ثمة مقولة شعبية سمعتها من رجل أميّ كبير في السن لا يعرف السياسة ولا الاقتصاد ولا ما يسمى التجارة البينية ولا السوق المشتركة. يقول هذا الرجل إن دول الخليج ووجودها من حظ الدول العربية تنزف عمالتها من هذه الدول وتعيش دولها وأسرها. وما من شك في صحة هذه المقولة فنحن نعرف أن العمالة العربية من أغلب هذه الدول تعمل وترسل لبلادها وأسرها هناك تحويلات نقدية وبالعملة الصعبة؛ وهذا بالطبع ساعد في دعم اقتصادات دولهم ورفع مستوى معيشة أسرهم في بلادهم. هذا الشيخ الطاعن في السن يقول مقولته معتمداً على ما يراه من هذه العمالة لكنه لا يعلم ما تغدقه صناديق الإقراض والجمعيات الخيرية والهبات وصناديق التنمية والاستثمار الخليجية التي تغدق على هذه الدولة دون منّ أو شراء مواقف. كيف سيكون تعليقه لو علم بذلك؟ بالطبع سيكون أكثر تأكيداً. منظرو السياسة والاقتصاد يتفقون على أن هذه الفرص التي فتحتها دول الخليج لغالبية الدول العربية إن لم تكن جميعها هي التي خلقت الطبقة المتوسطة في الشعوب العربية، وهذه الطبقة هي التي ستساعد دولها على تبني الإنتاج في كل المجالات، كما أنها هي التي ستتبنى تخفيف هموم ومطالب تلك الشعوب، وهي التي ستساعد في تنشيط وتحريك مفاصل الاقتصاد المحلي لدولها نحو الانتعاش وتطوير مصادر نموه، وكذلك تحريك التنمية التي لن تتأتى إلا بواسطة الانفتاح على العالم الآخر المتقدم وتحديث الأنظمة، ولعل أهم بوادر هذا التحرك الانفتاح على الداخل وإشراكه في التطوير وتفهم مشكلاته ثم يأتي بعد ذلك التحديث لقوانين الإدارة والاقتصاد. ولو نظرنا إلى بعض الدول العربية لوجدنا أن أنظمتها الاقتصادية ليست موحدة فهناك النظام الاشتراكي ونصف الاشتراكي ونظام السوق، وهذا من معوقات نظام السوق الموحد الذي يحلم به المواطن العربي الذي ينشد التكامل الاقتصادي لكل دوله، وللأسف أن بعض الدول العربية لم تنشئ سوقا للأوراق المالية أو ما يسمى البورصة حتى الآن لأنه يشكل لديهم ومن منظورهم هاجساً انفتاحياً غير محمود لهم، ولو نظرنا لوجدنا أن أقسى دول العالم الثالث النامي تشدداً وهي الصين قد حلت هذه العقدة وأبقت على نظام سياسيّ شيوعيّ ونظام اقتصادي نصف رأسماليّ شيوعيّ؛ وذلك لمواكبة الاقتصاد الحر؛ وبالتالي استطاعت إدارة عجلة اقتصادها وفقاً لمتطلبات السوق وهي الآن الاقتصاد الثالث القادم في العالم بعد أمريكا وأوروبا. لماذا نحن في الدول العربية نستهين بكل ما لدينا من إمكانات وتأثيرات لو تبنيناها لكنا مؤثرين في الاقتصاد ولاحتللنا مرتبة جيدة داخل منظومة اقتصادات العالم. أعتقد أننا ما دمنا تخلصنا من الأيدولوجيات السياسية الهدامة وانتهت أنظمتها إلى غير التعاون والترابط بين الشعوب بدلاً من العزف على وتر الشعارات القومية الفارغة التي آلت بأصحابها إلى مزبلة التاريخ بقي لنا كشعوب وقيادات أن نعزز عوامل الترابط مثل روابط الثقافة والمصالح المشتركة لنبني كيانات اقتصادية متينة يعززها الترابط مثل روابط الثقافة والمصالح المشتركة لنبني كيانات اقتصادية متينة يعززها الترابط الثقافي والاجتماعي، والأمر ليس مستحيلاً متى ما توافرت النوايا والعزائم، وما توفيقي إلا بالله.