيني على الإطلاق!!! لأن إنكار الوجود للشعب الفلسطيني والاستحواذ والسيطرة على أرضه يمثلان الركيزتين الأساسيتين لتحقيق الهدف الصهيوني بإنشاء دولة يهودية تقوم على أساس النقاء العرقي (اليهودي) على جميع أرض فلسطين التاريخية، وإن مواقف ورؤى حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ عام 1948م وإلى الآن ومواقف قادة النخب السياسية والرأي العام في إسرائيل جميعها تلتقي عند هاتين الركيزتين، مما يؤدي إلى رفض إسرائيل أي تسوية نهائية تؤدي إلى حل وسط مع الشعب الفلسطيني. فإسرائيل دولة عنصرية بامتياز مهما حاولت أن تبرز صورة نظامها السياسي والدستوري القائم على أساس (الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية) فهي توظّف ذلك في إطار تنفيذ أغراضها وسياساتها العدوانية على الشعب الفلسطيني وحقوقه الثابتة، وعلى بقية الدول العربية ونظمها السياسية المتخلفة، فهي تستعمل مناهج لا شك في أنها حديثة وعصرية وعقلانية ولكن ذلك لبلوغ أهداف عنصرية متخلفة طوطمية وغير عقلانية في آن واحد معاً!!! وقد استقرت هاتان الركيزتان في الفكر السياسي الإسرائيلي من الوهم الصهيوني الذي قام على اعتقاد خاطئ باعتبار أرض فلسطين أرضاً خالية في الأصل من الجنس البشري فهي (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) هم يهود العالم، وبعيداً عن ترهات الحق التاريخي والوعد الإلهي فقد تنكرت الصهيونية ومن بعدها إسرائيل للوجود الفلسطيني الطبيعي في أرضه ووطنه فلسطين، وقد استغلت الحركة الصهيونية بل وظّفت في إطار الحركة الاستعمارية العربية في النصف الأول من القرن الماضي لتنفيذ هذا المشروع العنصري الجهنمي فوق الجزء الأعظم من فلسطين التاريخية سنة 1948م، والذي أدى إلى تنفيذ أوسع عملية طرد وإجلاء جماعية بالقوة في حق الشعب العربي الفلسطيني في تاريخه على امتداد الزمن القديم والوسيط والحديث حيث تحول أكثر من 70% منه إلى لاجئين استقروا فيما تبقى من أرض فلسطين تحت الإدارة العربية في الضفة والقطاع أو في دول الجوار العربي!!! وأمام حالة التراخي العربي في مواجهة هذا العدوان الصهيوني وعدم الإعداد الصحيح لوضع حد لتداعياته، انفتحت شهية إسرائيل لإكمال جريمتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني في عدوان 1967م لإكمال استحواذها وسيطرتها على (الأرض الخلاء) أرض فلسطين!! بل وتوسعت أيضاً في أراضٍ عربية أخرى معروفة، ولكن يبدو أنه لم يكن في حسبان قادة إسرائيل المقامرين أن تكرار ما حصل من طرد وإجلاء للشعب الفلسطيني سنة 1948م سوف لن يتكرر هذه المرة بنفس الصورة والأسلوب وبنفس النتيجة على الرغم من أنه تم تهجير ما يزيد على 350 ألف فلسطيني من الضفة وقطاع غزة بواسطة الإجراءات الإرهابية والقسرية الإسرائيلية التي تعرض لها السكان العُزل وقتها، وأمام فشل سياسة (الترانس فير) التهجير التي اتبعتها سلطات الاحتلال على مدى سنوات الاحتلال بصور شتى وأساليب وإجراءات مدروسة عجزت عن تحقيق الحلم الصهيوني القاضي بالسيطرة والاستحواذ على الأرض الفلسطينية خالية من السكان، ومع أخذ عامل التزايد الديمغرافي الفلسطيني الذي يعد من أعلى المعدلات