ما هي إلا أيام معدودة ويجتمع القادة العرب في قمتهم الدورية أو السنوية لمناقشة الأوضاع في العالم العربي ومجريات الأحداث العالمية إضافة لمناقشة أوضاع الجامعة العربية نفسها. فهذه القمّة تنعقد وسط تحديات كثيرة تحيط بالأمة العربية من جميع الجوانب وهذه التحديات منها الداخلي ومنها الخارجي. وعليه فهي تكتسب أهمية خاصة وذلك لعدة أسباب منها: - الظروف الإقليمية الخاصة في المنطقة، التي تتلاحق أحداثها بشكل كبير منذ بداية هذا العام، وهذه الأحداث سوف تُشكل ضغطاً كبيراً على المجتمعين في هذه القمّة. فهناك الكثير من التطورات التي عصفت بالمنطقة منذ قمة تونس في العام الماضي. ففي العراق لا يزال الاحتلال الأمريكي موجوداً مسبباً بذلك المزيد في التوتر الداخلي والخارجي على حدّ سواء. ففي الداخل لا تزال المخاوف الأمنية كبيرة والضحايا يومياً بالعشرات يدفعها الشعب العراقي الضحية. ولا تزال الفوضى سيدة الموقف، وهناك تخوف كبير من انتقال هذه الفوضى إلى بعض دول الجوار. وعلى الرغم من إجراء الانتخابات العراقية في ظل الاحتلال ومقاطعة قسم كبير من المواطنين، إلا أنه يلاحظ أن الأطراف الداخلية المنتصرة في الانتخابات والخاسرة لها هي في أزمة وورطة كبيرتين. فمن الصعوبة بمكان تلبية مطالب جميع الأطراف المتناقضة إلى حدّ أنها تهدد وحدة الوطن والتراب العراقيين. وعليه فإن الوضع العراقي سوف يُشكل ثقلاً كبيراً على مناقشات هذه القمّة، وإن كان يُلاحظ غياب الدور العربي والجامعة العربية عن الساحة العراقية منذ سقوط نظام صدام حسين. ولم يكن للجامعة العربية أو مؤسساتها أي دور فعّال في إيجاد مخرج للأوضاع في العراق. ويقتصر دور الجامعة على مراقبة الأوضاع هناك ومن إصدار بعض البيانات وفقاً لتسارع الأحداث على هذه الساحة. وهناك مشكلة الأوضاع في دارفور في السودان وهي من المشاكل المستمرة من السنة الماضية. وأيضاً لم تستطع الجامعة العربية طرح أية مبادرة لحل هذه الأزمة واكتفت بإرسال لجان لتقصي الحقائق على الأرض، في حين شاهدنا في العام الماضي أن دور الاتحاد الإفريقي كان أكبر لمعالجة هذه المشكلة التي أصبحت دولية وخارجة عن نطاق الداخلي السوداني أو العربي. ومن المستجدات المهمة في المنطقة العربية والتي شكلت على مدى الشهور الماضية، وخاصة منذ قرابة الشهر، هي الوضع على الساحة اللبنانية أو الوضع اللبناني -السوري. فبعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق المرحوم رفيق الحريري تسارعت التطورات والأحداث بشكل دراماتيكي لدرجة تكاد تقطع الأنفاس، ومطالبة المعارضة اللبنانية بخروج القوات السورية من لبنان والمطالبة بتحقيق دولي لمعرفة الجهة التي خططت ونفذت هذا الاعتداء الآثم والذي وضع لبنان والمنطقة من جديد على فوهة البركان الذي يهدد بانفجاره (شظاياه) كل العالم العربي. صحيح أن وتيرة التصعيد قد خفّت الآن بعد قرار الرئيس السوري بسحب القوات السورية ولكن فتيل الأزمة لا زال قابلاً للاشتعال في أي وقت خاصة وأن هناك من هو جاهز دوماً لتوفير عود الثقاب طالما أن أرضية الأزمة موجودة دائماً. فالتداخل الموجود بين اتفاق الطائف والقرار 1559 من الصعوبة بمكان عزلهما عن بعضهما البعض. وللحق لقد بادر الأمين العام للجامعة العربية للتدخل ما أمكن لنزع فتيل الأزمة ولقد شكلت تصريحاته بعد اجتماعه في دمشق مع الرئيس السوري عن انسحاب مقبل للقوات السورية قبل قمة آذار ساهمت بشكل كبير في تنفيس الاحتقان الآني في ذلك الوقت. وكانت هناك محاولات عربية للخروج بمبادرة عربية تضمن تنفيذ اتفاق الطائف وخروج (مشرّف) - كما قيل - للقوات السورية من لبنان. ولكن لم تصل الأمور إلى درجة الإعلان عن مبادرة وإن كان يُعتقد أن الانسحاب السوري، الذي تم من لبنان على الشكل الذي تم، كان بتوافق بعض الأطراف العربية الفاعلة كالمملكة العربية السعودية ومصر والجزائر. ويأتي في نهاية المستجدات على الساحة العربية الصراع العربي الصهيوني. فلقد شهدت الساحة الفلسطينية الكثير من التطورات لعل أهمها رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ومن ثم انتخاب محمود عباس كرئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية في مرحلة مهمة من مراحل نضال الشعب الفلسطيني في تحقيق دولته المستقلة. وعلى الأغلب فإن القمة سوف تساند الرئيس الفلسطيني في محاولته لبسط سيطرة السلطة الفلسطينية، خاصة الأمنية منها، على الأراضي التي بحوزتها الآن، وسوف تؤيده في مبادرته لترسيخ (التهدئة) مع إسرائيل في محاولة، قد تبدو للبعض ممكنة، لتحريك عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وإمكانية التأسيس الفعلي لإقامة الدولة الفلسطينية قبل نهاية فترة الرئيس الأمريكي بوش. إصلاح الجامعة العربية نفسها إن الكثير من القضايا التي سوف تتم معالجتها، التي تخصّ الجامعة ومطلوب البت فيها، هي قضايا مُرحّلة أساساً من قمّة تونس في العام الماضي، وهي بالمناسبة قضايا خلافية لم تَلقَ إجماعاً من القادة العرب في قمّة تونس مما استوجب تأجيل البت فيها إلى قمة الجزائر منها ما يتعلق بتدوير منصب أمين عام الجامعة العربية. وهذا الأمر شكّل في الماضي القريب مادة للتجاذب الإعلامي بين الدولة المضيفة للقمّة في دورتها الحالية - الجزائر وبين دولة المقر - مصر، ولم ينتهِ هذا التجاذب إلا بعد تصريح وزير خارجية الجزائر بسحبه من التداول. فهل ينجح القادة العرب في مناقشة وحسم هذه المسألة بعيداً عن الحساسية الشخصية والإقليمية الضيقة. ومن القضايا الأخرى التي لم يُبت فيها في قمّة تونس هي طريقة التصويت على القرارات وإصلاح الجامعة العربية وإعادة هيكلتها بشكل عام. ومن المنتظر أن تكون هذه القضايا مثار جدال وخلاف بين الدول العربية. إن إصلاح الجامعة ومؤسساتها يتطلب المزيد من الحكمة والرؤية الواضحة من قبل القادة العرب للخروج من الأنانية والمصلحة القطرية أو الإقليمية. نقول هذا الكلام بعد أن تحولت الجامعة إلى جملة من المؤسسات الشبه مشلولة، تعاني ما يعانيه الوضع العربي العام، لدرجة أنها كانت في الكثير من الأوقات تقف على شفير الإفلاس المالي. قضايا الإصلاح في العالم العربي تعتبر قضية الإصلاح في العالم العربي من القضايا الخلافية أيضاً بين مختلف القادة العرب. وهذه القضية تم طرحها في قمّة تونس في العام الماضي، وكانت من أبرز القضايا التي كانت استأثرت بالنقاش وكادت تطيح بالقمّة أكثر من مرّة بعد أن تم تأجيل القمّة نفسها بسبب طرحها هذه المشكلة، كما قيل أو تردد عندئذ، على جدول الأعمال استجابة لرغبة أمريكا!