54 شاحنة سعودية تعبر منفذ نصيب الحدودي لإغاثة الشعب السوري    ولي العهد ورئيسة وزراء إيطاليا يوقعان اتفاقية إنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    خادم الحرمين يهنئ الحاكم العام لكومنولث أستراليا بذكرى يوم أستراليا    غدًا.. انطلاق مهرجان خادم الحرمين الشريفين للهجن 2025    مستشفى دله النخيل بالرياض يفوز بجائزة أفضل خدمات طوارئ في المملكة 2024    جامعة الدول العربية تدين استهداف المستشفى السعودي بمدينة الفاشر    «النساء» يتجاوزن الرجال في استثمارات الصناعات التحويلية    17 % نمو توظيف السعوديين في القطاع الخاص عبر صندوق الموارد البشرية    عروض رمضان الحصرية بضمان 7 سنوات من هونشي السعودية    النصر في «صدارة» الدوري الممتاز للسيدات    القبض على (3) لتهريبهم (39000) قرصٍ خاضع لتنظيم التداول الطبي في عسير    "الفقيه" يدشن فعاليات معرض "سابك الفني 2025" بمشاركة أكثر من 52 دولة و400 مشارك    «موديز» تتوقع: تريليون دولار إصدارات سندات مستدامة في 2025    وفاة زوجة الفنان المصري سامي مغاوري    «الموارد»: 9,000 ريال حد أدنى لمهنة طب الأسنان    متحدثو مؤتمر حفر الباطن الدولي للصحة الريفية يطرحون تجاربهم خلال نسخة هذا العام    وزير النقل والخدمات اللوجستية يُطلق حملة "طرق متميزة آمنة" للعام الخامس على التوالي    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس جامعة حفر الباطن ويتسلم التقرير السنوي    المرور : استخدام "الجوال" يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في القريات    ضيوف الملك.. خطوات روحية نحو السماء    مجلس التعاون يدين استهداف المستشفى السعودي في الفاشر    تجمع الرياض الصحي الأول: نحو رعاية وأثر في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    استشهاد فلسطيني في رفح    استشهاد فلسطيني في مدينة جنين    مؤتمر آسيان الثالث "خير أمة" يختتم أعماله    الدولة المدنية قبيلة واحدة    جامعة طيبة تُعلن بدء التقديم على وظائف برنامج الزمالة ما بعد الدكتوراه    وفد من مؤسسي اللجنة الوطنية لشباب الأعمال السابقين يزور البكيرية    رئيس ديوان المظالم يطلع على سير العمل بمحكمة الاستئناف والمحاكم الادارية بالشرقية    الديوان الملكي: وفاة والدة صاحب السمو الأمير فهد بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    مرتادو جسر ملعب الشرائع ل«عكاظ»: الازدحام يخنقنا صباحاً    رواد المنتزهات وسكان أحياء نجران ل«عكاظ»: الكلاب الضالة تهدد حياة أطفالنا    5 بريطانيين يعيشون ارتحال البدو بقطع 500 كم على ظهور الإبل    لماذا تجاهلت الأوسكار أنجلينا وسيلينا من ترشيحات 2025 ؟    آل الشيخ من تايلند يدعو العلماء إلى مواجهة الانحراف الفكري والعقدي    الدبلوماسية السعودية.. ودعم الملفات اللبنانية والسورية    «الكهرباء»: استعادة الخدمة الكهربائية في المناطق الجنوبية    رئيسة وزراء إيطاليا تصل إلى جدة    10 سنوات من المجد والإنجازات    بمشاركة 15 دولة لتعزيز الجاهزية.. انطلاق تمرين» رماح النصر 2025»    أدب المهجر    نيوم يتغلّب على الطائي بهدف ويعود لصدارة دوري يلو    هاتريك مبابي يقود ريال مدريد للفوز على بلد الوليد    رئاسة الحرمين.. إطلاق هوية جديدة تواكب رؤية 2030    تدشن بوابة طلبات سفر الإفطار الرمضانية داخل المسجد الحرام    جوجل تطلق «فحص الهوِية» لتعزيز أمان «أندرويد»    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    دراسة: تناول الكثير من اللحوم الحمراء قد يسبب الخرف وتدهور الصحة العقلية    تحت رعاية خادم الحرمين ونيابة عن ولي العهد.. أمير الرياض يحضر حفل كؤوس الملك عبدالعزيز والملك سلمان    ترحيل 10948 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة الباحة جاهزيتها لمواجهة الحالة المطرية    لماذا تمديد خدماتهم ؟!    