في العالم، اصطدم مشروع التوسع والاحتلال مع الحقيقة الصارخة أن فلسطين ليست أرضاً خالية من السكان وبالتالي ليست (أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض) بل إنها للشعب الفلسطيني الذي تعترف به جميع شعوب ودول العالم كحقيقة اجتماعية وسياسية وقانونية!!! وبالتالي يصبح الهدف الصهيوني العنصري القائم على أساس إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين ذات النقاء العرقي اليهودي هدفاً غير قابل للتحقيق مطلقاً، خصوصاً مع تنامي التزايد السكاني الفلسطيني داخل حدود فلسطين الطبيعية والتاريخية ليتوازن مع حشد الاستيطان الصهيوني، إضافة إلى تجذر الحركة الوطنية القومية الفلسطينية من خلال التعبئة الوطنية والقومية التي قادتها منظمة التحرير الفلسطينية ومختلف فصائل المقاومة منذ ستينيات القرن الماضي وتعميقها وتجذيرها للوطنية الفلسطينية وللهوية العربية للشعب الفلسطيني كنقيض رئيسي للحركة الصهيونية ومشروعها العنصري اليهودي في فلسطين. فقد تفاقم المأزق الإسرائيلي أمام تواصل صمود وكفاح الشعب الفلسطيني فوق أرضه مهدداً المشروع الصهيوني برمته فلم يعد هناك مجال أمامه لتحقيق السيطرة والاستحواذ على جميع الأرض الفلسطينية ولا مجال أمامه لتحقيق دولة النقاء اليهودي ليس داخل حدود عام 1967م بل أيضاً داخل حدود عام 1948م فقد أصبح العرب الفلسطينيون يمثلون نسبة تزيد على 20% من سكان الدولة الإسرائيلية ويناضلون أيضاً من أجل الاعتراف الرسمي بحقوقهم الاجتماعية والثقافية والسياسية وهويتهم الوطنية!!! وأمام هذا الإخفاق للمشروع الصهيوني في تحقيق أهدافه بدأ يلوي عنقه باتجاه التعاطي مع مشاريع التسوية ولكن على أساس توجهاته الإيديولوجية العنصرية المتخلفة فهو لا يبحث عن تسوية سياسية تؤدي إلى اقتسام أرض فلسطين بينه وبين شعبها الذي اصطدم بحقيقة وجوده، بل يبحث عن تسويات تؤدي إلى إخراج الكم الفلسطيني السكاني من أحشائه من أجل تحقيق النقاء العنصري لإسرائيل كدولة يهودية!! ولذا فهو يبحث عن تسويات مؤقتة لا تلتزم بالقانون الدولي أو بالشرعية الدولية هذا بالإضافة إلى رفضه المطلق لجميع المبادرات العربية والفلسطينية التي استهدفت التوصل معه إلى تسويات نهائية تقوم على أساس اقتسام فلسطين مقابل الاعتراف بوضعه العدواني الشاذ في الجزء الأكبر من فلسطين وضعاً طبيعياً (الانسحاب الشامل من الأراضي المحتلة عام 1967م مقابل التطبيع الكامل) فالفكر الإسرائيلي نحو التسوية يتجه فقط نحو تسوية مع السكان الفلسطينيين تمنحهم استقلالاً إدارياً وثقافياً ذاتياً دون أدنى اعتراف بحقهم في السيطرة الكاملة على الأرض وتحقيق هويتهم الوطنية القومية في دولة مستقلة كاملة السيادة على الأراضي التي سوف تضطر إسرائيل إلى إنهاء احتلالها لها، بل ترى في الوضع الإداري أو السلطوي الفلسطيني الذي سينشأ عن ذلك وضع وكيل بالإنابة عنها لإدارة شؤون السكان وتحتفظ هي لنفسها بالسيطرة والسيادة على الغلاف الجغرافي لفلسطين كاملة (أرض إسرائيل)!!! وهذا ما تفتقت عنه عبقرية شارون في رفض جميع الحلول المقترحة عربياً ودولياً والتقدم بحله العنصري الذي يرتكز على أساس إنكار