تبذل السلطات الأمنية جهوداً مضنية، لتلمس أسباب وعوامل وجود الجريمة في المجتمع السعودي، وتعمل على مكافحتها بأساليب وصور متعددة، مستمدة تلك الأساليب والطرق من الشريعة الإسلامية، مستخدمة مراحل ثلاث: مرحلة ما قبل ارتكاب الجريمة، ومرحلة المكافحة أثناء ارتكاب الجريمة، ومرحلة المكافحة بعد ارتكاب الجريمة. هذه المقدمة تدعونا للتأمل جيداً، في تجريم مجلس الشورى لعمليات الاعتداء على المال العام ومكافحة سوء استعمال السلطة، حيث يتأهب المجلس غداً الأحد لإقرار نظام نجزم أن المجتمع السعودي في حاجة ماسة إليه، فقد أصبحت جرائم الاعتداء على المال العام وسوء استعمال السلطة، ممن لا يخافون الله ولا يتقونه، تقض مضاجع المجتمع، إذ إن هناك فئة فاسدة مفسدة تقدم على نشر الفساد، والعبث بالأموال العامة التي يخطئ البعض فهم أبعاد السطو عليها، وابتزازها دون وجه حق مشروع، ولا يدرك أنه يرتكب جريمة قال عنها أحد المشرعين المسلمين (إنها محظورات شرعية زجر الله عنها بحدٍ أو تعزيرٍ) وقال آخر:(إنها إتيان فعل منهي عنه) ومن ثم فَرَض التشريع الإسلامي المطبق في المجتمع السعودي (عقوبات شرعية، تاركاً لولي الأمر تقديرها، بحسب ما يرى به دفع الفساد في الأرض ومنع الشر). ويأتي مجلس الشورى اليوم ليكرس (زجر ما نهى الله عنه بحدٍ أو تعزيرٍ لحق لا يقبل الإسقاط من أحد من الناس) ويفرض عقوبات على أفعال محرمة شرعاً، وخطايا وآثام، والإثم - كما قال الإمام ابن تيمية -:(هو المبطئ عن الوصول إلى المعاني الإنسانية العالية، والخطيئة تدل على استحكام الشر في القلب). من هنا فإنَّ مجلس الشورى - وهو يوشك الدخول في دورته الرابعة - يجرم الاعتداء على المال العام وسوء استخدام السلطة، لكونهما جريمة تتوافر فيها الأركان الثلاثة وهي: أولاً: الركن الشرعي وهو: النص الشرعي الذي يبين الجريمة، ويحرم ارتكابها، ويحدد عقوبتها. الثاني: الركن المادي وهو: وقوع وحدوث الفِعل المكوّن للجريمة، سواء أكان فعلاً، أم امتناعاً يترتب عليهما الأذى بآحاد الناس، أو الإفساد في المجتمع. الثالث: الركن المعنوي وهو: أن يكون الإنسان بالغاً عاقلاً ذا إرادة حرة، فاهماً للتكليف عند ارتكاب الجريمة، وبهذا لا تثبت الجريمة في الشريعة الإسلامية، إلا على من كان عاقلاً كاملاً، بالغاً يتمتع بالحرية والاختيار والادراك الصحيح، قاصداً النتائج التي يسعى إليها. إن الأساس في اعتبار الفعل جريمة في الشريعة الإسلامية - وفقاً للدكتور خالد بن سعود البشر - هو مخالفة أوامر الدّين، والتعدي على حدود الله، وبالتالي فإنَّ من يخرج أو يتعدى حدود الله فقد ظلم نفسه، ووجب عقابه لردعه، وإصلاح أمره، وحماية المجتمع من أخطاره، وكل هذه أمور يُقعدها مجلس الشورى من خلال نظام حماية الأموال العامة، ومكافحة سوء استعمال السلطة. يكافح الشورى سلوكاً غير إنساني أبسط تعريف له وضعه الباحثون والدارسون أنه (سلوك لا اجتماعي) أي أنه سلوك شاذ غير سوي يتولى دراسته (علم الإجرام) الذي ما زال في نظر كثيرٍ من المنظرين يفتقر إلى استقلال واضح، أسوة ببقية العلوم الاجتماعية والطبيعية الأخرى. الجريمة ما تزال تشغل أذهان المجتمع السعودي، وتاريخ الفكر الإنساني شهد تحولاً كبيراً في تفسير طبيعة الجريمة، ومطلب بحثها ليس بمطلبٍ حديث، والإنسان هو المسؤول الأول عن سلوكه الخاطئ المنحرف، والإنسان تصدى ويتصدى للجريمة بالعقاب، قبل أن يفكر في سبب الجريمة، وعوامل السلوك المنحرف، وتبعاً لذلك ينبغي أن يكون العقاب شديداً قاسياً، وهو ما توخاه مجلس الشورى من إقرار النظام الجديد لحماية الأموال العامة، ومكافحة سوء استعمال السلطة.