يميل الناس في العادة النظر إلى الطلاق Divorce ككارثة أو كمأساة، وعندما ترتفع معدلات الطلاق في مجتمع ما، فإن هذا دليل على أن النسق الأسري لا يعمل بصورة مرضية، بالرغم من أن بعض الأديان السماوية تبيح الطلاق إلا أنها تضع عوائق كثيرة في سبيله، فالديانة المسيحية (مثلا) تحرم الطلاق إلا في ظروف معينة ومحددة للغاية، ونظرا لأن معظم المجتمعات الأوروبية (التي تدين بالمسيحية) تجعل من الحب الرومانتيكي القائم على الاختيار الحر أساساً للزواج، فإن الطلاق إذن يعني الفشل..! ولما كانت جميع أنساق الزواج تتطلب وجود فردين (الزوج، والزوجة) يعيشان معا، فإنه لابد - ولو في فترة معينة من دورة الحياة الزوجية - أن تنشأ بينهما بعض الخلافات والتوترات والمشاكل، قد تصل إلى درجة عالية بحيث تصبح حياتهما معا مستحيلة، وعند ذلك يلجآن إلى الطلاق كحل أمثل لهذه المشاكل والتوترات، وبهذا المعنى يكون الزواج سببا في الطلاق؛ أي أنه لكي يحدث الطلاق لابد أن يحدث الزواج أولا..! ويوجد نمط زواجي منتشر في المجتمعات المتخلفة غير الصناعية، وهو ارتباط الزوجين بشبكة العلاقات القرابية، ولذلك لا تكون الخلافات قاصرة على الزوجين فقط - بل - قد تمتد ليشارك فيها الأقارب، الأمر الذي يزيد من حدة التوترات بين الزوجين إلى درجة لا تطاق..! ويوجد في كل مجتمع بعض الأنماط الاجتماعية، يمكن عن طريقها، تفادي هذه التوترات، وذلك مثل: النظر إلى بعض الخلافات باعتبارها أمورا تافهة، فقد يعتبر الناس الاختلاف النسبي في القيم بين العريس وعروسه أمرا غير ذي أهمية..! وتختلف نظرة المجتمعات في تعريفها للمستوى أو للحد الذي يصبح معه الخلاف بين الزوجين أمراً لا يطاق أو في أسباب انحلال الزواج غير الموفق، فالرأي العام في الولاياتالمتحدة في القرن (التاسع عشر) مثلا: كان ينظر إلى الحد الذي لا تطاق معه الحياة الزوجية على أنه درجة من درجات عدم الانسجام التي لا يستطيع الأزواج في العصر الحديث تحملها..! هذا ويختلف الموقف من الزواج غير الموفق من مجتمع لآخر خاصة في المجتمعات الغربية، ففي إسبانيا، وأيرلندا، وإيطاليا، والبرازيل، لا يسمح هناك إلا بافتراق الزوجين قانونيا (بالطلاق الصريح)، ورفض أي شكل مثل: الهجر، أو الانفصال الجسدي، أما في المجتمعات التي تتيمز بشبكة علاقات قرابية واسعة والتي يكون فيها الطلاق اختياريا، فإن الزوجين يستطيعان الاستمرار في أعمالهما اليومية، ولكنهما يحدان من اتصالهما إلى الحد الأدنى، أما في المجتمعات التي تسمح بتعدد الزوجات، فإن الرجل إذا ضاق بزوجته، أو وجد أن حياته معها مستحيلة فله الحق في أن يتزوج من أخرى في نفس الوقت.. وبذلك يمكن أن يرفض قضاء أي وقت مع إحدى زوجاته إذا كانت علاقته بها غير سعيدة أو غير موفقة، وفي (الصين) يقيم الزوج غير الموفق في علاقته بزوجته بعيدا عن بيته لفترات طويلة من الزمن مع بعض أقاربه أو جماعات العمل (وهذا يعتبر نوعا من الانفصال لديهم)..! ويحدث الطلاق إذن نتيجة لتعاظم الخلاف بين الزوجين إلى درجة لا يمكن تداركها، ولكنه بالإضافة إلى ذلك يؤدي إلى صراع جانبي بين كل من أسرتي الزوج والزوجة. حيث تقع بينهما في العادة خلافات لا نهاية لها ذات مضمون مادي أو معنوي أو تتعلق بالأطفال الذين كانوا ثمرة هذا الزواج، ولا يوجد في أي مجتمع طرق معينة واضحة لتجنب أو خفض حدة الصراع الزواجي، أو حتى جعل الأزواج قادرين على تحمل زيجاتهم..! فالطلاق إذن يكون أحد صمامات الأمن للتوترات الحتمية، أو المؤلمة في بعض الأحيان التي تقع في الحياة الزوجية، وليس لدينا حاليا أي مقياس أو دليل نصل من خلاله إلى أسباب تفضيل معظم المجتمعات للطلاق بدلا من أشكال الانفصال الأخرى.. فالطلاق هو المخرج والحل الأكثر انتشارا لمشاكل الحياة الزوجية، كما أن الحلول البديلة التي تقدمها المجتمعات المختلفة للفصل بين الزوجين المتأزمين في حالة وقوع الخلاف بينهما هي في الواقع اختلاف في نمط الطلاق والنقطة الوحيدة التي يختلف فيها الطلاق عن هذه الأشكال من الانفصال هي أنه يسمح بالزواج (الثاني) لكل من الزوج والزوجة..! وفي المجتمعات التي لا تسمح بالطلاق فإن الرجال عادة ما يدخلون في علاقات جديدة وعديدة خارج الحياة الزوجية..! وذلك باتخاذ عشيقات لهم، إلا أن هذا التوجه والسلوك لا يعتبر قانونيا، وهو أيضا مخالف لقواعد الدين والشريعة، ومن الأمثلة على ذلك، أنه في (الهند) يستطيع الرجل أن يأتي بزوجة أخرى تعيش مع زوجته في نفس المنزل، وفي (الصين، واليابان) يمكن أن يكون للرجل محظية أو عشيقة..! ولكن هذه الإمكانية (إمكانية اتخاذ عشيق) لا يسمح بها للمرأة على الإطلاق مهما كانت درجة عدم توفيقها وتعايشها وانسجامها مع زوجها، وفي المجتمعات التي تسمح بتعدد الزوجات يستطيع الرجل أن يتزوج بأخريات في حالة عدم قدرته على احتمال الحياة مع زوجته الأولى، بينما لا يسمح للزوجة التي تكون في نفس الظروف بالزواج من رجل آخر في نفس الوقت، كما أن الدول الغربية التي يسمح فيها بالانفصال فقط وليس بالطلاق، فالاتجاه العام يعارض بشدة دخول الزوجة في علاقات غير مشروعة.. بينما يغض الطرف عن اتخاذ الأزواج لعشيقات..!! وأخيراً نستطيع أن نقول إن الطلاق نهاية مؤلمة للغاية أو أنه مأساة، ولكنه في الحقيقة أفضل من الحياة التعيسة غير الموفقة، وهذا يتفق مع الشرع الإسلامي، وحتى في حالة وجود أطفال، فإن معيشة الأطفال مع الأب والأم في حالة انفصالهما تكون أفضل من المعيشة في جو مشحون بالخلافات والصراعات الدائمة، مما يكون له أكبر الأثر على سلامتهم النفسية أو في تكوين شخصياتهم الأخلاقية بصورة سوية..! انتهى وإلى لقاء مرتقب. ص.ب: 53500 جدة 21483 [email protected]