سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ الفاضل خالد بن حمد المالك حفظه الله وبعد استدراكاً لما كتبه الأستاذ حمود المزيني في هذه الصفحة يوم السبت 14 - 3 - 1426ه معقباً على المؤرخ الفاضل د.محمد بن سعد الشويعر حول ما كتبه عن نشأة بعض البلدان في نجد وقد ركز المعقب المذكور على نقطة أراد من خلالها تصحيح خطأ تاريخي كما ذكر بينما هو في الحقيقة صواب أراد تخطئته ونظراً لما اشتمل عليه ذلك التعقيب من جملة أخطاء تتعلق بتاريخ المجمعة بشكل مباشر فقد كان لي هذا الاستدراك عليها رغبة في تبيين الحقيقة للقارئ الكريم وبالله أستعين. 1- رواية ابن عيسى عن عمران المجمعة: وهي رواية مشهورة نقلها المؤرخ ابن عيسى - رحمه الله - عن السابقين من الرواة حول عمران المجمعة وتداول ذرية مؤسسها عبدالله الشمري لإمارتها حتى تغلب (كما ذكر المؤرخ) آل عسكر على إمارتها وهذه الرواية سبق وأن تعرضت لمحاولة تخطئة من قبل مؤلف كتاب (الإفادات) بدافع الصعبية العمياء منه وعليه سار متبعو منهجه المتغافل للحقيقة متذرعين بوجود أمراء آخرين تولوا إمارة المجمعة في الفترة التي بين إمارة الشمري وإمارة العسكر وأنه قد ورد ذكرهم في بعض التواريخ النجدية، قلت: إن الإمراء الذين استشهدوا بهم كان غالبهم معينين على إمارة منطقة سدير كافة. وليست المجمعة وحدها وإنما كان مقر الإمارة العامة لسدير في عهد الدولة السعودية الأولى متنقلاً بأكثر من بلد بني سدير غير المجمعة مثل: جلاجل والتويم وهذا واضح لمن تمعن في قراءة كتب التاريخ التي غطت تلك الفترة. 2- قوله إن الفترة التي بين آخر أمير وأول أمير... الخ. قلت: الصحيح أن إمارة المجمعة بعد ذرية عبدالله الشمري قد عين فيها تارة أشخاص وتغلب عليها تارة آخرون وهذا ثابت لا محالة أما قول ابن عيسى في حديثه الذي مرت الإشارة اليه: إلى أن ضعفوا وتغلب عليهم آل عسكر، فهذا لم يحدد فيه المؤرخ - رحمه الله - أميراً بعينه من آل عسكر ولا زمناً محدداً من التاريخ حتى يتعرض للنفي بشكل قاطع مثلما حاول مؤلف كتاب (الإفادات) - عفى الله عنه - وهذا أمر بات مفروغاً منه عند أهل البلد العارفين للتاريخ. 3- قوله: إن آخر أمير من ذرية الشمري هو حمد بن عثمان! قلت: حمد المذكور هو حمد بن عثمان بن حمد بن علي بن سيف بن عبدالله الشمري - رحمهم الله - كان أميراً من سلالة أمراء كرام تعاقبوا على إمارة المجمعة ولا ينكر التاريخ دورهم ومكانتهم الكبيرة في البلد منذ تأسيسها على يد جدهم الأعلى - رحمه الله - حتى قيام الدولة السعودية الأولى والتي عاصرها حمد بن عثمان المذكور وقد أعددت لهم تراجم خاصة ووافية ولله الحمد في كتابي الإشادة بمن تولى في المجمعة الإمارة وهو لا يزال مخطوطاً وأسأل الله أن ييسر في خروجه للنور. وإنما حمد بن عثمان - رحمه الله - ليس كما ذكر الكاتب بأنه آخر أمير في ذرية الشمري إذ إن أخيه عثمان بن عثمان قد تولى