في كتابه حديث الشعر الذي صدر مؤخرا خص الدكتور عبداللطيف عبدالحليم (أبو همام) تجربة الشاعر الأمير عبدالله الفيصل في فصل كامل ضمن تناوله للتجارب الشعرية لبعض رموز الشعر العربي ومنهم علي الجارم وعبدالعليم عيسى ونزار قباني والعقاد وأحمد شوقي. عاطفية الفيصل وتحت عنوان شاعرية عبدالله الفيصل أكد أبو همام أن الرقة العاطفية كانت هي السمة الغالبة على شعر الفيصل، فلا يكاد قارئه يفلت من ملاحظتها، ولا يكاد صاحبها أيضا فيما عرضت له من قصائده من موضوعات أخرى تشي لأول بادرة انها نائية عن العاطفية. وتناول أبو همام اثر البيئة والثقافة في صوغ وجدان الفيصل وقدرته الإبداعية، وقال إنها واضحة ومنكرها ينكر شيئا معلوما من الشعر.. وقد كان عبدالله الفيصل نبتا لهذا الأثر بيئة وثقافة. ويضيف أن تاريخ الشعر العربي عرف هذه الرقة العاطفية في رجال لهم وزنهم في هذا التاريخ ولا يزالون يباشرون تأثيرهم حتى الآن، فعرفت الجزيرة العربية الشعر العذري ممثلا في عروة بن حزام والمرقش الأكبر والأصغر وجميل بثينه والمجنونين بليلى ولبنى وكثير عزة، كما عرفت الأمصار العباسي بن الأحنف وهو قمة في هذا الاتجاه وشعراء الأندلس من ابن زيدون حتى ابن الخطيب، كما عرف الشعر شعراء اليتيمة وإخوان هذا الطراز وأعقبتهم بعد زمن جماعة أبوللو ومن يدلي إليها بنسب.. وثمة طائفة أخرى من الشعراء الغزليين مثل عمر بن أبي ربيعة وبشار ومن يمت إليهما بسبب. ويصنف أبو همام الأمير عبدالله الفيصل في الفريق الأول قائلا: إنه ربما تنازعه الفريق الثاني، ونحن آمنون من مغبة هذا التصنيف مدركين أن الشاعر الحق لا يستغرقه اتجاه واحد، وأن هذا التنازع مشروع على مستوى التجارب ومستوى الأداء . وعن المقارنات التي يجريها البعض بين الفيصل وشاعر الشباب أحمد رامي فيرفضها أبو همام مؤكدا أن الفيصل تتعدد لديه المواقف، وتعددها دليل على أنه يغرد خارج السرب، والشاعر الأصيل دائما يخرج خروجا محسوبا وبنظام لأننا نجد لديه تجارب الشك والغيرة والرضا والسخط والقنوط والأمل والفرح والألم وإن كان ألمه مما يفرحه أحيانا، ولا تثريب عليه. ويضيف قائلا: هل يملك القارئ أن يغض الطرف عن تلك التجربة الجيدة تجربة الشك وهى مما نظن من شعر الشباب قبل استعلاء السن التي تروض من الفتى العاشق ما لا يراض إلا بها؟ وقد أسعدت التجربة صياغة شعرية رائعة سهلة وعميقة وذلك في رائعته (ثورة الشك) التي تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم الشك والحيرة. ويعلق المؤلف على رائعة الفيصل (ثورة الشك) قائلا: إن مثل هذا النغم مما يجافيه الغزل النموذجي وتنأى عنه رقة الشعراء الراضين في كل المواقف ونظنه من ثمرات التجديد النقدي الداعية إلى أن يعبر الشاعر عن تجربته أيا كان كفلها من الثراء أو الفاقة لأنها تجربته هو، وحسبه هذا استقلالا في المشاعر والأداء. ويضيف أن تجربة الشك عند عبدالله الفيصل يتجاذبها شواظ الحيرة دون أن يحرقها، وفي الاحتراق راحة لكنها عنده تظل شواظا لاهبا مشدودا بحبل من النار، وفي ود الشاعر أن يستريح وأن يفيء إلى اليقين، واليقين الذي يريده ألا يتأكد الشك بل يتأكد عدمه، ويسعد التجربة خيط درامي يمتد ما بين المراجعة والتأمل وما بين حديث النفس وجوارح الشاعر، وكل جارحة تؤدي وظيفتها لكنها لا تخرج عن دائرة الحيرة الحاصرة القابضة. وينتقل المؤلف من هذه التجربة إلى تجربة أخرى أو جملة من التجارب الخاصة بالفيصل التي لا تخرج عن دائرة الحرمان، لكن دائرة الحيرة أصعب حرمانا وأشد هولا؛ لأن الصد ربما لا تداخله شكوك فيظل الباب غير موصد.. وربما كانت قصيدة (هل تذكرين) - وهى أولى قصائد ديوان وحي الحرمان - هي التي اختارت نفسها قبل أن نختارها كنموذج لهذه التجربة، وهى القصيدة التي تجمع كلماتها متناقضات في اللغة، ولكنها في قاموس الحب أخوات شقيقات وهي من سرائر الإلهام إذا كان لا يتعمدها الشاعر.. أما إذا قصد إليها فهي من براعاته. الفيصل وجماعة أبوللو وحول مدى ارتباط شعر الفيصل بجماعة أبوللو يقول أبوهمام: إن الفيصل بشعره وبنزعاته النفسية قريب وقرين من ومع هذه الجماعة. ويؤكد أبو همام أن أثر هذه الجماعة في شعر الفيصل لا يلغي إرادته، فهذا الأثر لم يكن ليصنع صنيعه لولا أنه صادف نفسا قريبة منه واستعدادا خاصا كان سينزع هذا المنزع ولو لم يقرأ جماعة أبوللو. ويشير أبو همام إلى أن الفيصل اجال النظر وأعاد كرة الطرف في التراث الشعري القديم وفي التراث الحديث أيضا؛ ولذا نلمح في كلامه قرابة من كلام رصفائه الأنجاد من جماعة أبوللو ومن عزيز أباظة باشا في إتقان وإجادة معروفين عن الباشا وترف العبارة وصقلها.. ولا يعدم الفيصل أيضا اجالة الطرف وتلبثه لدى ابن زيدون ومعارضيه من المحدثين شوقي والرافعي والجارم. وينتقل أبو همام إلى منطقة أخرى في شعر الفيصل فيقول إنه كان ينظم شعره كله وعينه على الغناء، وقد غنيت له أكثر من قصيدة، ونعتقد أن الغناء يقتضي ضربا من الصياغة لا تتأتي مع غيره، وربما كانت الموشحات شاهدا على ما ذلك حيث نشأتها غنائية؛ ولذا كان شعر الفيصل وفاقا مع الغناء ومتطلباته من العبارة السهلة ومن الإيقاع الراقص في أغلب الأحيان، بل إنه اجترأ اجتراء محمودا حين ركب الموشحة وجمع بين البحور في قصيدة واحدة مثلما فعل في قصيدة (فرحة الحب).. ولعل هذا الجمع مسوغ لانتقادات حالات الوجدان والمواقف بين المتقارب والخفيف والرمل متنقلا بين هذه الأنغام، وثابا لا تعوقه شكول مما يعوق الخفاف من الشعراء. ويؤكد أبو همام أن اجادات الشاعر الفيصل شاهدة بنفسها على قدرة فذة تحسن السبح والغوص وتخرج لآلئ جيدة تحسب للشاعر في مسيرة الشعر السعودي وفي مسيرة الشعر العربي.