للأبراج القديمة التي كانت تقام على أسوار (حوامي) البلدان القديمة أهميتها الكبرى قديماً وحديثاً، ففي القديم كانت مهمتها كبيرة في حال المدافعة والمراقبة، فحين تحاصر المدينة من قبل قوة من القوات التي لا قبل للمدينة بها، تكون هذه الابراج قوة دفاعية تجبر المعتدي على الابتعاد عن البلد وعدم اجتياحه، وكم وقفت بلدة صغيرة لقوات كبيرة بفضل الله ثم بفضل هذه الأبراج الدفاعية، التي يصعد عليها متمرسو حمل السلاح (البواردية)، ويدفعون بالعدو بعيدا عن البلد. ولا تقل أهميتها الرقابية عن أختها الدفاعية، فعندما يصيح الصائح ويطلب الغوث، ينطلق الفازعون ليصعدوا على هذه الأبراج يرقبون الأمر ويستعدون لهذا الخطر القادم، وغالباً ما يكون مصدر هذا النداء من هذه الأبراج المذكورة.وتقع هذه الأبراج بالنسبة لسور البلد: في البوابات التي كانت تغلق - قديماً - عندما يدلهم الظلام، وفي الجهات الأربع من السور، طلبا للأمن واطمئنان أهالي البلد أثناء ليلهم ونومهم أو عندما يحيط بالبلد خطر محدق(1).وكم حمل التاريخ في الأخبار من إحاطة القوى الكبيرة ببلد من البلدان، ومقاومة البلد لها وقتا طويلاً بفضل الله ثم بفضل إحاطة البلد بسور متين تلعب فيه هذه الأبراج دورا كبيرا في إطالة الحصار وإرهاق العدو، كما حصل في استبسال (الدرعية) للقوات المصرية الغاشمة عام 1233ه، ومن قبلها (ضرما)، وكذلك (الرس) (2)، وربما رجوع هذه القوة وتقهقرها دون أن تحصل على طائل، كما وقفت (الخبراء) لقوات ابن رشيد عام 1322ه(3).وأما في الحديث فتعدّ هذه الأبراج من أهم الآثار التي تحكي بقايا التاريخ وأطلاله وشواهده المصدقة له، ومنها تفوح رائحة الشجاعة والفداء والبطولة التي عرفت بها البلاد النجدية، فأهميتها التاريخية كبيرة جداً، فكيف إذا كان هذا البرج يقع ضمن أبراج سور مدينة الرياض القديمة؟عاصمة - وقاعدة - الدولة السعودية التي جمع الله بها الشمل ووحد الكلمة، منها رفع لواء التوحيد والوحدة على يد مؤسس هذه الدولة المباركة - أدام الله عزها - الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - طيب الله ثراه -. وقد وقفتُ في هذه الأيام - القريبة - على إحدى هذه الأبراج الواقعة في حامي (سور) الرياض الشمالي، يدعى (مربعة آل نفيسة)(6) - نسبة إلى أصحابها وملاكها (أسرة النفيسة) -، تقع هذه المربعة في شمالي (المعيقلية)(7)، وهي تتوسط أملاك (النفيسة): النخل، والبيت والحوش، كما توضح ذلك الوثائق المرفقة.. وهي محاطة من جميع جهاتها ببعض الأملاك التي تمنع الوصول إليها، إلا عن طريقها، والأملاك المحيطة بها منها ما يعود لبعض أسر المعيقلية مثل: (الصالح)، و(أبا عود)، ومنها: مدرسة الجزائر الابتدائية، وفي عام 1375ه حصلت خصومة حول هذا (البرج) وحكم الشيخ عبدالرحمن بن هويمل) - قاضي الرياض - بأنها (أي: المربعة) تبع ل(عبدالله بن نفيسة)(8) بشهادة العدول من الرجال، ولكونها وسط أملاكهم وتصرفها تحت أيديهم منذ زمن طويل(9)، وتسميتها (مربعة آل نفيسة)، ولإمضاء الملك عبدالعزيز لطلب 0العمة نورة)(10) بتملك (عبدالله بن نفسية) لها. كما تبينه الوثيقة المرفقة الصادرة من محكمة الرياض إلى مقام أمير الرياض: صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وذلك في تاريخ 10- 3-1375ه. ولقد ساءني الحال الذي وصل إليه هذا الأثر النفيس، فهو في حال متهالكة، قد تهدم الكثير من بنيانه وأسقفته، وغلب عليه التصدع من كل جانب، حتى اختفى العديد من معالمه، وأخشى إن امتدّ عليه زمان أن يكون أثراً بعد عين، وهو مبني بواسطة الطين (اللبن) الدارج استعماله في نجد في الزمن السابق، وقد استخدم في سقفه بأخشاب الأثل وجريد النخل على ما هو معروف في البناء القديم، وارتفاعه في حدود (خمسة) أمتار تقريباً. ولاشك في أن القيمة التاريخية الكبيرة لهذا البرج تأتي لكونه أحد أبراج الرياض لحظة فتح ودخول الملك عبدالعزيز لها، تلك الذكرى التاريخية التي احتفلت بها المملكة قبل سنوات يسيرة بمرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، الذكرى الميمونة التي ننعم بظلالها الوارف في بلاد التوحيد، بلاد الأمن والأمان والإيمان. ومن أعظم الفوائد التي سوف نجنيها من هذا البرج هو تحديد مكان السور الشمالي لبلد الرياض حال فتحها من قبل رائد هذه المملكة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - (11). ولا أدري حقيقة ما السبب الذي جعل وكالة الآثار - الجهة المعنية بهذا الأمر - تتجاهل هذه (المربعة) ولا تلقي لها بالاً، مع كونها لا تبعد عن مقرها سوى كيلات قليلة جداً؟ ومن المؤكد - كما يستوحي من الوثائق المرفقة - أن أسرة (النفيسة) في (المعيقلية) هم الذين قاموا ببناء هذه المربعة، وأداء العمل الواجب فيها منذ تأسيسها، وبعد استقرار الأمور وهدوء الأوضاع، وانقطاع الغارات والاعتداء على البلدان - بفضل ما منّ الله به على هذه البلاد بعد توحيد المملكة بالأمن والأمان عمد إلى هذه المربعة فاتخذت سكناً؛ الأمر الذي كان له دور كبير في اختفاء بعض معالمها ورسومها، والله وحده المستعان. للتواصل مع الباحث فاكس 2421175 هامش (1) جاء في كتاب (آثار منطقة الرياض) ص 187: كان للمدن أسوار تلتف حولها للدفاع عنها ضد أي عدوان أو غزو تتعرض له، وكانت الأسوار تدعم بأبراج في الأركان وعند البوابات، ويستخدم في بناء الأسوار والأبراج الحجر الجيري إلى جانب الطين (اللبن).. اه، والكتاب ضمن (سلسلة آثار المملكة العربية السعودية) وزارة المعارف - وكالة الآثار والمتاحف (1423ه). (2) انظر: (عنوان المجد في تاريخ نجد) للمؤرخ عثمان بن بشر؛ تحت رسم السنة المذكورة. (3) انظر: (تاريخ القاضي) للمؤرخ إبراهيم بن محمد القاضي، - مخطوط - ص (18 - 19)، و(النجم اللامع للنوادر جامع) للمؤرخ محمد بن علي العبيد - مخطوط - ص 143 . (4) أطلق اسم (الرياض) على ما بقي من محلات (حجر) القديمة: (معكال) و(مقرن) و(العود) وغيرها.. وذلك في القرن الثاني عشر الهجري، وكان دهام بن دواس) أمير الرياض أوّل من أدار على هذه المحلات سورا لا تزال آثاره باقية في بعض جهات المدينة، وكان ذلك في عام 1160ه تقريبا، وقام (محمد بن رشيد) - إبان حكمه نجدا - بهدم هذا السور عام 1309ه، ولما استولى (الملك عبدالعزيز) على الرياض أحاطها بسور بني من الطين واللبن، في شهري شوال وذي القعدة عام 1319ه، وفي عام 1370ه، أزيل هذا السور الذي كان محيطا بالمدينة لاتساعها وبناء محلات جديدة خارجه.. انظر: (مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ) للشيخ حمد الجاسر، طبعة: دارة الملك عبدالعزيز. (5) (المربعة): برج مربع الشكل، ومنه سمي (قصر المربع) بهذا الاسم: لإحاطته بأبراج