تلوحُ لي الأفكارُ في مَفْرِق الفجرِ كما لاح في ليل الدجى كوكب دري سراعاً خفافاً ظامئاتٍ إلى يدي ليسكنّ أوراقي ويُسقين من حبري ويخرجن درّاً أو عرائسَ حكمة ويخطرن أوزاناً على فتنة الشِّعر يسامرن ذا نجوى ويؤنسن ذا جوًى أقام على الحرمان في حبّه العذري ويسكبن صبراً في مواقف عبرة ليمضي بها من تاه عن نعمة الصبر ويبدعن وصفاً أو يجلّين صورةً لحسن قوام بين أجفاننا يسري وروض وأنهار وظل وغيمة جرى الماء عذباً وهي ريانة البشر ويبعثن عطراً تنتشي فيه حلوة من الغيد أحلى من نسيم ومن عطر ويرنو لهن الزهر بلّله الندى وأسكره لحنُ القوافي بلا خمر ويحيين صرعى الوجد في مذبح الهوى ويوقظن من ناموا عن الكوكب السحري جمالٌ سما حتى تجاوز في الذرا حدود خيال يستحيل على الحصر ولكنه أدنى إلى ذي مواهب من الروح في غيبٍ ومن نَفَس يجري وأجمل من شعر جميل كتبتُه طواف المعاني مترفاتٍ على صدري أعيش بمعنًى واحدٍ ألفَ موقفٍ تلازمني من حيث أدري ولا أدري وقد أزرع المعنى فيثمر روضةً وقد أهجرُ المعنى فيؤلمني هجري وأسهرُ لا ليلي يطولُ ولا غدي يملّ ولا يجفو الرضا آسفاً عمري ولست أرى لي حاجةً في متارف من العيش تلهيني عن الفكرة البكر ولا في فضول الصحب ما لم تكن على طِلاب العلا أو في منادمة الفكر وأعجب إذ تمضي الحياة وصاحبي مقيم على الأطلال في ساحة الخسر يقلب كفّيه ويقرع سِنَّه متى فاته شيء من الخمس والعشر ومن مطمع أو مطمح ليس بعده سوى مغنم يغري وإن كان قد يزري ومن متعة تفنى ويشرب بعدها كؤوساً من الحرمان والعلقم المرّ ويغفل عن سحر وفكر أطل من روائع لا يظهرن إلا مع الفجر