هل نستطيع أن نحدد تماماً مفهوم التحرر.؟ هل هو تحرر بالشكل أم بالمضمون؟ وهل يستطيع الفرد، ممن لا يملك الثقة بقدراته، ولا القدرة على تحرير نفسه من سطوة التقليد الأعمى أن يقرر حدود حريته الشخصية والعامّة؟ للوصول إلى إجابة مقنعة وواضحة لابد أن نعود إلى التفسير المادي لكلمة التحرر فهي ومن المفترض أن تكون مسعى إلى تحرر من قيود وسجن سواء أكان مادياً أم معنوياً.. فهل كانت النفس البشرية بخاصيتها الخلقية في أي يوم سجينة ظروف خارجية تتوغل في ذاتها الخاصّة؟ لاشك في أن تلك الصرخات التي تأتينا من هنا أو من هناك، رافعة شعاراً بعيداً عن خصوصيتنا الدينية والثقافية تنادى (بتحرير المرأة) يستدعي منا وقفة محايدة، ودراسة واعية لتفسير ما وراء تلك الظاهرة التي أوشكت (بالتقليد الأعمى) أن تطفو على سطح أخلاقياتنا وثقافتنا، وتعمل تبدلاً بل ونسفاً للمعايير التي عشنا عليها منذ تلقينا رسالة السماء بالإسلام وتعاليمه وشريعته السمحاء. ومنذ متى كانت المرأة عندنا وفي مجتمعنا الإسلامي سجينة؟ وقد وضعها الإسلام في مكانها اللائق.. أليست هي الأم والأخت والابنة والزوجة؟ أليست هي المربية التي منحت البشرية أعلاماً في كل مجال من مجالات الحياة؟ منذ بدء الخلق كان الرجل، وكانت المرأة، وبرغم أنهما من طينة واحدة إلا أن الله سبحانه أقام بينهما ذلك السر غير المرئي، وهو المحرض على مواصلة الخلق، فرحلة بحث الواحد عن مكنون الآخر بدأت ولم تنته، ويجب أن لا تنتهي. وهنا يكمن سر الاختلاف الشعوري والنفسي بين الجنسين بعيداً عن الصفات والخصائص السيكولوجية والفيزيولوجية، وكي يتحقق هذا الشرط اللازم يجب أن يحمل كل جنس خاصيّة معينة ومحددة وفطرية. فهل نكسر هذا البريق الذي يقيم فينا حب الحياة ورحلة البحث التي لا تتوقف بادعاء التحرر؟ وماذا يبقى في سجل الذات لو تكسرت تلك الغيبيات بين الجنسين؟ وكيف نتصور الحياة بعد ذلك؟ هل يعني التحرر خروجاً عن المألوف مثلاً؟ أم يعني التحرر من الأخلاق والخفر؟ وفي الجانب الآخر لا يصح أن نتجاهل الممارسات الخاطئة الناتجة عن أعراف وتقاليد خاطئة تسيء إلى صورة المرأة في المجتمع وتنتقص من قيمتها ومكانتها وهي يقيناً لا تستند إلى قيّم الإسلام وتعاليمه بأية صلة مما يجعل الضرورة ماسة إلى ميزان عادل يستضيئ بقيم الإسلام الإنسانية ويراعي متطلبات العصر التي لا تعارض تلك القيّم النبيلة. إذن هو موضوع واسع وكبير، ويحتاج منا حوارات كثيرة ودراسات أكثر نعود من خلالها إلى خاصيتنا الدينية والعربية لندرك بأن هذا الشعار المستورد هو من أفتك الأسلحة التي يحاول أعداء الدين والعقيدة من خلاله تجريدنا من قيّم عشنا عليها وتعشقناها.. ولعل أوضح إشارة ودليل على ما نقوله هو نظرة بسيطة إلى تلك المجتمعات التي كانت المرأة فيها تعيش مهملة وعلى هامش الحياة في زهوة العصور الوسطى، في الوقت الذي كانت نساؤنا يصدرن إلى العالم أبهى الإشراقات، تلك المجتمعات بعد أن أفلتت من بين ظهرانيها قيمة الأخلاق، وقيمة السر الباعث على رغبة استمرار الحياة لنجد أنها تعاني الآن من أقسى ظروف الشذوذ والاغتصاب والانسلاخ عن نواة الأسرة أول لبنة في أساس المجتمعات.