مربعة الشكل، انظر: (مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ) - مصدر سابق. (6) أسرة (آل نفيسة) إحدى أقدم الأسر في الرياض، ومنشأ هذه الأسرة في (الجزعة) تقع في جنوبالرياض، ثم انتقلت إلى منفوحة، ومنها إلى بلدان متفرقة في أنحاء الجزيرة العربية مثل ضرماء والكويت والزبير والقصيم وغيرها.. من أقدم الأسر ولاء للدولة السعودية والدعوة الإصلاحية السلفية النجدية، قال المؤرخ عبدالرحمن الرويشد: وأسرة (آل نفيسة) من أكبر العوائل الموالية لآل سعود منذ القدم، وقد اشتهر أفراد من بيت آل نفيسة بالعلم والأدب والشعر، كما اشتهر بعضهم بالشجاعة والبطولة، كما اشتهروا بالولاء للدولة السعودية الأولى ومتابعتها في نشر رسالة التوحيد والوحدة، والدفاع عن العقيدة السلفية، ولهم ذكر عطر في تاريخنا المحلي) انتهى، انظر: (الستون رجلا خالدو الذكر) ص 73، وقال الاستاذ عبدالله الطويان: (آل نفيسة) أسرة كبيرة منتشرة في أنحاء المملكة والبلدان المجاورة لها، بيتهم بيت علم وأدب، ظهر منهم العديد من رجالات الوطن الذين ضحوا لأجله) انتهى، انظر: (رجال في الذاكرة) الجزء: الرابع - ص 148 . وينتهي نسبها إلى قبيلة (مطير) من برية.. عرف فيها الكثير من الأعلام والرجال والمشاهير، انظر: (الإعلام بما لآل نفيسة من تاريخ وأعلام) تأليف: أحمد بن عبدالله بن موسى النفيسة - الطبعة الاولى عام 1425ه طبعة: شركة ديار نجد. (7) (المعيقلية) من أحياء الرياض القديمة، يقع في الشمال الغربي من جامع الإمام تركي بن عبدالله، كانت (المعيقلية) نخيلا عامرة ثم تحولت إلى مساكن متعددة منذ أيام الإمام فيصل بن تركي، وقد أصبح هذا الحي من أشهر الأحياء فيما بعد القرن الثالث عشر الهجري.. انظر: (تاريخ المساجد والأوقاف القديمة في بلد الرياض) تأليف: راشد بن محمد بن عساكر - الطبعة الاولى عام 1420ه ص (94 - 95)، من أشهر محلاتها المندثرة مسجدها الذي كان يعرف باسم (مسجد المعيقلية) ومن أشهر أئمته الشيخ إبراهيم بن عبدالله بن إبراهيم بن محمد بن نفيسة، في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، انظر: (الإعلام بما لآل نفيسة من تاريخ وأعلام) مصدر سابق. (8) وهو الشهم عبدالله بن ناصر بن عبدالله بن إبراهيم بن محمد النفيسة، من أهل (المعيقلية) شارك في عدد من المعارك التي دارت رحاها في توحيد المملكة، له من الأبناء: الشيخ (المطوع) سعد أحد معلمي الكتاتيب (ت 1398ه)، والشيخ ناصر أحد الرواة المعروفين، أصبنا بوفاته نهاية العام الماضي 1425ه - رحم الله الجميع -. وهذا الفرع من الأسرة قديم الاستيطان بهذا الحي من الرياض، وتقع أملاكهم - التي منها هذه المربعة - على حدود الرياض من الجهة الشمالية، ويغلب عليهم العمل بالزراعة. (9) وفي الوثيقة المرفقة: (من حين أسس الحامي المذكور). (10) وهي الاميرة (نورة بنت عبدالرحمن الفيصل آل سعود) (1290 - 1370ه) شقيقة الملك عبدالعزيز - ذات عقل ورأي وتدبير، وكانت على جانب من العلم والدين، وكان الملك عبدالعزيز يزورها في القصر يومياً.. انظر: (معجم أسماء شوارع الرياض وميادينها)- أمانة مدينة الرياض - الجزء الأول ص 38 . (11) وأكد على أهمية هذا وما أشبهه الأستاذ عبدالواحد محمد راغب في كتابه: (فجر الرياض) ص (87 - 88) طباعة: دارة الملك عبدالعزيز بمناسبة المئوية (1419ه).