جسد المشهد الحزين الذي عشناه وشاهدناه في وداع فقيد الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وتشييعه إلى مثواه الأخير صدق المشاعر التي كانت حاضرة كحضور الحب والولاء لهذا الوطن وقيادته في كل الأوقات، فالمواطنون شيّعوا فقيدهم بمثل ما يودعون به كل عزيز يفقدونه من أقاربهم، الجميع كان متألماً لوقع الخبر الأليم على النفوس لأن الموت حقيقة أبدية ليس لها إلا وجه واحد يتفق عليه الجميع ويتألم منه الجميع فهو حقيقة لا يمكن التشكيك بوقوعها، قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } في مشهد الوداع حضر الحب والتقدير والإعزاز والولاء والإكبار الحقيقي الذي لا زيف فيه! حزن عميق غمر القلوب لكنه حزن منضبط وملتزم إن صح التعبير لم تصاحبه تلك الشعارات ولا المظاهر التي تخالف الدين ونشاهدها في بعض المجتمعات.. منذ إعلان الخبر بدا العزاء والدعاء كانت عبارات العزاء والمواساة هي افتتاحية لكل حديث بين مواطن وآخر وكانت أول كلام بعد السلام لمكالمات الهاتف ولرسائل الجوال التي ملأت أثير يوم الاثنين والذي كان يوم حزن عام، فالكل كان يعزي الكل.. كل مشاهد الحزن والفراق تتشابه نفس المظاهر ونفس المشاعر مر بها كل من فقد عزيزاً إلا أنه في مشهد يوم الاثنين كان هناك اختلاف كبير لأن الفقيد لم يكن يعني أسرة واحدة ولا قبيلة واحدة ولا مدينة واحدة، لقد كان فقيداً للكل.. لأنه خادم الحرمين الشريفين ذلك الرجل الذي نقش اسمه في القلوب في إطار من الحب والتقدير لكل الجهود التي بذلها من صالح الوطن والمواطن والإسلام والمسلمين.. لقد علّمنا ديننا أن ما يحتاجه المؤمن بعد أن يغادر هذه الدنيا وما ينفعه وما يعتبر وفاء له هو الدعاء وهو ما كان يتأمله فقيدنا منا وأجزم أنه قد نال الدعاء الصادق الذي جاء عن رضى وقناعة وبه كانت الألسن والقلوب وما زالت تدعو العلي القدير أن يغفر لخادم الحرمين ويرحمه ويتجاوز عنه وهذا حقه علينا بعد انتقاله إلى جوار ربه! لقد كان له - رحمة الله عليه - مآثر عظيمة وأيادٍ بيضاء ومشاريع خير ومساهمة في أعمال الخير ومبادرات ومكرمات داخلية وخارجية يعرفها الجميع.. غفر الله لخادم الحرمين الملك فهد بن عبدالعزيز، اللهم تجاوز عنه وارحمه رحمة واسعة وارحم أمواتنا وأموات المسلمين.