إمارة المجمعة من بعده لفترة قصيرة ثم تغلب عليها الأمير ناصر بن عقيل بن بدر الملقب (جعوان) وهو جد أسرة آل جعوان في المجمعة وهذا الأمير قد ذكره ابن لعبون في تاريخه كما ذكره المؤرخ الفاخري - رحمهما الله - وقد أرخا وفاته سنة 1206ه. أما من ناحية إمارة الشمري فإن هناك أميراً أغفله الكاتب وهو أمير مشهور وجد لأسرة معروفة اليوم تحمل اسمه وهو مزيد بن حمد بن عثمان بن حمد بن علي الذي تولى إمارة المجمعة بعد عودته من الدرعية سنة 1236ه (انظر تاريخ ابن بشر) وكان الأمير مزيد - رحمه الله - قد استعاد إمارة المجمعة من صهره الأمير عقيل بن ناصر بن عقيل بن بدر الذي تولى إمارة البلد بعد وفاة أبيه عام 1206ه وهذا الأمير (أي عقيل) لم يرد ذكره في كتب التاريخ وإنما رأيت إمارته مثبتة في الوثائق التي تعود لتلك الفترة وله مراسلات مع الإمام عبدالله بن سعود - رحمه الله - آخر حكام الدولة السعودية الأولى. وكذلك تولى إمارة المجمعة من ذرية الشمري عبدالله بن ناصر بن حمد بن عثمان (ابن أخ الأمير مزيد) وقتل سنة 1237ه وله قصة أوردها ابن بسام في (تحفة المشتاق) وخلال تلك الفترة التي بين وفاة الأمير ناصر بن عقيل بن بدر - رحمه الله - وتولي الأمير مزيد بن حمد بن عثمان لإمارة المجمعة هناك أمراء كثيرون تولوا إمارة المجمعة خاصة وسدير عامة لكن المؤرخ ابن بشر لم يوضح في تاريخه سوى أسماء من تولوا إمارة سدير عامة مع عدم تحديد مكان ومقر الإمارة أو الأمير (الرسمي) هل هو في المجمعة أم في بعض بلدان سدير المشار إليها في أول الحديث ففي حالة تولي إمارة سدير شخص من غير أهلها يكون مقره في أكثر من بلد مثل: جلاجل أو التويم وفي هذه الحالة يتولى إمارة المجمعة أمير مستقل ويتبع أمير سدير العام وخلال بحثي في الوثائق تمكنت بفضل الله من الوقوف على أسماء أمراء كثيرين من ذرية الشمري ومن أسرة العسكر ومن أسرة الصالح وكلتا الأسرتين الأخيرتين من آل بدر من الجلاس من عنزة ومعلوم عند من لهم عناية بالأنساب أن آل جعوان الذين جدهم الأمير ناصر بن عقيل المتوفى عام 1206ه يلتحقون بآل عسكر حيث شمل اسم العسكر جزءاً كبيراً من آل بدر أهل المجمعة. 4- قال إن عبدالله بن جلاجل عُين بدلاً من حمد بن عثمان! قلت هذا النص فيه خطأ فادح وقع فيه الكاتب ويدل على استعجاله معتقداً أن تصرفه سيمر على القارئ دون انتباه ولأنه اعتاد مخاطبة العامة في كتاباته وليس العارفين بالتاريخ حيث إن الأمير عبدالله بن جلاجل - رحمه الله - تولى إمارة سدير وكان مقره في بلده جلاجل كما ذكر ابن بشر في تاريخه عام 1191ه ولم يحصل للأمير المذكور إمارة مباشرة على المجمعة بل كان أمير المجمعة في حينه يرجع إليه في جلاجل وهذا يؤكد ما ذكرته أعلاه في الفرق بين إمارة المجمعة خاصة وإمارة سدير عامة. 5- أما قوله: إن أول أمير من آل عسكر فهو إبراهيم بن سليمان العسكر الذي عينه الإمام عبدالله الفيصل سنة 1278ه