هكذا يكون المنطق معكوساً عند فئة من الناس تختلُّ عندها الموازين ويعميها التعصُّب عن وجه الحقيقة المشرق، فلا تراه بعين البصيرة، وإنما بعين الهوى، وهل يمكن أن تكون رؤية عين الهوى صحيحة سليمة؟ هنالك أمور واضحة لا تحتاج إلاّ إلى التجرُّد من ميول النفس وأهوائها والتخلُّص من سيطرة الأفكار غير المستقيمة وأدوائها، أمور واضحةٌ تظلُّ أكبر من التلبيس والتدليس، وأقوى من الالتواء والتلفيق. تلك القصة الشعبية التي يتداولها الناس تصلح أن تكون مثالاً يقرّب إلينا الصورة، فهذان رجلان يشاهدان سواداً على الأرض بعيداً عنهما، فيقول أحدهما: ذلك السواد عنز، ويقول الآخر: بل هو طائر، ويتجادلان فيه، وبينما هما يتجادلان، ويحتدم بينهما النقاش في شأنه، وإذا به يطير، فيضحك الرجل الذي قال: إنه طائر، ويقول لصاحبه: الآن اتضح الأمر، فلم يعد للشك مكانٌ، فهو طائر لأن العنز لا يمكن أن تطير. وهنا يتجلَّى التعصُّب الأعمى، والعناد المحظور عقلاً وشرعاً؛ فيقول ذلك الرجل حازماً جازماً: اسمع يا فلان هي عنزٌ ولو طارت، فما دمت قد قلت أنا هي عنز، فهي كذلك، لا يمكن أن أتراجع عن قولي أبداً. هكذا تتعامل فئات من الناس مع الحقائق إنكاراً وتجاهُلاً، وجدالاً عقيماً لا يجتني منه المجتمع إلا الخلاف والعداوة والبغضاء. تؤكد شهادات الشهود، وآلات التسجيل أنَّ امرأة في هذه الدنيا اسمها (ميرفت التلاوي) قد نالت في لقاءٍ مع عددٍ من النساء المسلمات من قيمنا، وسخرت من مبادئنا، وقالت عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وعن ابن تيمية - رحمه الله - كلاماً لا ترضى هي أن يقوله أحد عن سائقها حتى ولو كان غير مسلم. وتؤكد الحقائق أنَّ ذلك الكلام الذي يسيء إلى ثوابتنا وبلادنا قد قيل في قاعة من قاعاتنا، ومؤسسة من مؤسساتنا في عقر دارنا، ومع ذلك فلا يزال بعض أهل دارنا يصرُّون على إثبات أن (ميرفت) مسلمة، وأنها حجَّتْ إلى بيت الله الحرام، وأنها تدافع عن الإسلام، بل إنَّ صحيفة من صحفنا تبعث الموضوع من جديد وتكتبه بالخط العريض الأحمر على الصفحة الأولى، مؤكدة بذلك منطق ذلك المثل الشعبي (عنز ولو طارت).نحن لم نقل إنَّ فلانة غير مسلمة، ولم نتحدَّث عن كونها حجَّتْ أم لم تحج، والدكتورة الفاضلة (نورة السعد) طرحت الموضوع طرحاً واقعياً لأنها سمعت ورأت فغضبت لدينها وقيمها وبلادها، وطالبت بأن تكون لنا نحن أبناء هذا البلد المسلم وقفة واضحة نرضي بها الله - عز وجل - دفاعاً عن الثوابت التي لا مساومة عليها، فما الذي يجعل هويّة المسلمة، والحديث عن الحج ينبعث من جديد؟ ولماذا هذا الدِّفاع المستميت عن امرأة قالت كلاماً واضحاً لا غبار عليه، أساءت به إلى ثوابتنا؟ هل أصبح التعصُّب للباطل سمةً بارزةً عند بعضنا إلى هذه الدرجة؟ إن سلمان رشدي يقول: إنه مسلم، ونوال السعداوي وهي مواطنةٌ من بلاد (ميرفت) تقول: إنها تدافع عن الإسلام بما تهذي به من الأوهام، وأولئك الذين سخروا من القرَّاء في غزوة تبوك كانوا من المسلمين، وكانوا خارجين معهم في رحلة جهاد، ولكن ذلك كلَّه شيء، والخطأ الكبير الذي وقع أمام الناس شيء آخر، لا أدري لماذا يظلُّ ذلك الطائر الذي رفرف بجناحيه أمام أعيننا عَنْزاً، ولا أدري هل (ميرفت) أهم عندنا من ثوابتنا، وهل هي أكرم في نفوس المدافعين والمرافعين صحفياً عنها من أبي هريرة - رضي الله عنه -؟ لقد كان الأجدى بمن حجَّت إلى بيت الله الحرام أن تكون نفسها أصفى من أن تنال من ديننا ومن أهم رجل روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان الأجدى بها وقد وقعت في الخطأ أن تعلن توبتها واضحة جليَّة وأن يدفعها أبناء بلادنا الذين يدافعون عنها إلى إعلان توبتها، وهنالك ستجد منا كلَّ تقدير وترحيب، أما هذا الأسلوب الذي أصبح ممضَّاً مؤلماً مكشوفاً، وهو أسلوب تحريك الأصدقاء، للدِّفاع عن باطل واضح، فهذا ما نريد أن يترفَّع عنه من يحمل أمانة الكلمة، ويقف في موقع المسؤولية الثقافية. إشارة: اللهم أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.