يقول جورج برنارد شو: (لو اجتمع الاقتصاديون على بكرة أبيهم فلن يتوصلوا إلى اتفاق أو نتيجة!!).. فهل يجد القارئ لي عذراً بتغيير معادلة هذا التحقيق من كثرة الضيوف إلى اقتصادي تؤرقه النتائج وإحصائي يحسبها!! *** الفطرة الاقتصادية!! بعد أن فرغت من الجزء الأول وقبل أن ادفعه للنشر, استذكرت اتصالاً مع صديق كنت قد سألته عن ضيف يمكن أن يضيف لهذا التحقيق شيئاً.. كنت أحدثه عن بعض ممن التقيتهم وشيئا مما قالوه.. كان صديقي هذا ممن أحسن السوق وفادتهم ونقلهم من حال إلى حال.. حين طلبت منه المشاركة اخبرني أن الرابحين في السوق لا يشاركون خوفا من العين (الحسد)!! ثم اتهم الصحافة في شخصي الضعيف بمحاولة تيئيس الناس من الاستثمار في سوق الأسهم وأننا والحديث لي ولمن لف لفي من الصحفيين - كما قال - لا نجيد سوى هذا الفن اليائس..ثم صعد من هجومه علي حين اخرج من جيبه آلة حاسبة صغيرة هداه السوق إلى حملها فأخذ يحسب كل خيارات الاستثمار البديلة ثم قال لي: إذا وجدت خيارات بنصف اغراء هذا السوق اخبرني وسأكون أول المستثمرين معك!!.. أحرجني بحديثه مرتين..الأولى لحقيقة ما قاله من شح قنوات الاستثمار أو انعدامها..والأخرى انه طبق فكرة التكلفة الاقتصادية البديلة دون أن يدرسها أو يقرأ عنها في كتب الاقتصاد!! تذكرت حديثاً جرى بيني وبين احد أساتذة الإدارة البريطانيين حين أخبرته أني احمل درجة في الاقتصاد قبل أن ارتمي إلى حضن الادارة، ابتسم قائلا: النصف الذي ينفع الناس في الاقتصاد يعرفه المرء بالفطرة والنصف الآخر الذي ينفرد به الاقتصاديون لم تثبت بعد جدواه الاقتصادية!! بعد فراغي من الجزء الأول بيوم أو يومين تلقيت اتصالا من ذلك الصديق يخبرني فيه عن رئيس قسم في كلية العلوم الادارية في جامعة الملك سعود بالرياض طلق سوق الأسهم بالثلاث!! واختار أن يتركه بعد أن لبس السوق أبهى حلله وتزين حتى لغير أهله!! سألته عن الرجل وكيف الوصول إليه وهل سيقتنع بالمشاركة في هذا التحقيق أم لا؟.. وبعد محاولات عديدة عرفت انه الدكتور إبراهيم الجاسر رئيس قسم الأساليب الكمية في كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود بالرياض. في اتصالي الأول رحب بي الدكتور إبراهيم ترحيبا بالغا ووعدني خيرا.. حاولت الاتصال به أكثر من مرة لقطف هذا الوعد.. إلا أن ظروفه لم تسمح بذلك.. تسرب إلى نفسي أن الرجل لا يرغب بالمشاركة ولكنه أشفق علي من التصريح بالأمر متكئا على ذكائي بادراك الأمر والكف عن الاتصال به!! ولان شرف المهنة يتطلب مني ألا أصل لهذا المستوى من الذكاء لم اعر لذلك الشعور بالا!! وفي المحاولة الخامسة أو السادسة عرضت على الدكتور القدوم إلى مكتبه والحوار معه مباشرة وسماع رأيه.. رحب بي الرجل وأحسن وفادتي وبدأنا الحديث حول السوق حتى قال: لم يكن سوق الأسهم في بداية تجربتي جذابا كما هو اليوم، إلا أنه في المقابل، لم تكن عملية البحث عن استثمار مناسب وجيد من الأمور الصعبة، فكوني موظفاً حكومياً (أستاذ جامعي) حسمت الخيار