تمكين المرأة: بين استثمار الأنوثة والمهنية ذات المحتوى    المالكي يهنئ أمير منطقة الباحة بالتمديد له أميرًا للمنطقة    «ليلة صادق الشاعر» تجمع عمالقة الفن في «موسم الرياض»    تحديد موقف ميتروفيتش وسافيتش من لقاء القادسية    إنجازات تكنولوجية.. استعادة النطق والبصر    الهروب إلى الأمام والرفاهية العقلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البطالة والثقافة
عبدالله بن بخيت
نشر في الجزيرة يوم 27 - 06 - 2005

في مكتبة من مكتبات البطحاء شاهدت كتاباً بعنوان: (فلسفة الأخلاق) لمؤلفه أحمد أمين أخذت الكتاب بين يدي وقلبته. كنت حينها أتوق لمعرفة الفلسفة ولكن ما دخل الأخلاق في الموضوع. الأخلاق هي حسن التصرف وما يتعلق بالسلوك القويم. كان هناك تعريف غائم في ذهني لكلمة فلسفة لا اتذكره الآن. في تلك الفترة عرفت عدداً لا بأس به من أسماء الفلاسفة الغربيين. كنت أحتفظُ بهم في ذاكرتي بكل جلال وتقدير ومازلت أحتفظُ لهم بنفس الجلال والتقدير حتى هذه اللحظة. ولكن لا أعرف ما الذي كانوا يفعلونه عندما يتفلسفون. كانت كلمة فلسفة تعني مسخرة عند العامة. تسمع من يقول: يا أخي لا تتفلسف علينا.
كنت حينها طالباً في الثالثة متوسط. أقضي معظم وقتي في لعب البلوت أو قهاوي كيلو ستة أو في قراءة الروايات والكتب الشعرية. كانت المدرسة المكان الوحيد الذي يمدني بالتعلم والتدرب. مدرستي آنذاك لا تختلف عن مدرسة اليوم. كمية كبيرة من الأشياء علينا أن نعرفها. حساب وهندسة وفقه وتاريخ ولغة عربية. ومادة واحدة أسبوعياً نتدرب فيها على الرسم وأخرى نتدرب فيها على بعض الحركات الرياضية ولا شيء آخر. في مادة الرسم مثلاً. سمعت مرة المدرس (اسمه حسين فيما أظن) يشرح لنا شيئاً عن المسافة. إذا كانت النخلة بعيدة يجب أن تكون قصيرة وإذا كانت النخلة قريبة يجب أن تكون طويلة. كما سمعته يقول إذا أردت أن ترسم صحراء عليك أن تقسم الصفحة إلى قسمين متساويين. القسم السفلي تضع عليه الرمال والجبال والوهاد والقسم العلوي تتركه لسماء الله النقية. لا أتذكر أكثر من هذا فيما يخص الرسم أما الرياضة فمازلت أتذكر أن مدرس التربية البدنية المصري يقول لنا (لازم تسخن قبل ما تلعب) ثم يتركنا نراكض ونهابد ونصارخ إلى أن نسمع جرس الحصة يؤذن بالنهاية. هذا ما أتذكره عن شيء اسمه تدريب إلى أن تخرجت من الجامعة. كل ما تلقيته خلاف ذلك هو تعلم وتثقف. طبعاً تدربت على لعب البلوت وتدربت على شرب الشيشة وتدربت على لعب الكورة وتدربت على سياقة السيارة إلخ. ولكن كل هذا كان خارج الحياة الممنهجة. عندما أراجع المهارات التي أملكها أجدها كمية لا تستحق هذا العمر المديد الذي عشته. هناك مهارات كثيرة مازالت بعيدة عني رغم أنها جزءٌ لا يتجزأ من الحياة.
منذ البداية زرع في داخلي أن الإنسان يجب أن يكون متعلماً والإنسان الراقي يجب أن يكون متعلماً ومثقفاً في نفس الوقت. عندما دخلت مكتبة البطحاء كنت أعرف أن المدرسة تمدني بالتعلم. فالحساب والفقه والتاريخ هي تعلم ولا يوجد فيها شيء اسمه تثقف. فقررت أن أضيف على التعلم التثقف. لم يكن كتاب فلسفة الأخلاق هو أول كتاب ثقافي أحصل عليه. كنت قد حصلت على كتب لجبران خليل جبران وطه حسين والعقاد وعبدالله القصيمي وعدد لا بأس به من الكتب لمؤلفين أجانب. لم أكن أعرف حينها لماذا يجب أن أكون مثقفاً. بصراحة وحتى الآن لا أعرف لماذا قرأت؟، أن الإنسان المثقف هو إنسان واعٍ واسع الأفق أكثر حكمة يستجيب بسرعة للتطور وأشياء أخرى كثيرة إذا خلطتها مع بعض تفقد دلالاتها. وقد تتضاءل معانيها لكثرتها. لأن الجانب النفعي الذي يمكن قياسه يتضاءل فيها.
