الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الانبياء وامام المرسلين، وبعد/ من النعم التي يتفضل بها المولى سبحانه على عباده، نعمة الذرية، ذكورا واناثا، ولكي يدرك الانسان عظم هذه النعمة، عليه ان يسأل من حرم لذتها, فهذا نبي الله زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ينادي ربه عندما وهن العظم منه وتقدمت به السن يسأله وليا يرثه, يقول عز وجل:ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا، قال ربي إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا، وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا , وفي موضع آخر، يقول عز وجل على لسان زكريا عليه السلام:,, رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين . ولكي نتصور مقدار نعمة الابناء، نتأمل ماذا قال الشاعر عندما دخل بيته، وقد خلا منهم، فوجده ساكنا بعد كثرة الحراك، ينظر في ارجائه وقد خيم فيه الصمت، فقال: اين الضجيج العذب والشغب اين التدارس شابه اللعب اين الطفولة في توقدها اين الدمى في الارض والكتب اين التسابق في مجاورتي شغفا اذا اكلوا وان شربوا يتزاحمون على مجالستي والقرب مني حيثما انقلبوا فنشيدهم: بابا، اذا فرحوا ووعيدهم: بابا، اذا غضبوا وهتافهم: بابا، اذا ابتعدوا ونجيهم: بابا، اذا اقتربوا بالامس كانوا ملء منزلنا واليوم ويح اليوم قد ذهبوا الى ان قال: ذهبوا اجل ذهبوا ومسكنهم في القلب ما شطوا وما قربوا قد يعجب العذال من رجل يبكي ولو لم ابك فالعجب هيهات ما كل البكا خور اني وبي عزم الرجال اب لذا يجب على من انعم الله عليه بهذه النعمة ان يقوم بشكرها، ومن شكرها القيام على الابناء وتربيتهم تربية صحيحة، وتنشئتهم تنشئة اسلامية كما يريد المنعم جل جلاله ولكي لايكونوا عالة عليه وعلى مجتمعه. وهناك بعض الاسباب التي متى حرص عليها المربي، صلح ابناؤه باذن الله تعالى، والله عز وجل لا يضيع عمل عامل، فمن سعى واجتهد لصلاح ذريته فعمل ما امر به، فانه لن يخسر وسوف يجد ثمار ذلك عاجلا او آجلا, فاليك الاسباب: اولا: اختيار الزوجة، والزوجة هي التي سوف تكون اما لهم، وهي التي يكون لها الدور الكبير في تربيتهم، فلابد من حسن اختيارها بأن تكون صالحة، تعرف ماهو الصلاح لتحرص بأن يكون في ابنائها لان فاقد الشىء لا يعطيه، وكما قال الشاعر: وليس النبت ينبت في جنان كمثل النبت ينبت في الفلاة وهل يرجى لاطفال كمال اذا ارتضعوا ثدي الناقصات ولذلك حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الزواج من المرأة الصالحة ذات الدين والاستقامة، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابي هريرة رضي الله عنه، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك فاختيار ذات الدين عند الزواج امر مهم، ومن اهمل جانب الدين عند اختيار شريكة الحياة وانحرف ابناؤه فلا يلومن الا نفسه. ثانيا: صلاح الاب نفسه، فلابد ان يكون قدوة في فعل الخير، قدوة في البعد عن الشر, وان تعجب فعجب من اب منحرف ينشد صلاح ابنائه!!! فعندما يصلح الاب في الغالب يصلح الابناء, بل يحفظهم الله في حياة والدهم وبعد مماته، وتأمل قول الله عز وجل:وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك إن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك,, . فحفظ الله للغلامين الصغيرين اليتيمين كنزا بسبب صلاح ابيهما, فساق من يبني الجدار مجانا لكي لا يكتشف الكنز حتى يكبرا ويستخرجاه وينتفعا به, فيا من يهمك صلاح ابنائك، اعمل على اصلاح نفسك وتمسك بشرع ربك، وعض بالنواجذ على سنة نبيك صلى الله عليه وسلم وابشر، يقول الله عز وجل: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة إن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون اي لا تخافوا مما امامكم ولا تحزنوا على ما تركتم خلفكم. وعندما تكون الام صالحة ذات دين، ويكون الاب صالحا ايضا، فعليهما الاهتمام بالتربية وهذا هو السبب الثالث. ثالثا: الاهتمام بالتربية، فعندما يتخلى الابوان عن تربية ابنائهما، فان هذا التخلي يؤدي الى انحرافهم وفساد اخلاقهم الا ان يشاء الله, يقول الشاعر: وليس اليتيم من انتهى ابواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا ان اليتيم هو الذي تلقى له اما تخلت او ابا مشغولا رابعا: ابعادهم عن كل ما يتوقع ان فيه سببا لافسادهم، كالجليس السيىء، وبعض الاجهزة التي فيها ما يفسد الاخلاق وما يربي على الرذيلة، فعلى الاب ان يحرص كل الحرص فيبعد ابناءه عن اي مصدر خطر حتى ولو كانت نسبة الخطر نسبة قليلة ولا يكون كالذي قال فيه الشاعر: القاه في اليم مكتوفا وقال له اياك اياك ان تبتل بالماء وكما قال عز وجل:يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم:كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته . فعزل الابناء عن جلساء السوء، واختيار الرفقة الصالحة لهم، من اسباب صلاح الابناء باذن الله تعالى ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام:مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما إن يحذيك أي يعطيك بدون ثمن أو تشتري منه أو تجد ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا منتنة , وفي الحديث الذي رواه ابو داود والترمذي باسناد صحيح من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل , وفي الحديث الذي رواه ابو داود والترمذي عن ابي سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي . ولعلنا نذكر بالمناسبة شروط الصحبة والمجالسة، وهي باختصار: ان تكون في الله وابتغاء مرضاته لا لمصلحة دنيوية, وان لا تشتمل على معصية الله، كالاجتماع على الاشياء المحرمة او الهوايات المنحرفة, وثم شرط آخر: هو ان يرى من خلال الصحبة والمجالسة التناصح والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكرات فلا تبنى على المجاملات ونحوها, وآخر الشروط: ان لا تجر الى مناصرة في الباطل تأثرا بعصبية جاهلية. خامسا: الدعاء، فهو من اهم الاسباب التي تعين على صلاح الابناء، وهو من صفات عباد الرحمن الذين يحرصون على صلاح ابنائهم، يقول عز وجل:والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما فشأن الدعاء شأن عظيم، اسأل الله ان يصلح نياتنا وذرياتنا وان يقر اعيننا بذلك انه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد.