يمثِّل اجتماع منظمة الأقطار الدولية المصدرة للنفط (أوبك) في القاهرة غداً الجمعة فرصة مواتية لتأكيد قدرة المنظمة على ضبط إيقاع سوق النفط وتبديد أي مخاوف بشأن احتمالات حدوث نقص في المعروض النفطي في السوق الدولية خلال فصل الشتاء. ويتوقع خبراء نفط دوليون إبقاء أوبك مستويات الانتاج عند معدلاتها الحالية رغم تراجع الأسعار في السوق الدولية لتجنب حدوث نقص في إمدادات النفط مما عزز توقعات 53 في المائة من المتعاملين بشأن تراجع الأسعار خلال الأسابيع القادمة نتيجة توفر المزيد من المعروض النفطي. وأشارت وزارة الطاقة الامريكية إلى أن إجمالي الطلب على الطاقة في الولايات الشمالية الشرقية سوف يتراجع بنحو 15 في المائة خلال الأسابيع القادمة. وأوضح خبير النفط الامريكي بيتر كيمب أن انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية جاء نتيجة توفر المعروض النفطي في السوق مما يمثل زخماً قوياً في الأسواق التي تترقب عودة معدلات الانفاق الاستهلاكي إلى مستوياتها المتوقعة مع اقتراب موسم الأعياد. واستبعد الخبير قيام الدول الأعضاء في أوبك بتخفيض المعروض النفطي خلال اجتماع القاهرة القادم، مشيراً إلى أن دول أوبك لا تخشى تراجع أسعار النفط في السوق الدولية ولكنها قلقة من استمرار انخفاض قيمة الدولار، منوهاً بأن تراجع الدولار أمام اليورو بنحو 35 في المائة خلال السنوات الثلاث الأخيرة قلص القوة الشرائية لاعضاء أوبك. وقد انعكس زيادة المعروض النفطي والمخزون الامريكي بشكل إيجابي على أسواق النفط الدولية خاصة الدول المستوردة التي عانت اقتصادياتها من الارتفاع القياسي لأسعار النفط العام الحالي. وتشير إحصائيات وزارة الطاقة الامريكية إلى أن إجمالي المخزون النفطي الامريكي زاد بنحو 900 ألف برميل الأسبوع الماضي ليصل إلى 293.3 مليون برميل بزيادة عشرة ملايين برميل عن عام 2003م. وتؤيد إيران خفض الانتاج للسيطرة على الأسعار المتراجعة في السوق الدولية لا سيما مع تزايد معدلات إنتاج أوبك إلى مستويات قياسية العام الحالي (حوالي 30.5 مليون برميل يومياً منذ سبتمبر الماضي مقابل 29 مليون برميل يومياً في أغسطس الماضي) وانخفاض قيمة الدولار، إلاّ أن غالبية الدول الأعضاء في أوبك لا سيما السعودية والكويت ترجح الابقاء على مستويات الانتاج الحالية لتفادي حدوث أي نقص في المعروض النفطي خلال فصل الشتاء. وأوضح المحلل الاقتصادي بيتر كيمب أن أسعار النفط الحالية ما زالت أعلى بنحو 40 في المائة من معدلاتها العام الماضي وهو ما يمثل ضغطاً مالياً على المستهلكين ذوي الدخول المحدودة وشركات الكيماويات والطائرات وغيرها. وقال كيمب إن الدول المستهلكة تخشى حدوث نقص في المعروض النفطي حال حدوث المزيد من التدهور الأمني في منطقة الشرق الأوسط التي يأتي منها أكثر من 50 في المائة من الصادرات النفطية أو تفجر إضرابات عمالية في عدد من الدول المنتجة كنيجيريا وفنزويلا. وتشير الاحصائيات إلى أن إيرادات أوبك النفطية زادت بنحو 46 في المائة خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي نتيجة ارتفاع أسعار النفط تلك الفترة. وتتوقع أوبك زيادة أرباحها المتوقعة العام الحالي إلى 332 مليار دولار مقابل 240 مليار دولار العام الماضي نتيجة ارتفاع أسعار النفط خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2004م. كما تشير الاحصائيات إلى أن أوبك زادت من إنتاجها النفطي بنحو 2.5 مليون برميل يومياً العام الحالي للسيطرة على الأسعار المتصاعدة في سوق النفط الدولية.. وأوضحت وزارة الطاقة الامريكية أن واشنطن استوردت 9.7 ملايين برميل عام 2003 (كان متوسط سعر البرميل 30 دولاراً) مقابل 9.1 ملايين برميل يومياً عام 2000م. ورغم الدعوات المتزايدة من جانب عدد من صقور الإدارة الامريكية والمؤسسات الاقتصادية، إلاّ أن الديمقراطيين والجمهوريين المعتدلين يعارضون تخفيض معدلات استيراد النفط في الولاياتالمتحدة. ويؤيد محللون اقتصاديون أمريكيون التنقيب عن النفط في منطقة ألاسكا لتقليل معدلات النفط المستوردة من الخارج رغم معارضة وزارة الطاقة وسعي إدارة بوش إلى زيادة الاحتياطيات النفطية الامريكية. وأوضح خبير النفط الامريكي أندرو ماكنلوب أن اعتماد واشنطن على استيراد النفط من الدول الأعضاء في أوبك سيتواصل في ضوء المشكلات التي يعاني منها العديد من الدول المنتجة كروسيا ونيجيريا وفنزويلا. وقد أبدت السعودية والامارات