زادت الأعباء وثقل الحمل وامتدت المسافات وأضنى الناس التعب.. ففي كل شهر يحسب واحدهم انه الفرج فيهيئ نفسه ويعد الخطط ويتقن الحسابات ويفاجأ بخيبة الامل وفشل كل ما سبق.. وتتكرر المشكلة كما في كل شهر... فيؤجل الوعد إلى الشهر الذي يليه ثم إلى السنة التي بعدها ثم سنتين وخمس وعشر وهكذا حتى يفنى العمر وهو في أقساط يجر بعضها بعضاً. ومن منا في هذا الزمان لا يقسط.. ومن منا يستطيع أن ينجز شيئاً كبيراً في حياته دون أقساط سواء كان زواجاً أو سيارةً أو أرضاً أو بيتاً أو سفراً أو حتى حفلة.. بل ان معظمنا لا يستطيع تجاوز بعض المناسبات البسيطة كالعيد أو رمضان دون ديون وأقساط!!..يحاول البعض تدارك المشكلة فيبدأ بإيهام نفسه أن التجارة هي الحل لمشكلته.. فيفكر بالمغامرة التي إما أن تذهب به إلى النجوم أو أن تخسف به أسفل سافلين.. ويضع على ظهره الديون فوق الديون حتى لا يجد ما يسدد به فواتير الكهرباء فضلاً عن الهاتف.. ثم بعد ذلك إما الخسارة التي هي مصير أغلبهم.. أو أن يعرض مشروعه للتقبيل بربع قيمته أو أن ينجح نجاحاً لا يوازي التعب أو المخاطرة التي وضع نفسه فيها. هناك من يحاول أن يهرب من مأزق الديون بقرض آخر ليسدد ما قبله.. فتتراكم الفوائد بعضها فوق بعض.. فيصبح كمن يغسل الدم بالدم.. حتى يصل ببعضهم الأمر أن يدفع راتبه كاملاً أقساطاً.. بل يصل بعضهم إلى ان يدفع فوق راتبه أقساطاً.. حيث يعيش هؤلاء على القروض المتواصلة.. بحيث يأخذ قرضاً يصرف منه على معيشته.. ويدفع منه أقساط القرض نفسه لفترة وجيزة حتى ينهي أحد القروض السابقة ويأخذ مكانه آخر ويدور في حلقة مفرغة ليس له سبيل للفرار منها.. تزيد عليه الخناق سنة بعد سنة. القناعة هي الشيء الذي نفتقده فعلاً.. فلو اقتنع كل واحد منا بدخله الشهري مهما كان متواضعاً لذاقت عيون أكثرنا النوم.. وتجنب معظمنا الديون التي لا قبل له بها.. لأن الحياة تقوم وتستقيم بدون السيارة الفارهة والبيت الكبير أو الحي الراقي أو تغيير الأثاث والسفر في الصيف والمناسبات التي ليس لها معنى واللباس المبالغ فيه.. وكل تلك الهواتف والجوالات وملاحقة موديلاتها والركض وراء الموضة والاكسسوارات وغيرها. لنقتنع بحياتنا الواقعية.. ونكيف أنفسنا عليها ونطرد كل تلك الأحلام الزائفة.. فأصحاب الديون لا ينامون.. والديانة لا يرحمون.. ورجال الحقوق المدنية لا يتوانون عن رد الحقوق إلى أصحابها. [email protected]