إنَّ تحديات العصر تدفع بالإنسان العربي للتحرك بعمق؛ للحاق بركب التقدم الحضاري الذي أصبح قضية مصيرية في حياته.. ومن هنا فإنه يجب إحداث تنمية بمفهومها الشامل مبنية على أسس علمية لتفجير طاقات الإنسان وقدراته في مجال الحياة كلّها. والتعليم أهم مستلزمات تلك التنمية، خاصة أننا نعيش في عصر يتميز بسيادة العلم وتطبيقاته التكنولوجية، ويعد تحقيق التنمية الشاملة في مجتمع تشيع الأمية بين أبنائه ضرباً من الخيال؛ ذلك أن الأمية تؤثر سلباً على عمليات التنمية وزيادة الإنتاج، وتؤدي إلى ارتفاع عمليات الهدر والفقر، وسلبية أفراد المجتمع في مواجهة مشكلاته وقضاياه الاجتماعية والاقتصادية والصحية. وعن تجربة مشروع الحي المتعلم المطبقة في محافظة جدة بحي المصفاة كان لنا لقاء مع الأستاذ سمير الحكيم مدير تعليم الكبار في تعليم جدة، حيث سألناه في البداية: منطلقات المشروع وأهدافه * ما هي منطلقات مشروع الحي المتعلم أو القرية المتعلمة؟ - ينطلق مشروع الحي المتعلم من محاور أهمها: توثيق العلاقة بين برامج محو الأمية وتعليم الكبار وخطط التنمية عن طريق المشاركة في إعداد القوى العاملة القادرة على المساهمة في تنمية المجتمع وتطويره. وتفعيل دور المجتمع المحلي ليسهم بفاعلية في مجال محو الأمية. رفع المستوى الثقافي، الصحي، والبيئي، وتطوير العادات والسلوك بين أفراد المجتمع. وضمان تحسين الجوانب النوعية للتعليم، بحيث يحقق جميع الدارسين بالقرية تقدماً ملموساً في التعلم ولا سيما في القراءة والكتابة والحساب والمهارات الأساسية للحياة. ودعم ونشر ثقافة العمل التطوعي بين أفراد المجتمع في جميع نواحي الحياة. ودعم فكرة التعلم من أجل العمل والعيش مع الآخرين على أساس من الاحترام المتبادل والتعامل مع المتغيرات المجتمعية الحديثة. والاهتمام برعاية الأمومة والطفولة المبكرة مع التركيز على المرأة وإعطائها الأولوية في الاستفادة من برامج المشروع. * ما هي أهم أهداف المشروع؟ - يسعى المشروع إلى تحقيق عدة أهداف منها: إيجاد نموذج لمحو الأمية الحضاري: الأبجدي - الثقافي - الاجتماعي - الصحي - الديني - إلخ.. في كل دولة من الدول الأعضاء. والإسهام في خفض نسب الأمية في الدول الأعضاء. وتوسيع مفهوم محو الأمية ليشمل الجوانب الحياتية الأخرى. والإسهام في محو الأمية بمفهومها الشامل وفقاً لمتطلبات العصر. وتفعيل دور المجتمع المحلي ليسهم في برامج محو الأمية وتعليم الكبار. وتطوير قدرات القيادات العاملة في مجال تعليم الكبار والرفع من كفايتها. ودعم الاتجاه لدى الأمي في اعتماد أسس ثابتة لتفسير ما يحيط به من ظواهر. وتطوير السلوكيات من الاتجاهات التي تجعله محترماً للقواعد المنظمة للحياة الاجتماعية ومشاركاً في المسؤولية والإنتاج. وتوطيد الحس المدني وترسيخ القيم الإنسانية الحضارية لديه. وإنماء الاتجاهات والتصرفات التي تمكنه من المحافظة على بيئته الطبيعية والإنتاجية. وهناك أهداف خاصة لمشروع محو أمية الأميين الموجودين داخل نطاق الحي خلال فترة زمنية محددة باستخدام أساليب وصيغ تعليمية متنوعة وهذا يتطلب: تمكين الأميين من المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب. وتكوين الاتجاهات السليمة واكتساب أنماط من السلوك تتفق مع مبادئ الدين الإسلامي. واكتساب بعض المهارات التطبيقية في مجال العمل ورعاية الأسرة والصحة العامة. وتنمية بعض الاتجاهات السليمة نحو التعامل والتعايش مع المجتمع. وتنمية بعض المهارات الحياتية التي تتلاءم مع طبيعة القرية وحاجات الكبار. الخطة الدراسية * ماذا تتضمن الخطة الدراسية لمحو الأمية؟ - في المرحلة الأولى تضمنت الخطة الدراسية الأسبوعية للمشروع تدريس 20 حصة أسبوعياً بمعدل 4 حصص يومياً لمدة فصل دراسي واحد بواقع 20 أسبوعاً وبمجموع عام 400 حصة. هذه المرحلة الأولى.. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التصفية ومدتها اثنا عشر أسبوعاً، وقد بدأت مع غرة شهر صفر للعام الدراسي 1425- 1426ه وبلغ عدد الفصول الدراسية في بداية المشروع تقريباً ستة فصول. وهذه المرحلة خاصة بالدارسين الذين لم يتمكنوا من اجتياز المرحلة الأولى والذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالدراسة في المرحلة الأولى. وتقام مرحلة التصفية في مركزين: مركز في مبرة الريان والمركز الثاني في مدرسة زيد بن الخطاب بحي المصفاة. * ما المقررات الدراسية المعتمدة لبرامج محو الأمية؟ - يتم تدريس المقررات الدراسية الخاصة بمراكز محو الأمية في كل دولة من الدول المنفذة للمشروع؛ رغبة في مراعاة خصوصية كل دولة وأسلوب التعليم فيها.. ويدرس منهج القراءة وتدريبات على الكتابة والرياضيات والتوحيد والفقه والقرآن الكريم. * هل هناك برامج توعوية في المشروع؟ - لمشروع الحي المتعلم محوران رئيسان: الأول تعليمي والثاني توعوي. البرامج التوعوية تكون بواقع محاضرتين أسبوعياً، وهي على النحو التالي: التوعية الدينية لما لها من أثر بالغ في حياة مجتمعنا العربي المسلم، وللعلماء رجال الدين وأئمة الجوامع والخطباء دور وأثر على جميع فئات المجتمع ولهذا فهم من أهم وسائل الدعوة والإعلام التي لا يجوز إغفالها. وتكون اللقاءات فردية أو منظمة مع الجمهور المستهدف في موقع المشروع، وقد تكون عارضة تلقائية كما قمنا به مع رجال الدفاع المدني حيث قدمنا عرضاً كاملاً أمام المشروع.. والنشرة تتضمن بيانات ومعلومات عن المشروع، وطلب المشاركة فيه وتوزع في مراكز التجمع بموقع المشروع. ومن الدور التوعوي تم الاهتمام بالجانب الإعلامي لنقل ثقافة المشروع إلى المجتمع عن طريق الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد على النحو التالي: الصحافة: لدعوة المثقفين للتعاون في المشروع وعرض نماذج ناجحة من المستهدفين في محو الأمية، والاستفادة من رجال الفكر وكتاب الصحف في الإعلام عن المشروع والدعوة للمشاركة فيه. أما المجالات التي تركز عليها الدعوة فهي: أثر الأمية على المجتمع خاصة مخططات التنمية الشاملة والانفجار السكاني وانخفاض مستوى المعيشة. أثر الأمية على الفرد والأسرة خاصة إنتاجية الفرد التي ترتفع بالتعليم، وعلاقاته الاجتماعية وأثر التعليم على المرأة وأفراد الأسرة. دعوة الإسلام إلى التعلم وحثه على طلب العلم، والسعي إليه، والاستمرار فيه، ما دامت في الإنسان حياة. والدعوة للمشاركة ودور القيادات في المساهمة والتبرع للآخرين والمشاركة في جميع مراحل المشروع. وأثر التعليم في ترقية حياة الفرد اقتصادياً واجتماعياً بما يضمن لحاقه بركب التطور ومستحدثات العصر. وليس هذا وحسب، بل هو برنامج ثقافي واجتماعي وصحي وأمني وتعليمي شامل لكل جوانب الحياة. * متى بدأت مراحل التنفيذ الفعلية؟ - بدأت هذه المرحلة مع بداية العام الدراسي 1425-1426ه ومدتها أربعة أشهر حيث تم فتح الفصول بعد تجهيزها، واستقبال الدارسين وتنفيذ البرامج المساندة.. وترجع أهمية هذه المرحلة إلى أنها تمثل التقييم الحقيقي لأعمال مرحلة الإعداد ونتائجها وترجمة واقعية للجهود التي بذلت من قبل وتشمل هذه المرحلة: افتتاح الفصول: حيث تكمن أهمية يوم الافتتاح في العمل على إزالة الرهبة في نفوس الدارسين وتهيئة جو الدراسة لهم، ودفعهم إلى الإقبال على التعلم.. فإذا وجدوا في هذا اليوم جدية في العمل والاهتمام من جانب العاملين بمراكز محو الأمية أيقنوا أن الكل يعمل من أجل مساعدتهم على التعلم والاستمرار فيه. لذا كان لزاماً علينا عمل التالي: تحديد يوم رسمي لافتتاح الفصول بعلم الجميع في الحي. وإبلاغ الدارسين بأن مدة الدراسة خمسة شهور محددة. وإبلاغ الدارسين بمواعيد الدراسة اليومية ونظامها. وتعريف الدارسين بالمعلمين والعاملين بمراكز محو الأمية. وتعريف الدارسين ببعضهم البعض حتى يخلق جواً من الألفة والمودة بينهم. وعند توزيع الدارسين داخل الفصول ينبغي التأكد من الالتزام بالتصنيف العمري والتعليمي إلى حد كبير مع مراعاة الحالة الصحية والجسمية للدارسين. وخصصنا الحصص الأولى من الدراسة بعد الافتتاح لتسجل بعض الملاحظات عن الدارسين ومناقشتهم بأسلوب هادئ وبسيط، وتشجيعهم على الإقبال على التعلم وأهمية مواصلة التعليم. وتعريف الدارسين بالكتب الدراسية وتسليمهم المقررات الخاصة بالمشروع. وحتى يستمر العمل ويستقيم داخل وخارج مراكز محو الأمية لا بد من توافر الأدوات، فلقد تم توفير كافة الاحتياجات الكتابية والمكتبية للمركز. والجدية في تسليم الدارسين الكتب حتى لا يتسرب اليأس إلى نفوسهم لعدم استلامهم الكتب في بداية الدراسة. ورصد المشاكل التي قد تحدث والعمل على سرعة حلها. ويمكن لقيادات الحي المشاركة الفاعلة في دعم العمل داخل وخارج المركز بالزيارات المتكررة وحث الدارسين على الانتظام وتقديم الدعم المعنوي والمادي لهم. والإشراف والمتابعة الدورية لسير العمل. وحسن معاملة الدارسين من جميع العاملين بالمركز. وحصر حالات الغياب والتعرف على أسبابها والعمل على حلها كلّما أمكن ذلك. ومع انطلاقة المشروع بدأ فريق العمل المكلف بالمشروع التنسيق مع الجهات ذات العلاقة بتنفيذ البرامج الدعوية الدينية والاجتماعية والأمنية والأسرية والصحية والبيئية وتنمية المهارات الحياتية للدارسين وأبناء القرية المتعلمين أيضاً سواء تم ذلك داخل مراكز محو الأمية أو خارجها، على أن يوضع مخطط لهذه البرامج يشمل اليوم والتاريخ وعنوان البرنامج والجهة المسؤولة عن التنفيذ واسم المحاضر ومكان المحاضرة وطريقة التنفيذ، وأن يتم إعداد تقرير عن كل برنامج ينفذ ويرفع إلى فريق العمل. الطلاب الدارسون في المشروع بفضل من الله لقد بلغ عدد الطلاب 350 طالباً تقريباً موزعين على مركزين في حي المصفاة الأول في مدرسة زيد بن الخطاب وبه عشرة فصول دراسية والمركز الثاني في مبرة الريان وبلغ عدد الفصول به ستة فصول دراسية.. ويقوم بتدريسهم ما يقارب 35 معلماً.. ويقوم بالإشراف على البرنامج التعليمي التربوي ويشرف على البرامج التوعوية والإعلامية الأستاذ حسن صالح الزهراني.. ويبدأ البرنامج اليومي من بعد صلاة المغرب إلى الساعة التاسعة والنصف بواقع أربع حصص يومياً، يتلقون فيها معارف في القراءة والكتابة والرياضيات وقراءة القرآن. وعن مرحلة التصفية قال الأستاذ محمد شعبان المشرف على البرنامج: تم عمل الآتي: القيام بحصر لأعداد الأميين الذين لم يلتحقوا بالفصول في مرحلة