وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودَيْن مستحق الوطن هو الدم الذي يجري في عروقنا، والهواء الذي نستنشقه، والحضن الذي نلجأ إليه بعد الله إذا هبّت علينا أعاصير الغربة، فعزته وتطوره وأمنه واستقراره أمانة في أعناقنا نُسأل عنها يوم القيامة. ولكن كل ذي نعمة محسود.. ففي الوقت الذي تعيش فيه بعض الدول نظاما دكتاتوريا نرى أبواب مسؤولينا مفتوحة على مصاريعها تستقبل الصغير قبل الكبير والضعيف قبل القوي والفقير قبل الغني.. تتمنى أن يسدى إليها النصح لتعمل به إن كان صائبا، عملاً بقوله تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }(38) سورة الشورى. كذلك في الوقت الذي تعيش فيه بعض الشعوب فقراً مدقعا - اللهم لا شماتة - يعيش مجتمعنا في رغد من العيش استجابةً لدعاء إبراهيم الخليل عليه السلام {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}(126)سورة البقرة.وفي الوقت الذي تعيش فيه بعض المجتمعات حياة سلب وقتلٍ وتشريد وإباحية، يذوق مجتمعنا في كنف الشريعة الإسلامية طعم الأمن والاستقرار. من هنا غزا الإرهاب أرضنا باحثاً عن النفوس الضعيفة التي فهمت الإسلام فَهْماً سطحياً ليوسوس في صدورها جاعلاً الباطل حقاً والشر خيراً، مستولياً على قلوبهم حتى يوظفها لخدمة الشيطان، لكن (الظفر لا يخرج من اللحم)، فلا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي إزاء رياح الإرهاب التي تهيمن على نفوس أقلية من أبنائنا حتى أصبحت تغالي في فهمها لديننا الحنيف ناكرةً على الإسلام حسن المعاملة وعلى العرب كرم الضيافة وعلى الوطن مسيرة التقدم.. لهذا حرصت حكومتنا أشد الحرص على كسب هذه الفئة وتنويرها بالحقيقة حتى تصحو من تأثير تخديرها وتعود إلى رشدها.. وهكذا علت صيحة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز (إن باب التوبة مفتوح) فليس من العيب أن يخطئ المرء ولكن العيب أن يستمر فيه. إنَّ الكثير من هذه الفئة تاب وعاد إلى وعيه فلاقى عفو حكومته المتسامحة؛ لأن الإرهاب دخيل عليه، ومعدن السعودي يبقى أصيلاً طال الزمان أم قصر. وتبقى قلة قلوبها مقفلة معزولة تتخبط هنا وهناك، فحتى لا نتيح الفرصة لأعدائنا كي يتهمونا بالإرهاب أبادر بهذا السؤال الذي يشاركني في طرحه كل أب فَقَدَ فلذة كبده وكل أُمّ فقدت وليدها وكل يتيم فَقَدَ أباه وكل أرملة فقدت زوجها: متى ستعود هذه الفئة إلى رشدها وتنضم إلى أسرة مجتمعنا السعودي؟ وليس هذا على الله ببعيد.