إن التفكر في نعم الله يبعث الشكر في النفوس لتشكر الله على النعم الوافرة التي لا تعد ولا تحصى، والاعتراف بفضل الله على العبد نوع من أنواع الثناء على المتفضل سبحانه وتعالى: فما أكثر نعم الله علينا، وما أوسع فضله في جميع شؤون الحياة ومناحيها التي أسبغها ظاهرة وباطنة، ولن نحصيها مهما عددناها كما قال تعالى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) والله سبحانه وتعالى قد أذن لنبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- أن يتحدث عن نعم الله فقال ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فلا حرج من تذكر ما كانت عليه هذا البلاد قبل اكثر من ثمانين سنة، من ضعف الدين والخوف والجوع والجوع والسلب والنهب والأمراض ونقص الأنفس والثمرات، وتفشي الشرك والجهل بالدين علاوة على الجوع الشديد، ونتذكر ونذكر أن بعض أهل هذه البلاد كانوا يسافرون في ظل الخوف من الطريق والجوع إلى دول بعيدة عبر الصحاري وفي البرد القارس وربما الحر الشديد أو تحت المطر بحثاً عن لقمة العيش بل كان أحدهم لا يزور جاره إلا وسلاحه معه، ولقد كان المرض يفتك بالأسرة عن بكرة أبيها لا وقاية ولا مشافي. أما اليوم- ولله الحمد والمنة والفضل- نرى الفارق الكبير بين ذلك الزمان وهذا الزمان بعد توفيق الله ثم ظهور الإمامين الجليلين- رحمهما الله رحمة واسعة- الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبدالوهاب وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين مروراً بعهد الملوك الكرام الذين قادوا هذه البلاد إلى ما وصلت إليه الآن ولله الحمد. وجميعنا يلحظ كيف علت كلمة التوحيد ووطدت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فساد الأمن وتوفرت النعم بشكل كبير ناهيك عن أنواع الطعام حيث ننتقي ما نشتهي ويتوفر حتى ما لا نشتهي طازجاً، وأصبح لدينا أرقى المستشفيات وأضخم المراكز الطبية التخصصية (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ(. إن تلك النعم التي ننعم بها اليوم تحتاج إلى شكر مستمر، فبالشكر تدوم النعم وتزيد وبضده يحل العذاب الشديد قال الله تعالى: )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ( فالذي أعطى هذه النعم قادر على سلبها ولن تعود إذ لم نحسن جوارها، كما قال- صلى الله عليه وسلم- لعائشة رضي الله عنها: (أحسني جوار نعم الله فإنها ما نفرت من قوم فعادت إليهم) ولنا فيما جرى للأمم السابقة عبرة، كقوم سبأ وعاد وثمود وفرعون، وقد قصّ الله علينا سيرتهم في القرآن العظيم قال الله تعالى: )أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ، وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ، وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ( وقال تعالى )لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ(. وقال تعالى مبينا قدرته على هلاك من لم يشكر نعم الله (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) وقد ضرب الله لنا الأمثال لندرك ما هي نهاية كفران نعم الله فقال تعالى: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) فلنتفكر فيما يجري من حولنا وعن أيماننا وشمائلنا، ففيه العظة والعبرة، ولننظر نظرة ثاقبة بفهم وإدراك لسنن الله في خلقه فإنها لا تحابي أحدا، فإذا حلت الذنوب وكثرت المنكرات كان غضب الله، قال الله تعالى: ( أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ) فلنعتبر قبل أن تحدث المفاجأة لا قدر الله، فإن بيننا من المنكرات والذنوب ما الله به عليم، وإن الرائي ليبصر ويشاهد المنكرات في وقت قلّ المبادر لإنكار هذه المنكرات وعلينا أن نعلم أن السعيد من وعظ بغيره.وعلينا أن نحسن جوار نعم الله وطاعته والاستجابة لأوامره والقيام بما فرض الله وأوجبه مع الابتعاد عن كل ما نهى الله عنه وحرمه. * رئيس مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدخنة