السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فأجدها فرصة مناسبة أن أزجي لكم الشكر والثناء والتقدير على الوثبات المتميزة لجريدتنا الجزيرة، ولعل من أبرز سمات هذا التميز المشهود تميز الجريدة بصفحات خاصة بالشؤون الإسلامية (آفاق إسلامية) وما تطرحه من موضوعات بناءة ويأتي في مقدمتها السلسلة الطيبة حول موضوع سلوكيات يرفضها الإسلام. وتعقيبي ليس على هذه الجزئية وإنما حول موضوع آخر جاء في عدد جريدة الجزيرة ليوم الجمعة 14-10-1425ه وفي مقالة الأستاذ سلمان بن محمد العُمري (رياض الفكر) وقد تحدث الكاتب حول قضية الزواج ولعل من أهميتها أن يكون لها من اسمها نصيب حينما قال (تعدد الزوجات حديث المجالس فقط) وذكر أن الحديث عن التعدد هو فاكهة المجالس بمختلف طبقاتها وفئاتها العمرية والثقافية وخلص الكاتب إلى أن هناك فهماً خاطئاً لإباحة التعدد الذي قصد منه في الشرع تلبية الاحتياجات وزيادة النسل وإضفاء السعادة، وهو سبيل العفاف.. وتطرق إلى أهمية العدل. ورغبة في التعليق على هذا الموضوع أقول وبالله التوفيق: إن الزواج سنة من السنن المحمدية وهو سبب لعمارة الكون ومن لدن آدم إلى قيام الساعة يستهدف الإسلام من الزواج العفة وبقاء النسل والسكن يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وان الأصل في الزواج هو الاستقرار والاستمرار لكي تتحقق الأهداف المرجوة للأسرة من تربية الأبناء والمشاركة في كل الأعباء والحقوق وغير ذلك من المقاصد السامية التي شرعها الله سبحانه وتعالى ثمرة لبناء الأسرة في الإسلام. ولا يخفى أن من مقاصد التشريع إشاعة الإخاء والمودة في المجتمع لا الشقاق والنزاع، والعدل مقصد أساسي للشريعة في كل شيء بل عليه قامت السماوات والأرض وقام التشريع الإسلامي، ولذلك فحكم الله تعالى واضح فيمن لا يستطيع العدل بين الزوجتين أن يكتفي بواحدة قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} (3) سورة النساء، وجاءت السنة النبوية المشرفة لتبين خطورة عدم العدالة (من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) رواه الترمذي والحاكم. والقضية الأهم ليست في الزواج والتعدد فهذا أمره حسم بكلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن القضية في أمر آخر ألا وهو الطلاق وكثرته في البيوت وكثرة المطلقات في بيوت أهلهن حتى أصبحت ظاهرة باتت تؤرق المعنيين بالأمور، بل لقد صارت ظاهرة الطلاق وهجر الزوج لمنزل الزوجية سمة العصر. لقد شرع الله الطلاق وجعله أبغض الحلال عند الله ووضع الإسلام الخطوات السليمة لعلاج الخلافات الزوجية قبل اللجوء للطلاق تبدأ بالمعاشرة بالمعروف ثم التحكيم عند الشقاق ثم الخلع من جانب الزوجة إذا كانت ترغب في الطلاق ثم الطلاق عند فشل هذه الخطوات. إن قضية الزواج ليست قضية متعة وملذة فقط إنما هو رباط وثيق وصرح شامخ في بنيان المجتمع وسكن ومودة ورحمة، يقول تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} وهذه المشكلة أي مشكلة الطلاق تتطلب من الجهات المعنية (وزارة العدل)، و(الشؤون الاجتماعية)، و(الشؤون الإسلامية) أن يعملوا على نشر التوعية وتعميق الثقافة الإسلامية الصحيحة وغرس المفهوم الإيماني لتلك المؤسسة الإيمانية (بيت الزوجية) حتى نحمي بنيان المجتمع ونجعله وحدة متماسكة ضمن نسيج المجتمع المسلم. الظاهرة الأخرى هي بقاء المطلقات في بيوتهن وتعاليهن عن الزواج من المتعدد، فالواجب على أولياء الأمور مساعدة بناتهم في العفاف والتحصين والستر في حال تقدم من هو مؤهل في دينه واستقامته ومعتدل في عمره وله سمعة حسنة أن لا يرد عند الطلب عندما يلمس منه الجدية ذلك أن المشكلة الأخرى هي كثرة زواج بعض من لا يرعوي عن الغش والخداع وكثرة الزواج والطلاق (المطلاق) وأما مشكلة الفقر للزوج الأول أو المتعدد فليست هذه بالقضية ذات الشأن الكبير لأن الله سبحانه وتعالى جعل الزواج باباً من أبواب الغنى، قال تعالى: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} فالفقير إذا تزوج أغناه الله وهذا عكس ما يفهمه بعض الناس لأنهم يتكلفون للزواج ما لا يحتاج إليه فيبالغون في المهور ويظل الرجل حبيس الديون ولو أنهم وقفوا عند حدود الشرع الإسلامي لكان الزواج ميسراً فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: التمس ولو خاتماً من حديد) ولو نظرنا صداق فاطمة الزهراء من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهما لرأيناه مثلاً لليسر والسهولة. فالإسلام يحث على الزواج طلباً للعفة ويحد من المغالاة في المهور حتى لا نكبل هذا الرباط المبارك بقيود من حديد، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). لقد كثرت المشاكل الزوجية وكثر الطلاق حينما انعدمت التربية الإسلامية أو قلت وحينما قصر كلا الطرفين بحقوق الآخر وازدادت المشاكل سوءاً وتعقيداً حينما ساهم الآباء والأمهات في عدم مساعدة أبنائهم وبناتهم، ركز الجميع على الماديات وأغرقوا فيها ونسوا أن الزواج سكن ومودة وألفة ورحمة، لباس للزوج ولباس للزوجة. أحمد بن عبدالله الخويطر/ جدة