الخ قلت وقع الكاتب الكريم (والذي لا أدري كيف يقرأ التاريخ) في أخطاء كبيرة لا تحتمل ومنها: أ- ذكره بأن الذي عين الأمير ابراهيم بن سليمان العسكر هو الإمام عبدالله الفيصل سنة 1278ه! قلت: المعروف عند من قرأ التاريخ جيداً أن الحكم في ذلك التاريخ كان للإمام فيصل بن تركي - رحمه الله - (والد الإمام عبدالله) والمتوفى عام 1282ه وكانت للإمام فيصل مراسلات مع الأمير ابراهيم بن سليمان العسكر - رحمه الله - قبل ذلك التاريخ بسنوات. وابراهيم العسكر ليس أول أمير من آل عسكر بل سبقه أبوه سليمان بن حمد العسكر - رحمه الله - بزمن طويل تم تركها (أي الإمارة) من نفسه وكان ذلك بعد سنة 1207ه وهو الذي رشح ابنه ابراهيم عند الإمام فيصل ولعلي هنا أشكر الأخ عماد العتيقي الذي كتب بحثاً في مجلة الدارة عن علماء أسرته الكريمة وأثبت من ضمن وثائق أسرته وثيقتين واحدة تؤكد إمارة سليمان بن حمد العسكر سنة 1257ه والثانية تؤكد إمارة ابراهيم بن جماز من أهل شقراء على المجمعة سنة 1242ه ومن هذا يعرف أن إمارة المجمعة قد شهدت أطواراً عديدة بين أمراء محليين وآخرين من خارجها ولهذا تفاصيل قد يطول بنا الحديث عنها. ب- لعل من الأخطاء الملفتة لنظر من له عناية في كتب المؤرخين النجديين وأزمانهم خطأ وقع فيه الكاتب قوله عن إمارة ابراهيم العسكر بعد مقتل ابن دغيثر: كما هو موضح في تاريخ ابن غنام وتاريخ ابن بشر. وقد وقع هنا في خطأ فادح آخر ولا خروج منه إذ إن ابن غنام مات قبل ابن دغيثر المذكور بثلاث وخمسين سنة! فكيف يؤرخ له؟ ووفاة ابن غنام - رحمه الله - عام 1225ه وكذلك الحال مع ابن بشر - رحمه الله - الذي توقف تاريخه عند سنة 1267ه لم يؤرخ لابن دغيثر في تاريخه ولا للأمير سليمان بن حمد العسكر وابنه ابراهيم بشكل قاطع ولا أعلم من أين أتى كاتبنا بهذا الجديد من التاريخ! ج - أما عبدالله بن دغيثر - رحمه الله - فلم يذكر التاريخ توليه إمارة المجمعة بشكل رسمي وإنما كانت إمارته على سرية اتخذت من المجمعة موقعاً لها أثناء توجهها إلى القصيم بأمر من الإمام فيصل بن تركي - رحمه الله - كما ذكر ابن عيسى في (عقد الدرر) حيث جعله الإمام فيصل أميراً على غزو أهل الوشم وسدير الذين ساروا إلى بريدة وقد نص ابن عيسى على توليه إمارة (الغزو) وليس المجمعة أو سدير. وأنا في تعقيبي على الأخ حمود أدعوه للتبصر بما يقدم عليه من كتابات وتعقيبات خاصة في (التاريخ) لأن هذا العلم له أناس متمكنون فيه ولديهم المعرفة التامة في دقيقة وجليلة وخفاياه التي قد لا تتيسر لكل باحث خاصة من ناحية مصادره ومراجعه المخطوطة (وليس كل من قرأ في كتب التاريخ صار مؤرخاً) كما أن هناك أموراً وأحداثاً لم تدون من قبل المؤرخين الذين وجدت مؤلفاتهم وطبعت بينما نجد كثيراً منها في الوثائق ولعل من أبرزها (أسماء أمراء البلدان) والله أسأل أن يوفق من فيه الخير للخير. عبدالله بن حمد بن محمد العسكر /المجمعة