، وكان أن توصل القادة إلى صيغة عامة ترضي الجميع ولا تسبب المزيد من الشقاق أو التباعد بين قادة الدول العربية. والصيغة التي تم التوصل إليها تتلخص في ضرورة الأخذ بالاعتبار خصوصية الإصلاح في كل دولة عربية وفقاً لظروفها الداخلية. ومن المؤكد أن هذه القضية سوف تشكل بؤرة للنقاش إن لم نقل للخلاف بين القادة العرب وذلك بسبب تصاعد حدة الحديث عن نشر الحرية والديمقراطية في دول الشرق الأوسط من قبل الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وهي - على ما يبدو- القضية التي سوف تعمل عليها الولاياتالمتحدة خلال الفترة القادمة، كنوع من الأساليب الوقائية - كما يدعون - للحرب على الإرهاب، خاصة بعد (جرعة) الانتصار التي حققها أصحاب هذا الاتجاه بعد إعادة انتخاب الرئيس بوش لفترة ثانية مما يساهم في التقليل من انتقاد العالم لأمريكا على سياستها الفاشلة في العراق. ويقابل جرعة الانتصار هذه بعض النتائج الأولية على الأرض، كما يدّعي أصحاب هذا الاتجاه كالانتخابات العراقية، والفلسطينية، وانتفاضة الاستقلال في لبنان (أو ثورة الأرز ) - كما يحلو للبعض تسميتها بعد اغتيال الحريري - وإن كان المشهد قد تغير الآن في لبنان بعد أن أيقنت الولاياتالمتحدة، الذي قد يكون مؤقتاً، بأن لبنان ليس جورجيا أو أوكرانيا. يضاف إلى ذلك الإصلاحات السياسية في كل من مصر والانتخابات البلدية في السعودية. التطبيع مع إسرائيل فمنذ مطلع هذا العام تتوالى الشخصيات الإسرائيلية بالحديث عن قرب التطبيع في العلاقات مع معظم الدول العربية، وإن المسألة، لا تعدو كونها، مسألة وقت، فلقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلية سلفان شالوم بأن هناك عشر دول عربية مستعدة لتطبيع علاقاتها مع الدول العبرية. ويلاحظ - على الأرض - بوادر مهمة وملحوظة، مما يعزز هذا الاتجاه. فلقد وجّهت تونس دعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون لزيارتها في الخريف القادم للمشاركة في أعمال القمّة العالمية للمعلومات!، وهناك زيارات متعددة لمسؤولين إسرائيليين إلى العديد من الدول العربية شرقاً ومغرباً. هذا إضافة للقاءات عديدة، تتم في معظمها بعيدة عن الأضواء، بين مسؤولين عرب وإسرائيليين في المحافل والمؤتمرات الإقليمية والدولية المختلفة. ومن المتوقع أن تكون هذه القضية أيضاً من القضايا الخلافية بين الدول العربية لجهة تأجيل التطبيع مع الدولة العبرية إلى ما بعد تحقيق السلام الشامل في المنطقة!. والحقيقة أن شيئاً لم يتغير حتى تسعى الدول العربية فرادى وجماعات للتطبيع مع الدولة العبرية فلم يزل السبب في المقاطعة العربية للكيان الإسرائيلي قائماً. فلا زالت إسرائيل تحتل الأراضي العربية وتمنع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. من هذا المنطلق نرى أن قمة الجزائر سوف تكون استثنائية من حيث ظروف انعقادها وطبيعة التحديات التي توجهها الشعوب العربية مجتمعة. وهناك أيضاً، إضافة للتحديات السياسية، التحديات الاقتصادية وقضايا التنمية والتعاون الاقتصادي العربي. وإن كان يسجل لهذه القمّة - حتى الآن - بأن التحضير إليها من قبل الدولة المضيفة كان ناجحاً في حين أن قمّة تونس لاقت صعوبات كثيرة في انعقادها من حيث الموعد وجدول الأعمال وصولاً إلى البيان الختامي. كما أن هذه القمّة تُعقد في ظل أجواء جيدة ومقبولة للعلاقات العربية - العربية بعد أن كانت معظم القمم العربية تتم وتكرّس من أجل رأب الصدع في هذه العلاقات وإجراء المصالحات العربية -العربية والتي تنتهي عادة (بتبويس) الشوارب بين القادة العرب المعنيين. فهل سيكون القادة العرب، في هذه القمّة من حيث الحضور وجدية المناقشات، على مستوى التحديات التي نواجهها ويتخذون بشأنها قرارات مهمة وفاعلة قابلة للتطبيق. كما نرجو أن يكون البيان الختامي يعبّر فعلاً عن المناقشات التي تمّت لا أن يكون معدا ومكتوباً سلفاًً بإيحاء وإملاء من الخارج، أو أن يكون مصاغاً بطريقة ترضي الجميع!. E.mail:[email protected]