العربية المتحدة (وتنتجان حوالي 50 في المائة من إنتاج أوبك النفطي) استعدادهما لاتخاذ الإجراءات اللازمة لاعادة الاستقرار في سوق النفط الدولية والحفاظ على مصالح المنتجين والمستوردين. وأوضحت الرياض أنها سوف تبقى على معدلات الزيادة في إنتاجها التي تتراوح ما بين 1.5 و2 مليون برميل يومياً خلال الفترة القادمة للحفاظ على استقرار السوق الدولية. وقال خبير النفط الامريكي جيري تايلور إن إدارة الرئيس بوش تدرك تماما أن تحقيق الاستقلال النفطي أمر مستبعد في ضوء استراتيجية النفط الامريكية المتعلقة بزيادة معدلات الاستيراد لتوفير الاحتياجات المحلية وإعادة بناء المخزون النفطي الامريكي والتنافس الشرس مع الصين واليابان لشراء أكبر كمية من المعروض النفطي في السوق الدولية. وأضاف الخبير أن ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية ليس دافعاً لصياغة استراتيجية نفط أمريكية جديدة لأن أسعار النفط والوقود تزيد في الدول المصدرة والمستوردة للنفط على قدم المساواة. وأشار تايلور إلى أن اقتصاد الولاياتالمتحدة لديه القدرة على مواجهة الصدمات النفطية التي لا يمكنها أن تحدث التأثير الذي أفرزته أزمة النفط في السبعينيات من القرن الماضي. ويرى محللون اقتصاديون أمريكيون أن أوبك لا يمكنها حظر تصدير النفط للسوق الامريكية والدولية نظراً لاعتماد اقتصادياتها على الصادرات النفطية بصورة رئيسية. وأوضح المحلل تايلور أن تقليل الولاياتالمتحدة لكميات النفط التي تستوردها من دول الشرق الأوسط لن يعني شيئاً لأن دولاً أخرى سوف تقوم بشراء الكميات التي تحجم الولاياتالمتحدة عن شرائها. ويرى خبراء نفط دوليون أن أزمات النفط التي تحدث في السوق الدولية تعزز مكانة أوبك كلاعب أساسي في عملية ضبط إيقاع سوق النفط الدولية، مشيرين إلى أن زيادة المعروض النفطي لدول أوبك عكس قدرة أوبك على التخفيف من حدة ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية. ويرى خبير النفط أنطوان هاف أن أوبك تسعى إلى الحفاظ على استقرار الأسعار في السوق الدولية لزيادة معدلات الطلب وتأكيد قدرتها على ضبط إيقاع سوق النفط في أوقات الأزمات، إلاّ أنه حذر من أن أسعار النفط التي تراجعت مؤخراً سوف تشهد مزيداً من الارتفاع في المستقبل القريب بسبب استمرار الأزمات الدولية والتوتر المستمر في عدد من المناطق الاستراتيجية المهمة كالشرق الأوسط والتنافس بين القوى الصناعية الكبرى على شراء النفط كالصينوالولاياتالمتحدة واليانجن والاستراتيجية الامريكية المتعلقة بزيادة الاحتياطيات النفطية. وتشير الاحصائيات إلى أن إجمالى ما تنفقه الولاياتالمتحدة على استيراد النفط يبلغ حالياً 193 مليار دولار سنوياً (حوالي 576 مليون دولار في اليوم الواحد)، ويبلغ إجمالي النفط الذي تستورده الولاياتالمتحدة من الخارج حوالي 20 مليون برميل يومياً بينما يستهلك الانتاج المحلي بالكامل. ورغم الأزمات التي تواجهها صناعة النفط الروسية، تعد موسكو حجر الزاوية في الخطط الامريكية المستقبلية للخروج من عباءة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وتحقيق الاستقلال النفطي والحفاظ على استقرار سوق النفط العالمية. وجاءت صفقة الاندماج بين عملاقي النفط والغاز الروسيين (جازبورم وروسنفت) لتوفر زخما جديداً لصناعة النفط الروسية التي تأثرت مؤخراً بأزمة شركة يوكوس التي تصدر 20 في المائة من صادرات النفط الروسية. وتشير الاحصائيات إلى أن صادرات النفط والغاز الروسية سوف تصل إلى 65.8 مليون طن في الربع الأخير من عام 2004 منها 55.1 مليون طن إلى دول الكومنولث المستقلة و10.7 ملايين طن إلى الأسواق الأخرى، وسوف يصل إجمالى إنتاج النفط الروسي إلى 118 مليون برميل في الربع الأخير من العام الحالي منها 110.7 ملايين برميل توردها شركات. ووفقا لاحصائيات وزارة الطاقة الروسية، سوف يصل إجمالى إنتاج الغاز الطبيعي في الربع الأخير من العام الحالي إلى 168.6 مليار متر مكعب منها 15.6 مليار متر مكعب سوف يتم تصديرها إلى دول الكومنولث المستقلة و41.2 مليار متر مكعب إلى أسواق العالم الأخرى. وأوضح خبراء نفط دوليون أن موسكو تسعى إلى إعادة تأهيل صناعتها النفطية لجذب المزيد من الاستثمارات الدولية والبحث عن أسواق جديدة للنفط الروسي ومنافسة منظمة أوبك في ضوء المطالب المتزايدة داخل الولاياتالمتحدة بتنويع مصادر الحصول على النفط وعدم الاقتصار على إمدادات أوبك النفطية.