حققت بعض النساء العربيات نجاحات مشرفة على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية إلا أنها لم تكن بوابات تحررها وتحرر الأخريات من أفكار مجتمعاتهن العربية الذكورية. والغريب أن جميعهن مازلن يصارعن تلك الأفكار التي كبّلتهن من قبل أن يُولدن وهن في بُطُون أمهاتهن -وربما أمهاتهن معهن- بأصفاد فولاذية من التفسيرات الاجتهادية التي اتفقت مع رغبات وقناعات واضعيها الذاتية. هذه التفسيرات جعلت المرأة أياً كان وضعها الثقافي سجينة اجتهادات عمياء لا تبصر إلا الظلام الحالك! هذا الظلام الدامس ينبغي أن ينقشع وتزول عتمته بصدور قرارات جديدة تنصف المرأة، وتساعدها في كسر تلك القيود التي أدمتها ومنعتها من الحركة والالتفاف في جميع مجالات الحياة. ومن تلك القيود التي واجهتها وجعلتها محلّك سر لا تحرك ساكناً هي إحضار المحرم القريب جداً معرّفاً لها في الإدارات الحكومية أو القطاعات الخاصة ليثبت هويتها وشخصيتها للأقسام الرجالية فيها! وهنا تناقض يسأل ساخراً: لماذا وجدت أقسام نسائية في تلك الإدارات؟ وما فائدة الهوية الوطنية التي تحملها المرأة العربية؟ كنتُ أعتقد كما يعتقد غيري من البشر ولاسيما من النساء أنها تحل محل المحرم وتفي بالغرض، يبدو أن اعتقادنا خاطئ ولم نفهم أدوارها المنوطة بعد! وإلى أن تأتينا الإجابات الشافية والقطعية التي تفهمنا ما التبس علينا في هذا الشأن لا بد أن تحدد مواصفات معينة للمحرم تؤهله للقيام بهذا الدور الأخلاقي والإنساني غير رابطة الدم (القرابة)، فالدم ليس دليلاً كافياً لصلاحه. ولو ضربنا مثالا على سبيل تقريب المعنى لا حصره: أن هناك أمرأة طريحة الفراش تكابد المرض أرادت إحدى كليتي محرمها (الشهم)؛ لتنقد حياتها بها وتخلصها من الوجع، وبعد الفحص والتحليل اكتشف الطبيب أنها كلية غير متطابقة أو غير سليمة، من الطبيعي أنه سيقرر رفضه لها وسيطلب البحث لها عن كلية أخرى (مطابقة ونافعة) حتى لو كانت من جسد غريب لا يمت إليها بصلة دم وقرابة. وقد يظن أحد القراء أنني ذهبت بعيدا بطرحي هذا المثال في صميم الموضوع والمتعلق بمقولة "أنها مسألة حياة أو موت"، والأحرى هنا أنها حياة ميتة، فكل قيد يعتبر موتا بطيئا محققا يمتص الطاقة المعنوية والمادية حد الاختفاء. وهذا ما حدث مع المرأة العربية بالفعل، استغلال وابتزاز من أقرب قريب، كأن وظيفتها لعنة عليها وراتبها حلال زلال تذره على وليها. عموما أنا لم أذهب بعيداً بل عالقة في قاع الموضوع، فالمحرم أو الوصي الشهم هو من يثق في نسائه ويعطيهن كامل حقوقهن ويزيد عليها، أما السر الجلي وراء إصرار البعض على وجود الولي على امرأة بالغة عاقلة وجعله كالملاك الذي لا يخطئ أبداً أو كالحمل الوديع الذي لا يعضّ.. هو من المستفيدين الذين امتصوا طاقات قريباتهم حد النخاع. وما يزيد الأمر سوءاً حين نجد من يبرر وجوده من باب حرصه على أموالها وخشيته عليها من بني جنسه الذئاب أو حرامية الأعراض أن يضحك عليها، وهنا نعود لذات التساؤل: لماذا وجدت الأقسام النسائية طالما هذا الوصي يرافقها؟!