أمامي وذلك نظراً لأن التنظيمات الإدارية تمنع أي موظف حكومي من ممارسة الأعمال التجارية بالإضافة إلى سهولة التنظيمات الإدارية المرتبطة بتداول الأسهم.. عند بداية تجربتي مع سوق الأسهم، لم يتجاوز المؤشر 2200 نقطة تقريباً وذلك في عام 1999، ولكن انظر يا اخ فهد أين وصل اليوم!! هذا الارتفاع المبالغ فيه والمتوالي مقلق!! حين أرى شركة يرتفع سعرها بنسبة كبيرة خلال أيام ثم ينخفض بنسبة اكبر أدرك أن السوق يعاني خللاً وهذا مؤشر غير صحي!! أتساءل أحيانا عند مشاهدة المؤشر يرتفع يوما بعد يوم عن استمرارية المؤشر في الصعود وإلى أي نقطة يمكن لهذا المؤشر أن يصل؟ والإجابة التي تقنعني وأظنها تقنع الجميع أن عرض النقود هو العامل الأساس في ارتفاع المؤشر، فمع استمرار عرض النقود والمعتمد على الإنفاق الحكومي مرتفعا فان المؤشر بازدياد. عرض النقود هو محرك السوق سألت الدكتور عن محفزات هذا السوق وهل صحيح أن سوق الأسهم يمكن أن يكون سوقاً على فوهة برميل - إشارة إلى برميل النفط - !! لم يوافقني على العبارة وان كان وافقني على الفكرة حين قال: كما هو معروف فإن الإنفاق الحكومي مرتبط بأسعار النفط، لذلك فإن الزيادة في أسعار النفط له تأثير غير مباشر على السوق، وعادة ما يحتاج إلى فترة زمنية تقارب السنة. وفي الحقيقة فإن ارتفاع عرض النقود والذي تجاوز 431 مليار في نهاية مايو عام 2005 هو المحرك الأساسي للسوق، وإذا لم يستطع سوق الأسهم استيعاب هذه السيولة، فسوف نرى تأثير هذه الأسعار على مجالات أخرى مثل سوق العقار. (تطبيل) الأسهم!! سألته عن قدرة بعض المضاربين على التأثير في سعر سهم معين..وأخبرته عن طرفة سمعتها من احد الأشخاص يصور فيها بعض المنتديات على أنها وزارة إعلام لبعض الهوامير.. نظر إليّ مبتسما وقائلا: في السابق كان التأثير على سعر سهم بالارتفاع أو الانخفاض مهمة سهلة يستطيع أي مستثمر كبير القيام بها، إلا أنها الآن مهمة أكثر صعوبة، رغم أنها ليست بالمستحيلة ويمكن لمجموعة من المستثمرين القيام بتكتلات أو اتفاقات لتحريك سهم معين!! على كل حال لا يمكن إنكار ذلك ومن يقول غير ذلك لا يعرف ما يجري داخل السوق!! يلجأ الكثير من المضاربين إلى بعض منتديات الانترنت اليوم كأهم مصادر للمعلومات في السوق، وفي الحقيقة هناك الكثير من الأسماء البارزة والتي تحظى باهتمام ومتابعة مرتادي هذه المنتديات وأصبحت ذات مصداقية كبيرة، أنا شخصياً تابعت أحد أهم المنتديات في السوق ولمست المصداقية في ما يطرحه بعض رموز المنتدى. وقد تحدثت الصحافة عن هذه المنتديات على أنها منتديات تضليل لأن البعض يسعى لتحريك السوق في اتجاه مصلحة أطراف معينه كما يسمون الهوامير!! فتجدها (تطبل) لأسهم معينه لمصالح ضيقة تتعلق بمستثمر أو آخر. التحليل الفني لا يضمن النجاح!! تحدثت مع الدكتور عن سلوك السوق وهل يمكن لأدوات التحليل الفني العقلانية أن تتعامل مع سلوك غير عقلاني يمارس في السوق.. نظر إليّ الدكتور إبراهيم قائلاً: التحليل الفني هو محاولة لقراءة