الشريك في عملية التسوية (خطة الفصل الأحادي الجانب)!!! فهو يفرض الحل من جانبه (دون تفاوض)، وما على هذا الشريك المغيب وغير الموجود وغير المؤهل للتسوية سوى الإذعان لمستلزمات هذا الحل العنصري الأحادي الذي يؤدي إلى فك الاختلاط البشري بين الإسرائيليين والفلسطينيين وإذا ما جرى تتابع هذا المنهج ليشمل مستقبلاً الضفة والقدس بعد قطاع غزة وبنفس الطريقة والكيفية التي جرى ويجري فيها تنفيذ فك الارتباط مع إضافة الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية وإدخال المستوطنات في منطقة الأغوار والقدس ضمن نطاق جدار الفصل العنصري، يكون شارون بل بالأحرى إسرائيل بكل نخبها السياسية ورأيها العام قد أنجزوا فك الارتباط مع الفلسطينيين (كسكان لجزء من أرض إسرائيل) وحققوا نقاء الدولة اليهوية بعد أن لوثت لعقودٍ مضت بهؤلاء الفلسطينيين، وقد آن الأوان لإخراج هذه الملوثات البشرية من الجسد الإسرائيلي حسب رأي الصهيوني وعضو الكنيست عن حزب العمل (حاييم رامون) الذي أشار في مقالة له يوم 3-9-2005م في صحيفة معاريف أن لا مكان للتسوية النهائية بين إسرائيل والفلسطينيين!!! وان الهدف الانتقالي الاستراتيجي الأول هو (ضرورة الفصل على مستوى الوعي بين الاتفاقات السياسية مع الفلسطينيين وبين نهاية الاحتلال) وقال (إن أغليبة المناطق لم تعد (ورقة مساومة) بل هي وباء يسمم الجسد الإسرائيلي وبسببها أصبنا بالأمراض الخبيثة الكثيرة هل يوجد أقبح وأوضح من هذا الرأي عنصرية؟!! علماً بأن حاييم رامون يعد من اليسار العلماني الصهيوني، فكيف ينظر اليمين والمتدينون اليهود للحلول وللتسوية مع الفلسطينيين؟!!! إنهم يتقاطعون جميعاً مع حاييم رامون في أن هدف التسوية مع الفلسطينيين هو الحفاظ على النقاء العرقي لدولة إسرائيل حتى ولو اضطروا إلى تقديم تنازلات مؤلمة على طريق خطة شارون للفصل الأحادي!!! ولذلك لم تتقدم عملية السلام أو التسوية الفلسطينية الإسرائيلية التي بدأت منذ مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991م أي تقدم حقيقي نحو تسوية نهائية فكل ما أنجز يتمثل في مبادئ اتفاقات أوسلو التي انقض عليها (نتن ياهو) ومن بعده شارون والتي لا تعدو حلولاً أمنية مرحلية مؤقتة ولكنها تمت بين طرفين وهذه خطيئة رابين في نظر شارون وأمثاله والتي دفع ثمنها حياته على يد متطرف من أمثال شارون!!! فعلى الفلسطينيين والعرب وجميع الدول التي تهتم بالتوصل إلى تسوية نهائية وأن تدرك خطورة هذا الفكر العنصري الاستراتيجي الذي يتحكم في عقول النخب والساسة الإسرائيليين والذي ستبنى عليه مسيرة التسوية التي ستفرضها إسرائيل على الفلسطينيين وهو التمسك بمبدأ الحلول الأحادية الجانب!!! وسيتوجه شارون إلى المنبر الأممي في دورة الجمعية العامة القادمة بعد أيام ليشرح للعالم خطته للسلام، وحجم التضحيات التي قدمها شعب إسرائيل من أجل التقدم نحو التسوية على أساس فلسفته في الحل الأحادي الجانب!! وسيطلب من العالم التصفيق له ولإسرائيل على تضحيتهم من أجل السلام، وسيطالب العالم بإدانة الفلسطينيين لعدم تأهلهم للسلام وإقامة التسوية النهائية معه، وعدم قيامهم بما يتوجب عليهم القيام به!!!