يذكرني حال بعض المرضى لدينا بحال من تتعطل سيارته فيضطر إلى أخذها إلى ميكانيكي سيارات، فيطلب الميكانيكي من صاحب السيارة شراء وتبديل قطعة تلو الأخرى حتى يصل إلى موقع العطل بعد أن يدفع صاحب السيارة (دم قلبه) في قطع لا تحتاج إلى هذا التغيير!! وفي المقابل تجد صاحب سيارة يذهب بسيارته إلى ميكانيكي متمكن فيعرف موقع الخلل من خلال صوت السيارة أو من خلال سيرها أو تشغيلها، فيصلح الخلل في دقائق دون حاجة إلى تبديل أي قطعة في السيارة موفراً بذلك على صاحبها الكثير من الوقت والمال! هذا الحال يحدث مع المريض عندما يذهب إلى طبيب يشبه حال الميكانيكي الأول، فيصرف له عشرات الأدوية وقد يجري له العديد من العمليات رغم أن الأمر قد لا يحتاج إلا إلى وصفة طبية بسيطة أو حتى حمية أو ممارسة للرياضة. الكثير من الأطباء للأسف لا يفرق بين الالتهاب الفيروسي والبكتيري، فيصرف المضاد الحيوي بعد الكشف على المريض المرتفعة حرارته مباشرة. وأعرف طبيباً عندما يراجعه أحد المصابين بالرشح فإن وصفته الطبية لا تتعدى إبرة مضاد حيوي ابره (فولتارين)، رغم أن المريض الذي راجعه مصاب بفيروس الانفلونزا الذي يستمر اسبوعاً لو عالجه وسبعة أيام اذا لم يعالجه !! إن الكثير من الأطباء للأسف يعتمدون في تشخيصهم على اعطاء المضادات الحيوية والعلاجات غير الضرورية والمبالغة في صرفها دون اعطاء وقت للمريض وفترة كافية لكي تنخفض حرارته! فنجاح الطبيب عادة ما يرتبط بجوانب متعددة منها ما يتعلق بالطبيب نفسه، ومنها ما يتعلق بالفريق المعاون ومنها ما يتعلق بالأجهزة الطبية المستخدمة. فالجوانب المتعلقة بالطبيب في نظري من أهم الأسباب المؤدية اما لنجاحه أو اخفاقه، فهناك طبيب لماح يستطيع أن يستفيد من كل حالة مرضية تقابله، ويستفيد من تجارب زملائه الأطباء، ويستفيد من البحوث والدراسات والمؤتمرات التي يشارك بها، وهناك من الأطباء من تجده لا يتقدم خطوة حتى لو حصل على أعلى الدرجات العلمية واصبح طبياً استشارياً الا أن خبراته قد تقل عن طبيب في مرحلة التدريب أو الامتياز!! لدينا الكثير من الأطباء السعوديين المتميزين ليس على مستوى الوطن فقط، بل فاقت شهرتهم لتصل إلى العديد من دول العالم، مما حدا بفريق طبي سعودي من اجراء محاضرات وعمليات جراحية في بعض الدول الأوروبية التي درسوا في جامعاتها كالنمسا، واعرف صديقاً راجع شقيقه بعض المستشفيات في الخارج واوصوا بأن يجري العملية على يد جراح سعودي حددوه بالاسم حيث اوضحوا له بأن عمليته لا يقوم بها الا عدد من الجراحين في العالم ويعدون على الأصابع واحد هؤلاء الأطباء سعودي! هذا اضافة الى ما وصل اليه الطبيب السعودي من شهرة عالمية كان آخرها عمليات فصل التؤام السياميتين البولنديتين. ان نجاح الطبيب كما ذكرت لا يرتبط بما يحمله الطبيب من شهادات بل بقدرته ورغبته في التعلم، وحب هذا المجال ومحاولة معرفة أسراره وخفاياه. فالكثير من العيادات الطبية تزدحم بالأطباء ولكن القليل منها يزدحم بالمرضى، لكون الطبيب الناجح يشتهر سريعاً بين المراجعين والمرضى أما بقية الأطباء فتجد عيادته فارغة إلا من مندوبي شركات الأدوية الذين يعرضون عليه آخر منتجات تلك الشركات من المضادات الحيوية. ومع كل مضاد حيوي وأنتم بخير.