سارت حياتي ومصالحي وفقاً لهذين المنحيين من مناحي المعرفة. عندما بدأت في تعلم اللغة الإنجليزية وجدت صعوبة كبيرة. اكتشفت أني مدرب على التعلم والتثقف ولم أكن مدرباً على التدرب. أحفظ القواعد والكلمات والصيغ ولكني لا أعرف كيف أضعها موضع العمل. اكتشفت أن دروس اللغة الإنجليزية التي اتعلمها تدخل في مخي كمادة لتوسيع مداركي وليست مادة لأستفيد منها في معاشي اليومي. لا تدخل كمهارة استخدمها لتسهيل أموري في الحياة وإنما لإثراء شخصيتي. كمن يحاول أن يعرف عن السباحة كل شيء دون أن يعرف أن السباحة هي مهارة وليست معرفة جزء من مهارات الحياة الأساسية. اكتشفت متأخراً أن الحياة الحقيقية هي قبل كل شيء مجموعة كبيرة من المهارات. هناك مهارات تفرضها علينا الحياة وهناك مهارات يُفترض أن نملكها بشكلٍ ممنهج. فالحياة في توسعها وتطورها تفرض كل يوم مزيداً من المهارات. وكلما تقدمت الحياة الإنسانية زادت كمية المهارات التي يحتاجها المرء. لا يتخيل المرء عدد المهارات التي أضافها في حياته في غضون العشر سنوات الأخيرة. يمكن أن تأخذ المهارات مقياس للمعاصرة. إذا أردت أن تعرف أن هذا الإنسان هو جزءٌ من عصره تحقق من المهارات الجديدة التي أضافها إلى حياته. فجهاز الجوال الآن يوجد فيه عشرات الخصائص. استخدامه للاتصال واحدة منها. يمكن أن يكون ساعةً ومنبهاً ومحفظةً وحاسبةً ومسجلاً وكاميرا وجهاز تسلية.. إلخ). ولكن استخدام أي واحدة من هذه الخصائص هي مهارة في حد ذاتها يجب اكتسابها. واكتسابها يعود إلى المراحل الأولى من الطلب. إلى مفهومه عن السمو في الحياة. التعلم والتثقف هما جزء من إحساسنا بالسمو بخلاف التدرب. التدرب ينقلنا إلى جانب التواضع المهني لا السمو العقلي. لا يمكن أن تكون رباباً أو حداداً أو خرازاً أو حلاقاً دون تدرب. نلاحظ مثلاً أن جانب التطبيق العملي في التعلم تلاشى تقريباً في المدارس ولم يسأل عنه. يتخرج التلميذ من المدرسة لم يمر على مختبر. يداه لم تخلقا للتعاطي مع مهنة. وهذا ما يجعل مراكز التدريب تتحول مع الوقت إلى مدارس. قيمة التدرب هي من قيمة المهنة. يمضي الإنسان حياته في الوظيفة لا يتدرب على أي مهارة من المهارات التي تتطلبها وظيفته يكتسبها بالمران وبدون أن يحس. لذا تبقى دائماً ناقصة ومشوهة. زرت قبل أسبوعين مسؤولاً في وزارة العمل. حدثني عن رفض الشباب السعودي التدريب. يريدون الوظيفة بلا تدريب. وأعتقدُ أنهم يريدون وظائف لا تحتاج إلى تدريب. التكدس في وظائف الحكومة الكتابية. فالمسألة لا تتوقف عند عناء التدريب ولكن المسألة مسألة ثقافية. منذ طفولته لم تأصل فيه قيمة المهارة. من الصعب أن تجد واحداً منا يعرف كيف يصلح الأشياء في بيته. السباكة أو الكهرباء أو السيارة هذه من ضمن قيم التدريب وليس من التعلم أو التثقف. لا توجد أسرة واحدة في مجتمعنا سمت قيمتها من اتقانها مهنة من المهن. المهنة تقلل من قيمة الفرد والتدريب وسيلة لإتقان المهنة.
فاكس: 4702164


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.