سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هل (الِحجْرُ) بيوت لثمود - كما أشار القرآن الكريم .. أم مقابر للأنباط كما أكدتهُ الدراسات الحديثة؟ آمل من بعض الباحثين المتأخرين التثبت عند إيراد المعلومات:
أكدت بعض الدراسات الحديثة من خلال النقوش على واجهات المقابر ونتائج التحليل.. أن الْحِجْر ما هي إلاَّ مقابر نبطية، أما ما ورد لنا في القرآن والسنة فهي بيوت لقوم ثمود، ومن المعلوم أن هناك فاصلاً زمنياً طويلاً ما بين زمن صالح (عليه السلام) والأنباط في زمن عيسى (عليه السلام)، والسؤال هنا: هل الْحِجْر بيوت لثمود - كما أشار القرأن الكريم، أم مقابر للأنباط كما أكدتهُ الدراسات الحديثة؟ سؤال يحتاج إلى إجابة! أقول: لقد رجعتُ إلى الكتاب والسنة وإلى كتب المفسرين، كما استعرضت ما تمكنت من جمعه من النصوص القديمة، وبعد أن رسمتُ صورة في ذهني قارنتُ بين ما قاله الجغرافيون المسلمون الأوائل والمؤرخون القدماء وما ورد في الدراسات الحديثة على واقع الأرض فتبين لي الآتي: أولاً: الحجرات مقابر: - بعض الكتابات والنقوش على واجهات المقابر تؤكد أنها مقابر للأنباط، وأنهم هم الذين أنشئوها لأنفسهم وأولادهم. - كتب أحدهم في الصحف المحلية أن منحوتات مدائن صالح لم تكن منازل لأحياء السكان، وإنما كانت مساكن لأمواتهم(1). - في الكتاب الذي أصدرته الإدارة العامة للآثار والمتاحف ورد ما نصّه: تشتمل المنطقة على عدة كهوف ومقابر منحوتة في الجبال الرملية المتقاربة، وهذه المدافن كما تدل نقوشها كانت مقابر لأقوام كثيرة ممن حكموا المنطقة من أنباط(2). التعليق: 1- الصواب أن هذه المقابر منحوتة في تلال حجرية ذات صخور رسوبية، ونوع صخورها رملية sandstone أم الجبال الرملية فهي نوع من الكثبان الرملية لا يمكن لنا أن ننحت فيها كهوفاً! كما كتب ابن جنيدل تعليقاً على تقرير وكالة الآثار، ومما قال فيه: من الملاحظ أن هذا التقرير تضمن قولاً جازماً بأن المساكن المنحوتة.. ما هي إلا مقابر لأقوام كثيرة ممن حكموا المنطقة.. ولم يتضمن شيئاً من الآيات الكريمة التي تتحدث عن هذه البلاد.. مع أن بعض الآيات القرآنية الكريمة يفهم منها أن هذه البيوت المنحوتة كانت مساكن للأحياء.. بل إنه جزم بأن هذه البيوت المنحوتة لم تكن خاصة بثمود، وأنها مقابر لأقوام كثيرة من أنباط ورومان وعرب. وآيات القرآن الكريم صريحة قاطعة بنسبة نحت هذه البيوت إلى ثمود قوم صالح(3). 2- قال (سبحانه وتعالى): {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} سورة هود (65). قال ابن كثير: وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه عياذاً بالله من ذلك لا يدرون ماذا يفعل بهم ولا كيف يأتيهم العذاب. قلت: يفهم من هذا أنهم استعدوا بحفر القبور والكوات في بيوتهم لتكون مقابر لهم بعدما رأوا الآيات. 3- وصف رب العزة والجلال حال قوم ثمود عندما أنزل عليهم العذاب بأنهم لاصقين بالأرض على وجوههم. وهذا دليل على أن عظامهم وأدواتهم في أماكن سكنهم في بيوتهم وقصورهم. قال في محكم التنزيل (سبحانه وتعالى): {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} سورة الأعراف (78) قال القرطبي: أي لاصقين بالأرض على ركبهم ووجوههم. 4- يبدو لي أن تفسير ذلك يرجع إلى أحد الأسباب التالية: * ربما أن هناك لبساً حدث في ترجمة النقوش والنصوص على واجهات المقابر. * قد تكون بعض الْحِجْرات مساكن للثموديين خصوصاً الحجرات التي لا تحمل نقوشاً أو آثاراً تدل على أنها نبطية، فهناك 94 حجرة غير مؤرخة ولا تشتمل على نقوش. كذلك ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى أن بيوت ثمود متهدمة. قال (سبحانه وتعالى) {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} سورة النمل (52). قال ابن منظور: خوا خوت الدار تهدمت وسقطت ومنه قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً}(4). أما البعض الآخر منها فهي مقابر خاصة بالأنباط كما أكده علماء الآثار. إذ يعتقد أن فرعاً من سلالة الثموديون- الذين آمنوا مع صالح وهاجروا إلى فلسطين- رجعوا إلى (الْحِجْر) ومارسوا فن النحت في الجبال الذي مارسه أسلافهم. (من القرن الأول قبل الميلاد إلى سنة 106 ميلادي). ويرى الشيخ شرف الدين أن النقوش الموسومة بالثمودية إنما تعود للثموديين الذين نجاهم الله تعالى من العذاب وعاشوا في المنطقة بعد الهلاك لا لثمود القرآن(5). إعادة استخدام: - لا أستبعد أن يكون هناك إعادة استعمال لتلك الآثار التي نشاهدها في وقتنا الحالي سيما أن هناك فاصلاً زمنياً طويلاً بين الأنباط وأصحاب (الْحِجْر)- أي كانت البيوت في الأصل لقوم ثمود وبعد أن حل بهم العذاب أعيد استخدامها بعد فاصل زمني طويل كمقابر في عهد الأنباط، وربما أن بعضاً مما نشاهده اليوم من مقابر وعظام ما هي إلا من مخلفات الأنباط كما أشارت إليه نتائج الدراسات الحديثة. ولعل أشكال المقابر تؤكد ما ذكرتُ آنفاً، فعمق العديد من التجاويف الصغيرة في الجدران لا يناسب وضع جسد، أيضاً وجود فجوات أكبر وأعمق في بعض التجاويف، كذلك إضافة النصوص على بعض واجهات المقابر في فترة لاحقة يؤكد أن هناك إعادة استعمال. - بعض المقابر تركت دون تكميل وهذا يوحي بأن هناك كارثة حدثت! وقد أشار القرآن إلى ذلك قال (سبحانه وتعالى): {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} سورة الأعراف (78)، قال القرطبي: أي الزلزلة الشديدة. وقيل: كان صيحة شديدة خلعت قلوبهم. - بعض المقابر لا توجد لنقوشها لوحات مخصصة لكتابة النص، وهذا يشير إلى أن النصوص أضيفت في فترة لاحقة. - إذا كان أصل الأنباط ليس معروفاً بالتأكيد، وبعض المراجع تذكر أنهم كانوا جماعة من الأعراب استقروا تدريجياً، ولم يبنوا مساكن لهم.. وكانوا رعاة(6). فكيف توصلوا إلى تلك الحضارة؟ - قوم ثمود سكنوا البيوت في الجبال والقصور في السهول، قال (عز وجل): {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} سورة الأعراف (74)، قال القرطبي: أي تبنون القصور بكل موضع. ثانياً: الحجرات ضيقة وغير صالحة للسكن. التعليق من يتمعن في طريقة نحت البيوت وأشكالها سيتبين له أنها لم تكن مُصَمّة في الأصل كمقابر، وأقرب ما تكون للبطر -كما نشاهد في وقتنا الحالي من تفنن عند بناء (الاستراحات)، وهناك عدة أدلة تؤكد ذلك منها: 1- وصف فرانك ج. كليمو أن تجويف القبر غريب حيث يقول: دوماً ما يلفت تجويف القبر الانتباه بصغره، وغرابته تحديداً في انخفاضه مقارنة بارتفاع الواجهة الخارجية، ولكن المفارقة كانت في وجود حفرة في سقف أحد القبور، وقد أفضت هذه الحفرة إلى تجويف علوي.. فإن إجراء توضيح معقول ربما توصل إلى تبيين عدم التناسب بين ارتفاع الواجهة الخارجية وارتفاع التجويف السفلي للقبر داخله(7). 2- ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى أن قوم ثمود اتخذوا من الجبال بيوتاً ليس للحاجة وإنما للبطر والعبث لشدة قوتهم، وقيل آمنين من العذاب، قال (جل جلاله): {وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ}(8) قال ابن كثير: أي من غير خوف ولا احتياج إليها بل أشرا وبطرا وعبثاً كما هو المشاهد من صنيعهم في بيوتهم بوادي الحجر. وقال القرطبي: فكانوا يتخذون من الجبال بيوتاً لأنفسهم بشدة قوتهم، أي من أن تسقط عليهم أو تخرب، وقيل: آمنين من الموت، وقيل: من العذاب. قال (سبحانه وتعالى): {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} سورة الشعراء (149). قال ابن كثير: كانوا يتخذون تلك البيوت المنحوتة في الجبال أشرا وبطرا وعبثا من غير حاجة إلى سكناها وكانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها كما هو المشاهد من حالهم لمن رأى منازلهم. 3- ربما أن الهدف من نحت البيوت في الجبال للسكن فيها لطول أعمار قوم ثمود. قال (سبحانه وتعالى): {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} سورة الأعراف(74). قال القرطبي: اتخذوا البيوت في الجبال لطول أعمارهم؛ فإن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم. 4- أشار القرآن والمفسرون إلى أن المساكن موجودة للاعتبار والتدبر وآيات في إهلاكهم. قال (جل جلاله): {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ} سورة الحجر (83). قال ابن كثير: أي وقت الصباح من اليوم الرابع. وقال (عز وجل): {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}(9). وقال (سبحانه وتعالى): {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ} سورة العنكبوت (38). قال ابن كثير: ثمود قوم صالح كانوا يسكنون الحجر قريباً من وادي القرى، وكانت العرب تعرف مساكنهما جيداً وتمر عليها كثيراً. قال القرطبي: أي تبين لكم يا معشر الكفار بالحجر والأحقاف آيات في إهلاكهم. ثالثاً: ورد في القرآن الكريم أنهم يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا. قال (سبحانه وتعالى): {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} سورة الشعراء (149). بينما تبين لي -كجغرافي- من خلال المشاهدات الميدانية أن تلك الظواهر الجيومورفولوجية تلال وليست جبال، وذلك حسب تصنيف الجغرافيون للظواهر. التعليق 1- هذا النمط من البيوت يمتد بشكل متقطع لمسافات طويلة حتى دولة الأردن، فالآثار في البتراء قريبة من أشكال البيوت في الحِْجْرِ. 2- يبدو لي أن المقصود بالجبال أي جبال بلادهم فيما بين الحجاز والشام وليست فقط تلك التلال أو الجبال المحاطة بسلك شائك فيما يسمى في الوقت الحاضر ب(مدائن صالح). قال ابن كثير في تفسير (سورة هود الآية 65): كانت ثمود بعد عاد ومساكنهم مشهورة فيما بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله وقد مر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على ديارهم ومساكنهم وهو ذاهب إلى تبوك في سنة تسع. قلت: ما ورد في القرآن يشير إلى أن العذاب عندما حَلَّ بقوم ثمود لم يحضر في بيوتهم في الحِْجْر دون سواها. وإنما حَلَّ في دِيَارِهِمْ، ويبدو لي أن المقصود بذلك بلادهم فيما بين الحجاز والشام، قال (سبحانه وتعالى): {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} سورة هود (67). وقال (عز وجل): {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} سورة هود (65). رابعاً: بيوت الْحِجْر لم يحقق موقعها بدقة. قلت: ما ورد إلينا من معلومات يفهم منها أن موقع الْحِجْر هو ذاته المكان الذي نعرفه في الوقت الحالي، ومع ذلك نحتاج إلى دراسات دقيقة، فمن المحتمل أن يكون المكان الذي عناه الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة (رضي الله عنهم) ليس هذا المكان سيما وأن هناك أماكن أخرى تكاد تنطبق عليها نفس الأوصاف كخريبة العلاء. أما الذي تبين لي فإن الموقع هو نفسه وذلك من خلال الحديث والنصوص القديمة ومنها: - ذكر ابن عمر أن اسم هذا المكان (الْحِجْر) كما وصف المكان الذي نزل فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم) ببيوت ثمود. - البيوت في الْحِجْرِ بلا شك عندي أنها مساكن ثمود، فما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يؤكد لنا أن الْحِجْر مساكن ثمود، وهذا واضح لا غبار عليه ولا يحتاج إلى تأويل بأنها ليست بيوتهم، وقد ثبت في الحديث الصحيح أنها بيوتهم، وفي صحيح البخاري أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا مَرَّ بالْحِجْرِ قال لا تدخلوا مساكن الذين ظَلَمُوا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يُصيبكم