الأسعار التاريخية ومحاولة التوقع بما قد يحصل لاحقاً، وفي الحقيقة فإن التحليل الفني يساعد المستثمر في زيادة احتمال النجاح ولكن لا يضمن النجاح. وحين تسألني عن التحليل الفني كأداة تحليل لا يمكن الاعتماد عليها في تفسير أداء سوق الأسهم السعودي، أقول هناك جانب كبير من الصحة في هذه الرؤية، إذا كان القصد إدراك الأسباب المنطقية وراء ارتفاع سعر سهم في فترة معينة بدون وجود أسباب تتعلق بأداء الشركة، وربما يكون التفسير الوحيد هو تأثير محفظة بصورة مباشرة على هذا السهم!! إلا أنه يجب التأكيد على أن التحليل الفني يستمد قوته من كثرة المتعاملين الذين يتخذون قراراتهم وفق التحليل الفني. ولكن رغم فائدته الكبيرة إلا أنه لم يسعف كثير من المتعاملين في السوق وينقذهم من الانهيار الذي حدث في شهر مايو من عام 2004م!! أنا من الذين خرجوا من السوق قبل الانهيار بيوم!! لا ازعم أنها قدرة على استشراف الانهيار وإنما توفيق من الله لأني اعرف البعض ممن خسر نسبة كبيرة من ماله في ذلك الانهيار. خلل في الكفاءة الإدارية!! الحديث عن السلوك لم يصرف نظرنا عن السلوك الاستثماري لبعض الشركات والذي طرحه الدكتور قائلا: هناك أمر مهم أيضا وهو السلوك الاستثماري لبعض الشركات حيث تجدها لا تمارس سلوكا استثماريا يخدم الهدف من إنشائها، وإنما تجد الجزء الأكبر من أموالها على صورة إيداعات بنكية تصل أحياناً إلى نصف مال الشركة!! وحين تنظر إلى إيراداتها من نشاطاتها التشغيلية تجد أنها منخفضة جدا!! أحيانا اتساءل هل هذه الشركات مجرد وسيط بنكي لاستثمار الأموال. وجود هذه الأموال الضخمة لدى هذه الشركات وعجزها عن استثمارها يدل على وجود خلل في الكفاءة الإدارية لهذه الشركات!!. إذا كان الأساس من وجود سوق مال هو تجميع الأموال لتستطيع الشركات توسيع استثمارها والحصول على سيولة تمكنها من التوسع في مجال الاستثمار الحقيقي!! لماذا إذن ينحرف الهدف لتصبح تلك الشركات مجرد وسيط مالي !! قاصرة عن أداء دورها الاستثماري الحقيقي بما يخدم الاقتصاد الوطني!! (رأس غليص!!) كنت اركض مع الدكتور إبراهيم من نقطة إلى أخرى أملا في الوصول بشكل تلقائي إلى (رأس غليص) وهو هجره لسوق الأسهم.. نظر إلي الدكتور إبراهيم وكأنه شعر برغبتي في هذا السؤال من كثرة ما أوردته في ثنايا حديثي بطريقة غير مباشره.. ابتسم بعد أن قدم لي كوب ماء قائلا: الحقيقة أنني تركت سوق الأسهم!! مع أن التوقيت ربما يكون غير مناسب.. لان السوق اليوم يجذب إليه حتى غير المهتمين به قبل فترة قصيرة مضت، فكيف بمن بدأ به في وقت لم يكن وهجه كما هو الآن!! الواقع أني توجهت إلى سوق العملات بدلا من الأسهم..والايجابي في سوق العملات استحالة أن تتحكم فيه جهة معينة!! قد توجد مؤثرات من قبل بنوك مركزية على عملة معينة.. لكن ذلك يجري في ظروف معينة ولا يمكن أن يستمر لفترة طويلة.. هناك أيضا نقطة مهمة في سوق العملات جذبتني إليه وهو انسجامه مع التحليل الفني بشكل اكبر من سوق الأسهم. احد الايجابيات في سوق العملات أيضا أن المستثمر يستطيع تحقيق الربح في الحالتين اعني ارتفاع وانخفاض سعر العملة إلا أنه أيضا معرض للخسارة في الجهتين!! في نظري يمكن أن تكون فيه أرباح اكبر.. تركت الدكتور إبراهيم بعد أن شكرته على الحوار الشيق وعلى حسن ضيافته.. وحين خرجت من مكتبه كانت الشمس قد توسطت السماء.. ولا صوت يعلو فوق صوت القيلولة!! الاقتصادي المختلف!! حين شعرت بشيء من الانجاز في إنهاء هذا التحقيق كان شيء ما في داخلي يحدثني انه بقدر ما هناك من المعرضين أو الهاجرين لسوق الأسهم فان هناك من الاقتصاديين من لم يتحدثوا كثيرا عن سوق الأسهم في وسائل الإعلام سألت كثيرين عن بعض الاسماء.. وحين ذكر الرجل عادت ذاكرتي عشر سنوات إلى الوراء حين كنت على مشارف الدراسة لمرحلة البكالوريوس في قسم الاقتصاد والتحقت بالقسم الاقتصادي في صحيفة الجزيرة كأصغر محرر اقتصادي فيها.. كان يرأس القسم حينها الأخ احمد الشريدي والذي لا انكر فضله عليّ في تلك المرحلة.. اذكر يومها أني طرحت موضوعا عن أهمية دراسات الجدوى الاقتصادية في المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. واقترح عليّ الأخ احمد أن يكون احد ضيوف التحقيق الدكتور عبدالعزيز الدخيل.. حين التقيته طوقني بجميل لا ازال أحفظه له ماحييت.. فلم يعاملني طيلة الحوار الا كمحرر اقتصادي كامل.. رغم أني مازالت في الصف الثالث الثانوي.. ولم تبدأ علاقتي بالاقتصاد الا مع ذلك الموضوع!! حين اتصلت به لم يستغرق وقتا طويلا في الإجابة كما هي عادة المشغولين أو المتشاغلين.. ولم أجد صعوبة في اللقاء به في اليوم التالي.. قبل أن اذهب إليه تحدثت مع احد الأصدقاء حول إن كانت تلك السنوات قد غيرت في الدكتور عبدالعزيز شيئا أم لا!! أجابني أن الرجل لا يزال الرجل..الاقتصادي المختلف!! ذهبت إلى موعده في المساء.. لم يستغرق الدخول عليه سوى فترة تحريكي لمقبض باب مكتبه.. كانت الموسيقى الهادئة تحيط به رغم صخبه الاقتصادي الذي اعرفه!! لم يتذكرني ولم ير في ذاك الصغير الذي التقاه قبل عشر سنوات أو أكثر!! حاولت أن اذكره بالموقف.. لم يتذكر سوى الجزيرة.. حينها أيقنت أن الصغير الذي قد كان يسكنني - كما يقول معالي الدكتور غازي القصيبي - مات واختفى في حضرة العمالقة!! الإنسان أساس التنويع!! نظر الدكتور عبدالعزيز الى محاور الاسئلة ثم بدء بنظرة كلية كعادة الاقتصاديين قائلا: لا يمكن أن نتحدث حول سوق الأسهم السعودي يا أخ فهد دون الاشارة إلى الطبيعة التكوينية للاقتصاد السعودي.. يمكن اختصار هذه الطبيعة بكلمة واحدة هي النفط.. لكن قد يكون في ذلك إجحاف أيضا لان الاقتصاد السعودي أيضا يتميز بقطاع صناعي وبنكي جيدين.. على كل حال لا يمكن تجاهل حقيقة أن الاقتصاد السعودي يعتمد على عمليات استخراج النفط وبيعه.. هذه الطبيعة تجعل الاقتصاد السعودي وكأنه يقف على قدم واحدة , الأمر الذي يجعله مرتهنا لأي هزة تواجهها السوق النفطية.. نلاحظ اليوم انه ونتيجة لارتفاع أسعار النفط ينتعش الاقتصاد السعودي بشكل كبير.. لذا فانه إذا انخفضت أسعار البترول بشكل حاد ومستمر فان الاقتصاد السعودي سيتأثر سلبا بشكل كبير.. هذه المشكلة يعانيها الاقتصاد السعودي باعتباره اقتصادا لا يزال يعتمد على مورد واحد هو النفط.. وهي صفة سلبية في منظومة التنمية والتي يجب أن تكون متوازنة.. ولذلك دأبت خطط التنمية المتعاقبة والتي تشكو من فجوة بين التطبيق والتنفيذ وعلى مدى أكثر من خمس وعشرين سنة على تنويع مصادر الدخل.. ورغم كل الجهود من اجل هذا الهدف لا يزال الاقتصاد السعودي اقتصادا وحيد السلعة معتمدا على النفط.. قد يقول قائل أن القطاع النفطي توسع وأصبح اكبر حجما ولذلك اتسع الفارق بينه وبين القطاعات الأخرى.. أقول نعم ولكن الخلل يكبر ويتوسع.. هذه الحقيقة تجعلنا ندرك جميعا أهمية التنويع.. وفي نظري أن جهود التنويع والتي لم تبذل بالشكل المناسب تخطيطا وتنفيذا أغفلت أهم الأسس التي يقوم عليها التنويع ألا وهو الاستثمار في الإنسان قبل كل شيء.. استثمرنا في البنية التحتية بشكل كبير هذه حقيقة ولكننا لم نستثمر بنفس المستوى في الإنسان والذي يعد الأداة والهدف.. هذه أهم إشكالية أغفلتها خطط التنمية منذ السبعينات.. اليوم بدأنا في التوجه نحو الاستثمار في الإنسان.. وحين اطرح الاستثمار في الإنسان فاني اعني الاستثمار النوعي في عقلية الإنسان القادر على تحقيق القيمة المضافة.. هذا الإنسان هو الوحيد القادر على تجاوز هذه الإشكالية التي يعانيها الاقتصاد السعودي.. حينما نعود إلى الماضي ندرك أننا في المملكة كنا نصدر العمالة الى دول الخليج العربي والشام والهند، فالمواطن عندنا لا يختلف عن بقية البشر في بحثه عن لقمة العيش الشريفة والكد أينما وجدت.. ما ينقصنا اليوم هو التأهيل التقني والإداري للمواطن وليس إرادة العمل .. اليوم وللأسف نستورد العمالة ونشكو من ضعف التأهيل للإنسان السعودي!! عندما بدأنا مرحلة التنمية الأولى ركزنا على الآلة ودروها ولم نعط نفس الجهد للنظر إلى الإنسان الذي سيتعامل مع الآلة ولذلك اضطررنا لجلب آلاف العمالة الاجنبية لتشغيل تلك الآلات.. هذه المشكلة هي التي دفعتنا للتفكير اليوم بالسعودة.. تفريطنا في بناء الإنسان المؤهل المرتبط بسوق العمل هو الذي جعلنا اليوم أمام آلاف العاطلين عن العمل.. برنامج السعودة قائم مع الأسف على قاعدة الإحلال ,أي أحلال السعودي محل الأجنبي قبل القيام بإعادة الهيكلة التقنية والإدارية للإنسان السعودي..حتى يصبح الإحلال أمام عنصرين متضاربين في الأداء والانتاجيه والاستحقاق الأساسي في خطة السعودة من وجهة نظري هي إعادة بناء القدرة الفنية والتقنية للإنسان السعودي رجلا كان أم امرأة أنا مؤمن أن الإنسان السعودي قادر على الإنتاج والعطاء وهذا يظهر جليا في السعوديين المتخرجين من جامعات أو مراكز تدريبية مؤهلة في الخارج تجدهم لا يعانون بطالة ويتفوقون على الأجانب في الإنتاج وهذا أيضا ينطبق على المتخرجين من بعض الجامعات والمعاهد المحلية المؤهلة رغم ندرتها وللأسف. إصلاح