أصبحت السياحة عنصراً مهماً من بداية الستينيات، وبرز إلى الوجود النقل الجماعي بالطائرات والباصات والبواخر والسفن وغيرها، ولم تعد السياحة اعتباراً من السبعينيات والثمانينيات ترفاً، بل أصبحت نشاطاً اقتصادياً كبيراً وصناعة العصر والمستقبل.. وهي بمثابة الصناعة الأولى في العالم حتى في كبرى الدول الصناعية كبريطانيا وأمريكا واليابان، إذ أصبح عدد من يعمل في قطاع السياحة يساوي عدد العاملين في الصناعات الخمس التي تليها أي الإلكترونيات والكهرباء والحديد والصلب والنسيج والسيارات، وأصبح عدد العاملين في القطاع السياحي بصورة مباشرة أو غير مباشرة يزيد على عُشر عدد قوى الأيدي العاملة في العالم، وأصبح حجم الإنفاق السياحي بالنسبة لكامل التجارة العالمية سياحة 8.5% ونفط 7% وسيارات 6% وإلكترونيات 5% ونسيج 2% وحديد وصلب 2%.. أما الزيادة السنوية الوسطية للسياحة والخدمات بالنسبة لأكبر قطاعات التجارة العالمية فتبلغ: سياحة وخدمات سياحية 12% وخدمات تجارية 10% والتصدير 8% وتتوقع منظمة السياحة العالمية أن يبلغ عدد السياح وإنفاقهم لغاية عام 2020م كما يلي: (1600) مليون سائح ينفقون ألفي مليار دولار. وقد أصبح الإنفاق على الترويج السياحي يشكّل أهمية كبيرة عند الدول السياحية لتحظى بنصيب من شركات السياحة العالمية في ظل المنافسة العالمية الشرسة حالياً، ويفرض لأهم الدول الأرقام وما تنفقه على الترويج السياحي وما تقوم به دول العالم لجذب الحركة السياحية إليها، فمثلاً وضعت أستراليا ميزانية للترويج بمبلغ (88) مليون دولار، وبريطانيا (79) مليون دولار، وإسبانيا (79) مليون دولار، وفرنسا (73) مليون دولار، وسنغافورة (54) مليون دولار، وتايلاند (51) مليون دولار، وهولندا (50) مليون دولار، وأيرلندا (42) مليون دولار، والبرتغال (35) مليون دولار.. كل ذلك ميزانية سنوية للترويج السياحي. فهذه لمحة سريعة للسياحة في العالم، لكن ماذا وضعنا نحن العرب من ميزانية سنوية لجذب السياحة إلى بلادنا الغنية بجمالها السحري الأخاذ ومساجدها العظيمة وشوارعها الكبيرة ومتاحفها ومعارضها وأسواقها وبيوتها القديمة، وكم الميزانية التي وضعتها مملكتنا الغالية للتنشيط السياحي في كل مناطقها ولدعم السياحة الدخلية فيها أسوة بباقي الدول.. خاصة وجود الصيف وانبهارات السفر، وعروض التخفيضات الكبيرة من كل بلاد العالم.. وبرنامج العمرة المستديمة الذي سيحقق طفرات كمية ونوعية غير مسبوقة إذا عرفنا كيف نجعل من مجتمع مكةالمكرمة مجتمعاً حاضناً لسياحة العمرة المستديمة، وكيف نجعل من المواطن المكاوي مواطناً داعياً بأهمية هذه الصناعة الجديدة.. فالسائح في أي مكان وفي أي بلد يبحث عن الراحة.. والأسعار المناسبة والأماكن السياحية الشاملة (تثقيف، ترفيه، توجيه مع توفير وسائل الأمن والاطمئنان والوقاية الصحية) فهل وضعنا في اعتبارنا كل هذه الأشياء الهامة والحساسة التي يريدها السائح الداخلي لضمان نجاح سياحة داخلية.. لذلك فلا بد من تنشيط دور الغرف التجارية الصناعية في كافة مناطق المملكة الغالية.. وذلك بالدعوة للسياحة الداخلية وغرفة مكةالمكرمة للتوعية بالسياحة للعمرة.. كذلك لوسائل الإعلام دور بارز في صناعة السياحة وإشاعة ثقافة سياحة العمرة والسياحة الداخلية كخدمة منتجة بهدف زيادة الوعي السياحي.. إن النشاط السياحي يجب أن يتحوَّل إلى صناعة متكاملة وبخاصة وضع سياسة مرنة مع المؤسسات الناقلة سواء الأرضية أو البحرية أو الجوية.. وضرورة مطالبة القطاع الخاص في مملكتنا بإقامة تكتل تسويقي قوي لبرامج السياحة الداخلية ولا بد من نشر الوعي السياحي بين المواطن والمقيم والزائر وأن تمتد هذه الثقافة السياحية إلى برامج التوعية إلى السلوكيات والتصرفات المتحضرة وتكثيف هذه البرامج في مدارس المملكة وأن تعد أفلام قصيرة لهذا الغرض تحمل دعوة الأسرة والأبناء إلى التمسك بالسلوكيات والتصرفات الأفضل التي تجعل من المواطن السعودي صديقاً لكل زائر.. ولا بد من المستثمر السياحي أن يعمل على تحقيق إستراتيجية التنمية العامة في السياحة المحلية.. فالسياحة أنواع وليست نوعاً واحداً فمنها السياحة الدينية والسياحة الثقافية لطلب العلم وزيارة معارض الكتب والسياحة الصحية لطلب العلاج والاستشفاء والسياحة التجارية بزيارة المعارض الدولية وعقد الصفقات وإيجاد عملاء جدد ومنها سياحة الاستجمام والتغيير وسياحة الترفيه. لحظة صدق العاقل من يتعظ بغيره، ويجعل سياحته تقرّبه لربه وتزيد من إيمانه ومعرفته وثقافته، وإذا كان لا بد من السفر فلا تنسوا زيارة الأماكن التاريخية ومعارض الكتاب والمتاحف المختلفة وابتعدوا عن سفاسف الأمور واللهو الماجن الذي لا فائدة منه، فالسفر لا يعارضه الشرع.. ولكن لا بد أن يكون الهدف منه المصلحة وليس اللهو والإسراف. قال الإمام الشافعي رحمه الله: ما في المقام لذي عقل وذي أدب من راحة فدع الأوطان واغترب سافر تجد عوضاً عمن تفارقه وانصب فإن لذيذ العيش في النصب إني رأيت وقوف الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يجرِ لم يطبِ والأسد لولا فراق الغاب ما قنصت والسهم لولا فراق القوس لم يصب والشمس لو وقفت في الفلك دائمة لملها الناس من عجمٍ ومن عرب والبدر لولا أفول منه ما نظرت إليه في كل حينٍ عين مرتقب والتبر كالترب ملقى في أماكنه والعود في أرضه نوع من الحطب فإن تغرب هذا عز مطلبه وإن أقام فلا يعلو على رتب جرة قلم علينا بدعم السياحة الداخلية أولاً وثانياً وعاشراً، ولا بأس بالسفر بعد ذلك للمعرفة والعلم والتجارة والتطبيب. للتواصل تليفاكس: 2317743- ص ب 40799 الرياض 11511