فكان ارتفاعُ الموجِ نصَّ بياني وكان ضجيجُ الموج صوتَ توجُّعٍ شكتْ منه أعماقي وضاق كياني رويتُ لكم ما كان في القلب من لظىً وما كان في الأعماقِ من هَيَجانِ نعم، أنا زلزالُ المحيط، جميعُكم رأى أثري في أرضكم ورآني قضى الله أن تأتي إليكم مواعظي رسائلَ رُعْبٍ بينكم ودُخانِ وما قال إلاَّ: كُنْ، فكنتُ حكايةً تضعضع من تأثيرها الأفُقَانِ لقد إَذِنَ الرحمن لي بالذي جرى فأطلق بالإذن الكريمِ عِناني ولله في تدبيره الكونَ حكمةٌ يقدِّر فيها موقعَ الحَدَثانِ فكيف جزعتم حين جئتُ منفِّذاً لأمر إلهِ الكونِ حين دعاني ؟! أتيت ابتلاءً وانتقامَ عقوبةٍ وموعظةً للغافل المتواني ليَ اللهُ، كم أخفيتُ عنكم مواجعي وكانت كمثل النَّار في الغَلَيانِ كتمتُ شعوري، والليالي شواهدٌ بما حملتْه النفس منذ زمانِ وكنتُ أراكم في مساءاتِ لهوكم تُثيرون فيها غَيْرَةَ الحيَوانِ إذا سكنَ الليل البَهيمُ تحدّثتْ مسارحكم عن أكْؤسٍ ودِنَانِ وشقَّ سكونَ الليلِ صوتُ معازفٍ تخالط بالأَهواءِ صوتَ قِيانِ فكم أبلغتني بالضياع شواطئي وكم ضجَّ منكم رملُها ودعاني وكم أطلقتْ دوَّامةُ البحر صرخةً تحذَِركم إطراقةَ الكَرَوَانِ وكم لطمتْ أمواجُ بحري وجوهكم فما أيقظتكم من هَوَىً وهَوانِ لماذا ارتجلتُ القولَ صوتاً مُجَلْجِلاً فأُبلغكم ما لم يقُلْه لساني ؟! لماذا جعلت البحرَ مصدرَ زفرتي وراويَ ما لم تَرْوِه الشَّفَتانِ ؟ لماذا بعثتُ الموجَ عني مبلِّغاً وما كان من قبل البلاغ يراني ؟ فتحت له ثُقْباً فأقبلَ صارخاً عنيفاً، ومن طول الحديثِ كَفَاني جواب سؤالي في زوايا نفوسكم جوابٌ بأقسى ما لديه دَهَاني عصيتم، وجاهرتم، وتلك حكايةٌ يؤكِّدها ما دَوَّنَ المَلَكانِ زَواجرُ هُودٍ لم تحرّك قلوبَكم وفيها نذيرٌ، لو وَعى الثَّقّلانِ فجئْتُ بأمرِ اللهِ، صوتاً مدوِّياً جنونُ أعاصير البحار حصاني تضاءَلتِ الآفاقُ حتى رأيتُها كأصغرِ بيتٍ واهنٍ ومكانِ فآلافُ أميال المسافاتِ أصبحتْ كحبلٍ قصيرٍ أمسكتْهُ يَدَانِ وأعتى صخور الأرضِ صارت كأنَّها لفائفُ قُطْنٍ، أو فُتاتُ أواني وأعلى بناءٍ صار أَهْونَ موطئٍ تخطَّتْه من طوفانيِ القَدَمانِ وأما أساطيلُ البحارِ، فإنما رميت لها من موجتي بسنانِ بلادُ وآلافٌ من الناسِ لفَّها ذراعي وأَخْفى رَسْمَها دَوَراني كَرَرْتُ وجاوزتُ الحواجزَ كلَّها إليكم وما جاوزتُ بِضْعَ ثَواني وصارت قُواكم والجيوشُ كأنَّها حُسامٌ كَلِيلٌ عند رأسِ جَبَانِ هنا قُدْرَةُ الرحمنِ تَبْلُغ مُنْتَهى مَدَاها وتجري غايةَ الجَرَيانِ عجبتُ لنبراسَيْ كتابٍ وسنَّةٍ يُضيئانِ في الدنيا ويَلْتَمِعَانِ لماذا اختفى ضَوْءاهُما من قلوبكم وعن سعيكم في الأرض ينتحيانِ ؟! وما عَجبي من كافرٍ تاهَ قلبُه فصار كجلمودٍ بغير جَنانِ وما عَجبي إلا من المسلم الذي بنَظْرةِ مقتولِ الشعور رَماني له من كتاب الله نورٌ ومُرشدٌ ويبقى مُشيراً للهوى ببَنانِ !! عجبتُ له لمَّا يبيع يقينَه بشكٍَ، وما عندَ الإلهِ بِفَانِ !! لقد غضب الرحمن من سوءِ فعلكم وفي سُوَرِ القرآنِ خَيْرُ بيانِ فإنَّ عقابَ الله - بعدَ نَذيره - وإصرارَ مَنْ يَعصيه مُقترنانِ أَلاَ رَحِمَ اللهُ الذي ماتَ مسلماً وأعْظَمَ أجرَ الصابر المتفاني أقول لكم بعد الذي كان: إنني أرى الأرضَ والطُّوفانَ يتَّفقانِ فإما رجوعٌ للمهيمنِ صادقٌ وإلا فكم من أَعْيُنٍ ستراني ولولا قَضاءٌ الله ما اجتَزْتُ خُطْوةً ولا جَفَلَ اللاَّهونَ من فَورَاني