التنفيذ ومعرفة أماكن وجودهم ودراسة أسباب عدم التحاقهم في المرحلة السابقة. وإعداد قائمة بالدارسين الذين لم يجتازوا الاختبارات التوعوية في المرحلة السابقة. وتكثيف جهود الدعوة والإعلام لهذه الفئة والعمل على إلحاقهم بمراكز محو الأمية في مرحلة التصفية. واختيار المعلمين الأكثر كفاءة للتدريب في هذه المرحلة. واختيار أماكن للدراسة تكون أكثر جذباً للدارسين في هذه المرحلة. وإعلام وإعلان يوم افتتاح الدراسة مرة أخرى لهذه الفئة ودعوة القيادات الرسمية والمحلية للمساهمة بفاعلية في نجاح هذه المرحلة. ومدة الدراسة الفعلية لهذه المرحلة ثلاثة شهور. ويتم التركيز على اكتساب المهارات الأساسية في القراءة والكتابة وقراءة بعض الجمل البسيطة بالإضافة إلى التعرف على الأرقام نطقا وكتابة. ويتم في هذه المرحلة إتاحة الفرصة أمام جميع الراغبين في الالتحاق بالمشروع بهدف تجويد مخرجات المشروع وزيادة فاعليته في التأثير على مجتمع الحي. مرحلة المتابعة والإشراف والتقويم تمثل هذه المرحلة أهم جوانب تسيير المشروع؛ فمن خلالها يتم الإشراف ومتابعة تقويم عمليات التنفيذ بدقة ومدى مسايرتها لمتطلبات العمل في المشروع، وذلك بناء على مدى جدية أجهزة المتابعة والتقويم المكلفة بالعمل في المشروع. المتابعة والتقويم * ما هي أهمية المتابعة والتقويم؟ - تكمن أهمية المتابعة والتقويم في مشروع القرية المتعلمة في أنها تساعد على تحديد الإنجازات الكمية والنوعية التي حققها البرنامج بموجب الأهداف التي حددت له والظروف التي أقيم فيها. ويعد وسيلة مهمة لمعرفة مدى التقدم الذي يحرزه الدارسون في المشروع وتشخيص نقاط الضعف والقوة فيهم. وتحديد المجالات التي تتطلب استخدام الإجراءات العلاجية والتصحيحية لجوانب المشروع. واقتراح التعديلات التي يجب إدخالها على المشروع. وتبيان دور المؤسسات الخدمية والأفراد في مواقع تطبيق المشروع من حيث تأثيرها على معدلات النجاح والفشل في المشروع. * ما عناصر التقويم ومراحله في المشروع؟ - يشمل تقويم مشروع القرية المتعلمة العناصر التالية: تقويم أهداف المشروع العامة والخاصة، وتقويم الحصر والتصنيف والتسجيل، وتقويم عمليات الدعوة والإعلام، وتقويم برامج التدريب، وتقويم الدارسين، وتقويم المعلمين، وتقويم بنية التعلم - الفصول والمراكز، وقياس فاعلية البرامج المساندة. * ما خطوات عملية التقويم؟ - هناك خطوات ومراحل يجب أن نشير إليها في عملية تقويم البرنامج ويمكن تلخيصها على النحو الآتي: تحديد واضح للأهداف. وتحديد دقيق للمظاهر السلوكية الملاحظة إذا ما تحققت الأهداف. وتحديد المجالات التي يراد تقويمها والمشكلات التي يراد حلها. واختيار الأساليب والأدوات التي تستخدم لجمع البيانات وإعداد القوى البشرية المدربة لعملية التقويم. وتحديد برنامج التطبيق للأدوات والأساليب. وتحليل البيانات واستخلاص النتائج. وإصدار أحكام وفق نتائج التحليل والتقويم. وعن مراحل المشروع القادمة أعرب الأستاذ سمير الحكيم بقوله: إننا في نهاية المرحلة الأولى، وسوف تبدأ مرحلة التصفية النهائية للدارسين الذين لم يتمكنوا من اجتياز البرنامج أو الذين لم يتمكنوا من التسجيل في البرنامج من أوله، وستستمر مرحلة التصفية إلى نهاية العام بإذن الله، وبهذا نكون حققنا الهدف بإذن الله في محو أمية سكان الحي، وسوف يكلف بتعليم هذه المجموعة نخبة من المعلمين الذين سبق لهم العمل في مشاريع محو الأمية.