ذات جمعة كنت أقلب بنهم أوراق غاليتي الجزيرة، فإذا عيناي تسقطان على: (ما كان وعدك إلا غروراً؟) رسالة للدكتور حسن الهويمل من طالبه خالد الرفاعي، وبقدر ما اكتويت بالعنوان آلمني مرسله، كيف لا وأنا أعرفه مغرداً في حبه للدكتور حسن، هائماً في سماوات مجده، متدثراً بعباءته لا يكاد ينخلع منها إلا أن شواظ الغضب خفت عن ناظري، وربما توارى حينما استجليت المقالة، وقرأتها.. لم أجدها إلا تمجيداً خالداً، وحباً صادقاً.. رغم أنف الكارهين!! وهتافات محب لحبيبه، واقتراحات ابن لأبيه، وتوسل تلميذ لأستاذه، وشهادة الحق التي لا أتزحزح عنها إن مقالهُ وافق قلباً خالياً فتمكنا!! كيف لا وأنا مدين للدكتور حسن حباً وعرفاناً، أقولها الآن وفي كل آن، أقولها بعد أن فارقت جامعتي، وانعتقت من كرسي الطلب، أقولها حتى يتبين مدى حبي له وأنه حب صادق، لا حب تزلف وقربان حتى أنال حظوة من درجات أو مرتبة عليا في أفياء قلبه، وأعوذ بالله أن أكون متزلفاً أو متلبساً بما ليس لي. كنتُ قبل أن يدرسني الدكتور حسن أسمع همهمات وهرطقات تمس جنابه، حتى صار في نفسي ما صار وتمنيت الأماني الحالمات بألا أكون أحد طلابه!! وكنت لما أرى رسم قلمه في (الجزيرة) أولي مدبراً إلى صفحة غير التي فيها مقالته، ولأن ربي قد قضى الأمر وقدره فقد شاء أن أكون أحد طلابه، رأيتُ واقعاً غير الذي أسمع، وميداناً خصباً للعطاء غير الذي يقال عنه، رأيته بطلته المهيبة، وبصمته الرهيب، وبطرافته المعهودة، وبعلمه الغزير الذي يغرفه من بحر. تارة يحدثنا بالأدب فأعجب من سعة اطلاعه، وكَرَّة يجنح بنا إلى عوالم شتى من المعارف والعلوم، وإخاله ابن بجدتها وربيب كتبها، وما إخاله إلا الموسوعة المتنقلة التي تجعلنا نكبره، ونجله رغماً على كل من عذل، وبما أن القمم الشاهقة معرضة لكل شيء، وبما أنه قد حُذِّر من أن يكون المرء رأساً حتى لا يقطع، فإن الدكتور حسن نال ما ناله من تعملق الأقزام، واستطالة من يطلبون الشهرة حتى لو كانت على أكتاف الجهابذة، فخصومه - وما أكثرهم - سواء من طلابه الذين نهلوا من علمه على مقاعد الطلب، وتنكروا له، أو من مثقفي الداخل والخارج لا يفتؤون كل مرة أن يجرجروا جسد الهويمل، ويلوكون شخصه الكريم، حسداً من عند أنفسهم، وما علموا بأنهم القطمير أو الهباء المنثور!!، وبعد أن خَلَّفْتُ (الوصاية) ورائي ظهرياً، إمعاناً بأن أكون باحثاً عن الحقيقة لوحدي، لا مسترخياً يمليها عليّ غيري، قرأت للهويمل، وقرأت عنه ممن أنصف وما خرجت بعدها بنتيجة إلا أنه أمة وسطاً، ويبدي رأيه الذي لا يوافق هواه، وإنما رأيه الذي توصَّلت إليه معارفه إمعاناً منه بأن من تتبع الهوى فقد هوى!! ولا إخال الدكتور حسن يضيره ما يقول الذين رموه بسهامهم من المخذولة يقيناً منه بأنه ما حسد إلا لأن فيه مطمعاً إذ إنك لا ترى جاهلاً محسوداً لجهله ولا فقيراً محسوداً لفقره، والشاعر المتنبي حبيب عند الدكتور حسن، وهو القمة في عالم الشعر، ومازال حساده إلى وقتنا في غيهم يعمهون، ويقيني في الدكتور أنه راد على حساده بأفعاله لا في أقواله، فالأقزام يفرحهم غضب العمالقة، وتحريك كبريائهم، وعزائي أن الحاسد يقتل نفسه بنفسه!! قاتلهم الله أنى يؤفكون، أما قبل!! فرغم أني أُعجبت بمقالة الأستاذ خالد الرفاعي، إلا أني عجبت من الردود التي اجتاحت مقالته للدكتور يوسف الرميح، وكذا الأستاذ أحمد الصويلح إذ أخذتهما غيرتهما وحبهما للدكتور حسن إلى أن يقسوَا على الأستاذ خالد، وما أظنهما دريا بحسن نيته، وصفاء طويته، ونبل طبعه، فالقارئ الحصيف لا يرى في المقالة إلا حباً نابضاً للدكتور ينساب من حبر اليراع إلى طرس الكتابة، وما أعتقد بأن الأخوين الدكتور الرميح والأستاذ الصويلح إلا غاضبان من عنوان المقالة، وأنا معهما في ذلك لكني أحسب بأن الأستاذ خالد الرفاعي له قصده في ذلك، فلو كان العنوان تمجيداً لقرأه المحبون فحسب، أما وقد كان العنوان كهذا فقراؤه حتماً سيكونون من كلا الطرفين، وأظنه استفاد من مقولة الناقد الفرنسي (رولان بارت) الذي قال: العنوان هو الوسيلة الأولى لإثارة شهية القراءة!! وأظنه أجاد في ذلك فنام ملء جفونه عن شواردها!! وما قلت إذ قلت دفاعاً وانتصاراً للرفاعي، لأني لا أعرف الرجل إلا بوجهه، وسبق أن حادثته هاتفياً، وتلك المكالمة هي ما دفعني لخط هذه المقالة، كنت أحدث صديقاً عن الدكتور حسن فقال: لا أعتقد بأنك تحبه كالشخص الذي يدعى خالد الرفاعي، فطلبت من صاحبي أن يعطيني رقم خالد فاتصلت به، وكأني من خصوم الدكتور حسن!! فغضب وزمجر وقامت قيامته، وبدأ يفند أقوالي وأظنه احمرت وجنتاه من شدة الغضب، ولو كنت جواره لأوسعني شتماً وضرباً وركلاً!! فيا ترى؟! هل من هذا موقفه يكون مسيئاً للدكتور حسن، وهل يكون عاقاً وجاحداً، وهاجياً لمن عَلَّمه نظم القوافي - حسب تعبير أحد المقالين - كلا وألف كلا. إنه الحب وحده من يولد النقد الهادف، إنه الإخلاص ولا غيره من يولد مقالة كمقالة الرفاعي، ولا أحسب الدكتور حسن إلا ظاناً بأخيه كل الخير، غير ظن السَوْء الذي يريده غيره، أقول ما تقرؤون واستغفر الله من كل ذنب!!.