السيارة المسرعة!! لم أشأ أن أقاطع الدكتور عبدالعزيز لكني اضطررت الى تنبيهه أن الموضوع حول سوق الأسهم!! نظر إليّ وهو يتصفح دراسات باللغة الانجليزية حول سوق الأسهم أغلقها عاتبا ثم قال: هذه المقدمة لا بد منها يا اخ فهد لأننا نتحدث حول سوق الأسهم والذي هو جزء من الاقتصاد ولا بد قبل الحديث عن الجزء التفصيل قليلا في الكل لأنه لا بد من النظرة التاريخية.. سوق الأسهم السعودي باعتبار الزمن يعد سوقا ناشئا وقبل أربع سنوات لم يكن سوى سوق فاقد للحياة لا يسترعي إلا اهتمام القلة القليلة..كان متأخرا بشكل كبير عن أسواق المال العالمية أو حتى بعض أسواق المنطقة.. في الواقع منذ عشر سنوات تقريبا كنت وآخرون نطرح وفي مناسبات كثيرة أهمية تنظيم هذا السوق وان يخرج من نطاق الادارة التقليدية وعن سيطرة القطاع البنكي ومؤسسة النقد..كنا نتحدث عن بناء مؤسسات مستقلة خاصة بتنظيم السوق وللأسف لم يتم شيء في ذلك الحين.. هذه المشكلة من عدم القدرة على استشراف المستقبل والتباطؤ في اتخاذ القرارات في وقتها المناسب تجعلنا نعاني من عواقب الحلول السريعة بشكل اكبر من المشكلة نفسها وللأسف.. هذه هي باختصار بدايات الواقع التنظيمي لسوق الأسهم.. والحق يجب أن يقال هنا انه تم القيام بجهد حقيقي للوصول إلى أفضل الانظمة بالنظر إلى الإجراءات التنظيمية الأخيرة في سوق الأسهم وليس لي من ملاحظة رئيسية سوى أن ما يحدث اليوم ليته بدأ قبل عشر سنوات من الآن!! كان يمكن أن نتفادى كثيرا من السلبيات التي يعانيها السوق اليوم.. التنظيم اليوم والسوق في طفرته وانتعاشه يختلف عن ظروف التنظيم قبل عشر سنوات، كان يمكن أن يكون هناك متسع من الوقت وظروف السوق أكثر استقرارا.. لا يمكن أصلاح السيارة وهي تسير بسرعة عالية!! لابد من أن تتوقف للنظر فيها!! وهذا أمر شبه مستحيل. لذا فان الإصلاح والتطوير في سوق مندفع ونشط يتطلب كثيرا من الحكمة والخبرة.. نسبيا هذا ما يحدث اليوم ولو أن كثيرا من الإصلاحات التي يجب فرضها اليوم تمت في السوق قبل عشر سنوات كما طالبنا حينها ربما لم نلتق اليوم للحديث عن مشاكل سوق الأسهم الراهنة!!.. أعود وأؤكد أن التنظيم الجديد يعد تنظيما موفقا وهو خطوة في الطريق الصحيح وكذلك اختيار الأشخاص القائمين على الهيئة كان بالمستوى نفسه من التوفيق والكفاءة فهم من خيرة من يقوم بهذا العمل وأعبائه.. أتجاوز هذا كله وأقول أن هذا النجاح التنظيمي على مستوى الانظمة واختيار الكفاءات يجعلنا نركز على دعم ونجاح التطبيق لهذه الانظمة..تفعيل هذه الأنظمة يحتاج إلى تراكم في الخبرة وكفاءات على جميع المستويات.. ما تحتاجه هيئة سوق المال اليوم المزيد من الوقت لإيجاد خبرة خاصة بها.. كل ما أقوله أننا اليوم على الطريق الصحيح والطريق ما يزال طويلا علاقة نفسية!! بدا لي الدكتور عبدالعزيز مصرا على الرؤية التاريخية في كل ما يطرح.. شغوفا بها.. انعكس ذلك على مكتبه الذي يوحي لك بأنه جزء من التاريخ الذي يطيل الدكتور عبدالعزيز النظر إليه.. أكمل