ما أصابهم ثُمَّ تَقَنَّعَ بردائه وهو على الرَّحْلِ. (حديث رقم 3129). وعن ابن عمر قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس عام تبوك نزل بهم الْحِجْرَ عند بيوت ثمود فاستسقى الناس من الآبار التي كان يشرب منها ثمود فعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهراقوا القدور وعلفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عُذِّبوا، قال إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم (مسند أحمد حديث 5712). وعن محمد بن أبي كبشة الأنماري عن أبيه قال لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى في الناس الصلاة جامعة قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُمسكٌ بَعِيرَهُ وهو يقول: ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم فناداه رجلٌ منهم نعجبُ منهم يا رسول الله. (مسند أحمد حديث 17338). - أما ابن كثير فقد أكد في تفسيره أن مدينة (الْحِجْر) معروفة مشهورة حينما قال: هذا إخبار من الله (عز وجل) عن عبده ورسوله صالح (عليه السلام) أن بعثه إلى قومه ثمود وكانوا عرباً يسكنون مدينة الْحِجْر التي بين وادي القرى وبلاد الشام، ومساكنهم معروفة مشهورة. - قال ابن قتيبة (ت 276): بين الحجر وبين قرح ثمانية عشر ميلاً، وقرح هي وادي القرى(10). - وصف صاحب كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) الطريق من دمشق إلى مدينة يثرب بقوله: ثم إلى الحنيفية ثم إلى الحجر مرحلة وهو حصن منيع بين جبال في ديار ثمود ومنه إلى وادي (-) وهي مدينة صغيرة جداً على نهر صغير ومنه إلى الرحبة(11). خامساً: من نتائج التنقيب والمسح اتضح أن الْحِجْر قد سكنها الأنباط، وقد جاءت نتائج التحليل للتزمين بطريقة كربون 14 للعينات التي أخذت من حفرية الخريبة الجنوبية بالحجر مطابقاً للفترة الاستيطانية لدولة الأنباط(12). 1- من ذا الذي أنكر أن هناك آثاراً للأنباط في الْحِجْر؟ ومن ذا الذي قال إن أرض الحِْجْر لم تسكن البتة منذ زمن صالح (عليه السلام) حتى يأتي من أتى ويرشدنا إلى هذا التناقض الكبير؟ 2- ورد في تفسير الجلالين: {تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا} تسكنونها في الصيف {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} تسكنونها في الشتاء. 3- ما ورد إلينا في القرآن الكريم يفيد بأن ثمود أهلكوا في دورهم خلال مدة سريعة بل قبل أن ينهضوا- وهذا شبيه بالزلزال أو البركان الذي يحدث ويدمر في ثوان، قال (سبحانه وتعالى): {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ} سورة الذاريات (45). 4- قال (سبحانه وتعالى): {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ} سورة الشعراء (157). قال ابن كثير: وهو أن أرضهم زلزلت زلزالاً شديداً وجاءتهم صيحة عظيمة. قلت: هذا يشير إلى حدوث زلزال أو كارثة أدت إلى اختفاء المدينة. 5- الآيات الواردة في القرآن يفهم منها أن مدينة الْحِجْر تضم قصوراً في سهولها، بينما المكان المكتشف يرجع إلى زمن الأنباط. قال (سبحانه وتعالى): {تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا} سورة الأعراف(74). قال القرطبي: أي تبنون القصور بكل موضع، قلت: من الخطأ الحكم بأن قصور مدينة الْحِجْر في السهول هي خريبة الْحِجْر، وقصة الرسول صالح (عليه السلام) مع ثمود معروفة، فبعد أن كفروا برسالة نبيهم حلت بثمود الرجفة والصيحة ولم تبق لهم باقية. ويفهم من بعض الآيات أن بعضاً من آثار قوم ثمود باقية أما البعض الآخر منها فلا وجود لها. ومما ذكرتُ آنفاً يتبين لنا أن قوم ثمود نحتوا بيوتاً لهم في الجبال في (الْحِجْر)، ثم جاءتهم صيحة ففاضت الأرواح في ساعة واحدة، وبادوا عن آخرهم لم تبق منهم باقية، فكيف نصر على البحث عن آثارهم؟ كما ورد في القرآن يشير إلى أن قوم ثمود لا أثر لهم بسبب ما حل بهم من عذاب، قال (جل جلاله): {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} سورة القمر(31). قال ابن كثير: أي فبادوا عن آخرهم لم تبق منهم باقية وخمدوا وهمدوا كما يهمد يبيس الزرع والنبات قاله غير واحد من المفسرين، والمحتظر قال السدي هو المرعى بالصحراء حين ييبس ويحترق وتسفيه الريح وقال ابن زيد كانت العرب يجعلون حظارا على الإبل والمواشي من يبيس الشوك فهو المراد من قوله (كهشيم المحتظر) وقال سعيد بن جبير هشيم المحتظر هو التراب المتناثر من الحائط وهذا قول غريب والأول أقوى. 6- الذي فهمته من آيات القرى، أن الْحِجْر تضم بيوتاً في الجبال وقصوراً في السهول، وهي مدينة مطورة تحت التراب. وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى ذلك قال (سبحانه وتعالى): {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا} سورة الشمس (14). قال القرطبي: يقال: دمدمت على الشيء أي أطبقت عليه، ودمدم عليه القبر: أطبقه.. والدمدمة: إهلاك باستئصال... وقيل دمدمت على الميت التراب: أي سويت عليه. فقوله: (فدمدم عليهم) أي أهلكهم، فجعلهم تحت التراب.. أي سوى عليهم الأرض. 7- كاتب هذه الأسطر ليس معصوماً من الخطأ، لذا أرى عدم الاستعجال في إصدار حكم بشأن تحديد مدينة الْحِجْر في الزمن القديم بأنها هي المنطقة المعروفة بمدائن صالح في الزمن الحديث، فبعد الرجوع لبعض المصادر لم أجد دراسات دقيقة تؤكد تحديد الموقع فربما أن مدينة الْحِجْر نفسها مجهولة حتى وقتنا الحاضر وما أكثر ما نجهله. أخيراً أحب أن أنبه إلى أنه يجب عدم الاستعجال والجزم في إصدار حكم في تفسير الآيات، كما أن على المسلم أن يحذر مما يفعله البعض من تشويه وقلب الحقائق لأغراض دينية، أشير إلى ما أورده الطبري: فأما أهل التوراة فإنهم يزعمون أن لا ذكر لعاد ولا ثمود ولا هود وصالح في التوراة (13). وكل ما جاء في الكتب يؤخذ ويرد ما عدا القرآن والسنة، فليس كل ما ذكر صحيحاً -سواء في المراجع الحديثة أو القديمة- ولعل الاختلاف في تحديد مكان الْحِجْر خير دليل على ذلك، فابن خلدون حدد الموقع بأسافل الحجاز(14). أما ابن كثير فقد ذكر أن: ثمود بعد عاد ومساكنهم مشهورة فيما بين الحجاز والشام. وقال القرطبي: كانوا بأرض الحجر وهي أرض الضام. كذلك الاختلاف في تحديد مكان قبر صالح النبي (عليه السلام) فقد حدد ابن الجوزي أن صالحاً: توفي بمكة (15). أما (سفر نامه) فقد ذكر أن قبر صالح النبي (عليه السلام) في مدينة عكة(16). وأما القرطبي فقد ذكر في تفسير (سورة النمل الآية 53): خرج صالح بمن آمن معه إلى حضرموت؛ فلما دخلها مات صالح؛ فسميت حضرموت. هذا ما عَنَّ لي قوله، والمِنْةُ مَنْ مَنَّ الله عليه بالإيمان. هامش: 1- ابن جنديل، معجم الأمكنة الوارد ذكرها في صحيح البخاري، ص169 . 2- مقدمة عن آثار المملكة العربية السعودية (1395ه)، ص97 . 3- باختصار، ابن جنيدل، معجم الأمكنة الوارد ذكرها في صحيح البخاري، ص170-171 . 4- لسان العرب ج:14، ص:245 5- أحمد شرف الدين، جريدة الرياض، العدد، 10354 وتاريخ 17 جمادى الآخرة، 1417ه. 6- أطلال، العدد 10، ص: 136 . 7- جريدة الرياض، مقابر مدائن صالح، د. عبدالعزيز الغزي، 20-12-1423ه. 8- (سورة الحجر الآية 82). 9- (سورة النمل الآية 52). 10- المعارف، ج:1، ص:29 11- نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، ج:1 ص:376 . 12- أطلال. العدد 13، ص23 . 13- تاريخ الطبري ج:1، ص:141 . 14- مقدمة ابن خلدون ج:1، ص:62 . 15- ابن الجوزي: المنتظم ج:1، ص:256 . 16- سفرنامه ج:1، ص:50 . للتواصل: ص. ب 5840 الرمز البريدي 81999 [email protected] اعتمد الباحث في دراسته هذه على مشاهداته الشخصية على أرض الواقع، كما استفاد من بعض المصادر والمراجع.