الإنسان مدني بطبعه كما يقال: ومن لوازم هذه المدنية مخالطة الناس ومعايشتهم والتأثر بهم، لذا تختلف مظاهر العلاقة.. والصداقة.. والأخوة.. وغيرها بناء على مقومات شخصية.. ومصالح مشتركة تؤثر سلباً أو إيجاباً على تلك العلاقات.غير أن هناك بعضاً من السلوكيات المعينة في كسب ثقة الآخرين وكيفية التعامل معهم. ومن ذلك (المزاح) الذي يعد وسيلة من وسائل بناء العلاقات. إلا أنه كغيره من الأمور تلزمه الوسطية إذ لا إفراط ولا تفريط. كما أن الناس مختلفون في فهم هذه الوسطية المطلوبة لأسباب كثيرة تعود إلى شخصية الفرد.. وتفكيره.. وإدراكه.. وفهمه العام للحياة....ولأهميته وآثاره التربوية جاءت الأدلة من الكتاب والسُّنة على مشروعية المزاح (المنضبط) نظراً لتلك الآثار الإيجابية اللاحقة. ومنها التبسط مع الناس ورفع الكلفة عنهم.. ومشاركة الآخرين في أحاديثهم.. وأهمها محاولة القضاء على أسباب العداوة كالحقد.. والكراهية.. والبغضاء.. ونحوها فضلاً عن إدخال السرور.. وإظهار الابتسامة.. إلى غير ذلك من المعاني الجميلة وكثيرة هي آثار المزاح الإيجابية.. إلا أن الجزء الآخر أو الجانب السلبي منه إنما جاء وفقاً لأسباب وتصرفات سيئة آلت به إلى تلك السلبية المذمومة أهمها ما يلي: أولاً: تجاوز الحد المشروع للمزاح في بعض القضايا العامة.. والمتصلة بأمور الدين.. أو الأعراف السائدة المرضية.. أو المتعلقة بالآداب والأخلاق العامة التي اتفق الناس عليها. ثانياً: (المزاح في وقته، ومكانه، وعلى قدره) لذا فهناك أوقات وأحيان لا يسوغ فيها المزاح ولا يتناسب معها. كأوقات الجد التي يتطلب لها الأهمية أو في حال لا تحتمل فيه سوى الحقيقة. وما شابه ذلك، كما أن للمكان والموضع اعتبار مهم بهذا الخصوص كمواضع الهيبة.. والرفعة ومنها أماكن العبادة.. ومجالس العلم.. وذوي المكانة والشآن...، أو حتى في الأماكن المهمة أو الرسمية وما في حكمها. وهذا تصوير عام وإلا فإن تقدير ذلك من حيث النوع، والقدر، والحاجة عائد لاعتبارات كثيرة تقدر بحسبها وفقاً لملاءمة الوقت، وظروف الحال. ثالثاً: ومن الأسباب المؤثرة على إيجابية المزاح: اغفال جانب الفوارق الفردية بين الأشخاص والمتصلة بعوامل منها (السن، والمكانة ونمط الشخصية،.. فالبشر لا يستوون في ذلك فلكل شخص ما يناسب قدره ويلائم حاله. رابعاً: ومن الأسباب أيضاً: المبالغة والإفراط في مسألة (المزاح) بالقدر الذي يجعله شبيهاً بالأضرار والتعدي، ذلك أن أغلب (الممازحات الثقيلة) تأتي كردة فعل لتصرفات أخرى مماثلة ما يجعل الطرف (المتضرر) يأتي بما هو أشد وأقسى والأسوأ حالاً عندما تتسع بضررها لتشمل أطرافاً أخرى عديدة لتنال هي الأخرى جزءاً من تبعات ذلك المزاح (الثقيل). وواقع الحال يشهد لهذا في بعض المواقف والتصرفات. خامساً: ومن أسباب سلبية المزاح.. عندما يكون القصد منه سيئاً كأن يقصد به إثارة شخص (ما) في قضية (ما) أو عندما يُراد به همزاً.. أو لمزاً لأحد. أو احتقاراً لآخر.. وكل ذلك ليس من المزاح في شيء.. فإن للوسائل أحكام المقاصد.. وأخيراً.. إن كان للمزاح آثار ايجابية لا يدركها إلا من أحسن وأجاد فإنه جدير بهذه (المهمة) وإن لم يكن كذلك فهو أشبه ما يكون بالمتسلط الذي يمازح الناس (عنوة) فيبتعدون عنه ويتجنبون الرد عليه احترازاً من مماثلته وخوفاً من عواقب أخرى سيئة لا تأتي بخير.