الدكتور عبدالعزيز حديثه قائلا: وضع سوق الأسهم الحالي لا يمكن قراءته بمعزل عن النظر في الماضي القريب لكي نعرف كيف وصل السوق إلى ما وصل إليه اليوم.. التسلسل التاريخي مهم جدا هنا.. اليوم حين ننظر إلى سوق الأسهم السعودي من خلال قراءة نمو المؤشر خلال السنوات الخمس الماضية وحتى اليوم ونحن في منتصف العام الحالي 2005 نلاحظ انه في عام 2000 ارتفع المؤشر بنسبة 11% عن السنة التي قبلها وهي زيادة معقولة وفي عام 2001 ارتفع إلى 7.6% وفي عام 2002 ارتفع 2% فقط..نلاحظ أن المتوسط طيلة السنوات الثلاث كان في حدود 5% تقريبا.. لكن حين ننتقل إلى عام 2003 نرى أن المؤشر ارتفع وبنسبة 77% عن العام الذي قبله!! وفي عام 2004 ارتفع ليصل إلى 88%.. أكثر من ذلك انه ومنذ بداية عام 2005 وحتى اليوم وصلت نسبة ارتفاع المؤشر إلى 66% خلال ستة الأشهر الماضية فقط!! إذن السوق اليوم يملك حيوية قويه جدا.... المؤشر اليوم تجاوز حدود 13000 نقطة وحين نذكر النفط يجب الاشارة أن علاقته بسوق الأسهم والتأثير عليه هي علاقة نفسيه!! الواقع أن ارتفاع سعر النفط لا يؤثر بشكل مباشر في أداء الشركات.. التأثير في الحقيقة على الاقتصاد العام والمتعاملون في السوق يدركون هذه الحقيقة ويقرؤونها قراءة صحيحة باعتبار الاقتصاد السعودي، وكما أشرت في المقدمة اقتصاد يعتمد على النفط اعتمادا كليا!! شركات لا تباع ولا تشترى!! كنت أحاور الدكتور عبدالعزيز حول إصلاح الخلل في سوق الأسهم؟ نظر إليّ ثم قال: من الأمور الملحة في سوق الأسهم اليوم ضرورة تقسيم الشركات إلى فئات باعتبار أن الكثير من المتعاملين في السوق لا يدركون واقع الشركات ومستويات أدائها.. هذا التقسيم يجب أن يتضمن شركات درجة أولى Blue Chip Companies وشركات من الدرجة الثانية وهكذا وفق معايير محددة تضعها هيئة سوق المال كما هو معمول به في أسواق المال العالمية.. هذا النوع من التصنيف يجب أن يكون من الحيوية بحيث تقيم الشركات بصورة دورية ويتم انتقال الشركات بموجب أدائها الاقتصادي من درجة إلى أخرى ارتفاعا أو انخفاضا.. هذا التصنيف سيتيح للمتعامل معرفة الشركة ومستواها قبل الإقدام على شراء أسهمها سواء أكان للاستثمار أو المضاربة.. ما يهم اليوم والذي يجب على هيئة سوق المال مراعاته انه ليس بالضرورة إذا أدرجت الشركة للتداول أن تبقى رغم أدائها الضعيف.. لأنه من الناحية الاقتصادية السليمة بعض الشركات الضعيفة الأداء يجب أن لا تباع وتشترى.. المشكلة التي يواجهها سوق الأسهم السعودي هو انخفاض عدد الشركات فمثلا لو تم تطبيق معايير صارمة لأداء الشركات في التصنيف ربما يتقلص عدد الشركات المتداولة بنسبة كبيرة ولذلك تبرز أهمية استخدام معايير تتناسب وواقع السوق.. ما دامت المعايير صارمة لإدراج شركات جديدة للتداول بحجة الحرص على سلامة وقوة الشركات المدرجة للتداول يبرز السؤال هنا!! أليس من الأولى تصفية السوق من الشركات الموجودة فيه والتي لا تستحق البقاء هذا السؤال أوجهه لهيئة سوق المال؟ حينما نطرح التحليل الفني لسوق الأسهم السعودي ونصل إلى تحليل بعض أسباب الارتفاع أو الانخفاض ندرك أن بعضها غير قابل للتحليل!! اقصد التحليل المنطقي..لا يوجد مبرر سوى المضاربة!! المشكلة في السوق السعودي اليوم أن هامش المضاربة ازداد وأصبح الجميع يشارك فيه في ظل واقع قلة الخبرة من عامة المساهمين وعدم وضوح الضوابط وقلة الردع وأسباب أخرى.. السوق في كل بيت!! حول التأثير على السوق في سوق الأسهم السعودي تحدث الدكتور عبدالعزيز قائلا: من الخصائص التي يتميز بها سوق الأسهم السعودي وجود أشخاص لهم مراكز قوة مالية يستطيعون التأثير على السوق وتحريكه ارتفاعا أو هبوطا.. يبرز هذا جليا في ملكية بعض المؤسسات مثلا حينما ننظر إلى البنوك أو بعض الشركات الكبرى نجد أن الملكية تعود إلى حد كبير إلى مجموعة ممثلة في مجلس الادارة لها القدرة على اتخاذ القرار.. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن من يملك حجما كبيرا من الأسهم يضارب به. قد يعطي هذا الأمر مؤشرا أن تركز ملكية كمية كبيرة من الأسهم قد يؤدي لتحركها لأي سبب كان مما يؤثر على سعر السهم.. المراقب لسوق الأسهم اليوم يشعر بان هناك تناغما بين مجموعات تملك مراكز قوية في سوق الأسهم واتفاقات مسبقة لحركة أسهم معينة. تابع الدكتور عبدالعزيز حديثه قائلا: حجم السوق أصبح اليوم كبيرا وعدد المنتمين له أصبح اكبر واغلبهم من صغار المستثمرين.. السوق اليوم أصبح في كل بيت!! الأمر الذي يجعل المسئولية كبيرة على عاتق هيئة سوق المال في المحافظة على أموال الناس من المتلاعبين في السوق وحصول هزات عنيفة فيه. أعود واذكر أن توجه الأموال وتركزها في سوق الأسهم اثر سلبا على الاستثمار في القطاعات الأخرى.. هذا النمو غير الحقيقي في سوق الأسهم لا يعكس أداء الشركات الحقيقي.. لكن هذا لا ينطبق على جميع الشركات حيث أن بعض الشركات يعد الارتفاع فيها مبررا ومنطقيا مثل شركات البتروكيماويات والبنوك وغيرها.. حينما نحذر من مخاطر المضاربة يجب أن لا نغفل عن حقيقة أن معظم المضاربين وخصوصا صغارهم اليوم يجذبهم وهج تلك الشركات الصغيرة التي ترتفع أسعار أسهمها دون سبب اقتصادي والتي في معظمها ضعيفة الأداء لأنهم في الواقع لا يستطيعون المضاربة في الشركات القوية والمستقرة حيث أن أسعارها مرتفعة وكبيرة.. لو تم أخراج هذه الشركات الهزيلة من السوق من قبل هيئة سوق المال وصاحبه تجزئة لسعر السهم الاسمي إلى ريال واحد أو اقل صدقني سيصبح السوق أكثر أمانا للمستثمر الصغير وأكثر اطمئنانا.. لان الطعم الذي يتم اصطيادهم به لن يكون له وجود!! هذا الأمر في صالح السوق وفي صالح المستثمر الصغير.. حين تسأل احد صغار المضاربين عن إحدى تلك الشركات المتضخمة بدون سبب تجد انه لا يعرف شيئا عنها ولا عن أدائها وإنما اكتسبت هذه الثقة منه لمجرد أنها مطروحة للتداول!! لماذا إذن تمنحها هيئة سوق المال الفرصة لتكون طعما في السوق!! هذه الشركات يجب أن تخرج من السوق لمصلحة السوق ومصلحة عامة المساهمين.