في خضم مرحلة المراجعات التي يشهدها الوسط الخيري في هذه المرحلة رأيت من الملائم أن أشارك-بوصفي مهتما بالشأن الإعلامي- في تقييم الواقع الإعلامي للقطاع الخيري السعودي وسبل تفعيله وتطويره نظرا لإيماني العميق بالدور المهم للإعلام في هذه المرحلة المضطربة التي يشهدها العالم من حولنا. وثمة أسباب جوهرية وعميقة تدعو كافة المهتمين بالعمل الخيري إلى المطالبة بتفعيل الحضور الإعلامي للمؤسسات والجمعيات الخيرية من خلال إنشاء وتأسيس وسائل إعلامية (مقروءة-ومرئية) متخصصة بالنشاط الخيري وتابعة للجهات الخيرية حكومية كانت أوأهلية مع استمرار عناية الجهات الخيرية باستثمار اهتمام وسائل الإعلام العامة بالوسط الخيري استثمارا مهنيا ذكيا ولعلنا نوجز أبرز هذه الأسباب في النقاط التالية: أولا: تنامي الحملة الإعلامية ضد القطاع الخيري: من إفرازات وتداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر-الإجرامية- اشتداد الحملة الأميركية على مؤسسات العمل الخيري الخليجي حيث تحركت الإدارة الأميركية على عدة مستويات لتقليل الحضور الدولي للمؤسسات الخيرية الخليجية من خلال الطعن في أساليبها وغاياتها ورجالاتها. وقد كانت الحملة الإعلامية إحدى وسائل التأثير التي سخرتها الإدارة الأمريكية لاستمالة الرأي العام العربي عموما وصناع القرار في هذه الدول خصوصا لصالحها حيث سعت الوسائل الإعلامية الغربية إلى محاولة الربط بين بعض المؤسسات الخيرية من جهة والتنظيمات الإسلامية المسلحة من جهة أخرى. ومما عمق من أثر هذه الحملة الإعلامية تبني شريحة من الكتاب والصحفيين في بعض المطبوعات العربية مفردات خطاب الحملة الغربية وإعادة تكرار التهم ولكن من خلال توظيفها في أطروحاتهم الداعية إلى إقصاء الوجود الإسلامي برمته أوحصره في مجالات ضيقة. اللافت في الأمر وجود قدر من التناغم والتشابه في المعالجة الإعلامية بين بعض الصحف الخليجية والصحف الأجنبية حيث دأبت الجهتان على محاولة الربط التعسفي بين العمل الخيري والمنظمات المسلحة الإرهابية وتعميم الخطأ الفردي الاجتهادي- في حال وقوعه- وتحميله للمؤسسة الخيرية دون أن تستند في معظمها إلى حقائق وأدلة ثابتة وواضحة. ولم تقف المؤسسات الخيرية مكتوفة اليدين أمام هذا الطوفان الإعلامي العالمي الرهيب الذي بات وضع كل أنشطتها وتحركات رجالها تحت الأضواء وحرصت أغلبها على تتبع كل ماينشر من تهم وأباطيل عنها في الصحف الغربية، وقامت بالرد عليها وملاحقة المسئولين عنها قضائيا الأمر الذي أسهم في تحري هذه المطبوعات للمصداقية-بعد ذلك- بصورة أكبر في كل ماينشر عن أداء هذه الجمعيات، لقد كان النجاح الذي حققته بعض المؤسسات الخيرية التي رفعت قضايا ضد الصحف التي اتهمتها بدعم الإرهاب- دون دليل -كان هذا النجاح مشجعا على التفكير في تطوير وسائل وأدوات الإعلام الخيري ليكون من ضمن مهامها رصد الحملات الإعلامية المغرضة والإسهام في تفنيد الشبه التي تثيرها، وأن تعمل على تطوير أسلوب صياغة الردود والتعقيبات بأسلوب يتماشى مع النهج الصحفي السائد في الإعلام الغربي ومراعيا للأنظمة والقوانين الغربية إزاء ما يتعلق بقضايا النشر. معلومات رقمية تظهر الإعلام بالمؤسسات الخيرية ثانيا: ضعف وسائل الإعلام الخيري: إن الاتجاه السائد عالميا فيما يتعلق بالإعلام المقروء خلال السنوات العشر الماضية هوالاتجاه الداعي إلى إصدار المطبوعات الأسبوعية أوالشهرية أوالفصلية المتخصصة في مجال معين إذ تؤكد الإحصاءات القادمة من العالم الغربي تنامي اهتمام كبريات المؤسسات الإعلامية بهذا النمط من الصحف ففي فرنسا(مثلا) يزداد توزيع الصحافة المتخصصة يوميا بعد يوم، وهي تزداد حسب بعض الإحصائيات بمقدار10.2%. وفي الولاياتالمتحدة وحدها، يصدر أكثر من 10.000 مجلة متخصصة حسب نفس الإحصائيات موجهة إلى فئات مختلفة الأذواق والاتجاهات والأهداف. والأمر المثير حقا هوالزيادة المستمرة في إصدار مثل هذه المجلات، ففي أمريكا دائما ومن بين200مجلة جديدة تصدر كل يوم، هناك160 مجلة متخصصة،أي( ثلاثة أرباع ) ما يصدر من مجموع المجلات، ومثل هذه المجلات، تصدر في الواقع في أغلب الدول المتطورة وبإعداد مهمة بالمقارنة مع الصحافة العامة مما يدل على مدى ازدهار الصحافة لما لها من تأثير نفسي واجتماعي خاصة من الدراسات المثيرة التي تتميز بطابع توثيقي وتكون مصورة في بعض الأحيان. ولقد أدركت المؤسسات الخيرية مبكرا أهمية إيجاد إعلام متخصص في متابعة أنشطتها الخيرية فأصدرت عددا من المطبوعات والدوريات والفصليات التي أسهمت بصورة جيدة في بث رسالة إعلامية جيدة حول أنشطة وبرامج المؤسسات الخيرية، وعملت على نقل صورة حقيقية عن العمل الخيري الخليجي وزودت المجتمع بمعلومات موثقة عن الأنشطة التي تقدمها هذه الجهات، وكان لها دور بارز في تشكيل الوعي لدى العاملين في هذا القطاع. ولكن القارئ الحصيف الذي يتأمل مواد هذه المطبوعات تنقدح في ذهنه عدة تساؤلات حول مدى نجاح الإعلام الخيري في تحقيق أهدافه؟ هل استطاع أن يتخطى الأفق المحلي؟ وهل استكمل الشروط اللازمة لكي يصنف بأنه متخصص بالدرجة الأولى في الجانب الخيري ؟ وهل كان منفتحا ومعبرا عن كل التوجهات والجمعيات الإسلامية؟ وهل استخدم كافة القوالب والفنون الصحفية ؟ وهل كان يملك الجرأة الكافية لنقد أداء المؤسسات الخيرية أم كان الدور الدعائي هوالأبرز؟! أسئلة كبيرة وعميقة لايمكن لفرد مهما كانت مؤهلاته الإعلامية أوتجربته العملية الخيرية أن يجيب عنها دون دراسة تفصيلية متعمقة للنشأة التاريخية لهذه المجلات ورصد التحولات المهنية التي مرت بها وقياس مدى نجاحها في إشباع الحاجات الأساسية للعاملين في القطاع الخيري غير أن الكاتب على يقين بأن عدد هذه المطبوعات ومضمونها مازالا دون الحد الأدنى المطلوب، وأن مواجهة التحديات التي تعترض القطاع الخيري تستلزم من القائمين على الإعلام الخيري إعادة هيكلة كافة الإصدارات الخيرية بصورة تستصحب الظرف التاريخي الذي يمر به العالم مع تعميق الحس المهني الإعلامي عند اختيار المواد والأخبار الملائمة للنشر ومراعاة أن تكون الأولوية دوما للمادة المميزة والتي تحمل رسالة جديدة للقارئ، كما يجب أن تكون رسالتها أكثر شمولية وحيادية، وأن تتخلى عن الدور الدعائي الداخلي الذي انتهى عصره حتى في الوسائل الإعلامية الحكومية. وقبل أن أغادر هذه الجزئية أود التنبيه إلى ضرورة تجنب المطبوعات الخيرية أسلوب التبويب الشمولي حيث إن المتصفح لأبواب وزاويا بعض المجلات الخيرية الخليجية يلحظ أنها لاتختلف في تبويبها لصفحاتها عن أي مجلة إسلامية شاملة، وعندما نتجاوز التبويب إلى المضمون نجد أنها تشابهها في اختيار الموضوعات العامة وتسابقها في التعليق على الأحداث الجارية، بل إن بعضها تصدر أعدادا كاملة لاتضم أي موضوع يتلاءم مع الرسالة الخيرية المتخصصة لها فضلا عن ميل بعضها لتناول الموضوعات السياسية محلية كانت أودولية مستثمرة الإذن الرسمي لها بالصدور في إيصال التوجهات الفكرية التي تراها قياداتها إزاء التطورات الداخلية والإقليمية والدولية: ثالثا: توثيق الإنجازات وتطوير القدرات: يقول أحد المفكرين: إن الصحفي هوأول من يكتب الوثيقة التاريخية، وهذا قول صحيح إلى حد كبير إذ إن الصحف والمجلات تعتبر من الوثائق التاريخية المهمة للأجيال القادمة وللباحثين في المجالات المختلفة. وإن مما يؤسف له ضياع الكثير من المعلومات والأحداث والمواقف التاريخية المتصلة بمؤسسات العمل الخيري نظرا لضعف وقلة العناية بالتوثيق التاريخي والأرشفة الإلكترونية داخل بعض قطاعات العمل الخيري، كما أن انشغال قيادات العمل الخيري بالعطاء والعمل والبذل أدى في حالات كثيرة إلى عدم امتلاكهم للوقت والآليات التي تساعدهم على نقل خبراتهم وتجاربهم للآخرين. ولاشك أن تزايد عدد المطبوعات الخيرية سيكون له أثر كبير في مجال إعداد البحوث والدراسات التاريخية وتتبع مسيرة وانطلاقة الأعمال الخيرية المؤسسية في العالم العربي والإسلامي وتشجيع جيل المخضرمين في هذا القطاع على كتابة مذكراتهم واسترجاعها ولوشفهيا وتوثيق المواقف الإيجابية للمؤسات الخيرية في المجتمعات التي عملت بها في قارات العالم المختلفة. ويزخر القطاع الخيري بكوكبة من الشخصيات ذات التجربة العملية العريضة في العمل الخيري والإغاثي، كما أن عددا من المؤسسات الخليجية ابتكرت من خلال خبرتها العريضة في العمل الإغاثي أساليب إدارية مميزة في مجال إدارة المتطوعين أوآليات توزيع المساعدات الإغاثية فضلا عن أن عددا لا يستهان به من المفكرين والأكاديميين المتعاونين مع المؤسسات الخيرية يعدون بين الحين والآخر بحوثا علمية أومتخصصة في بعض النواحي المتصلة بالنشاط الخيري، وأعتقد أن هذه الخبرات النظرية والعملية بحاجة إلى وسائل إعلامية متخصصة تعمل على جمعها وتتبعها في مظانها، ومن ثم إعدادها بأسلوب صحفي مشوق وإيصالها للعاملين في القطاع الخيري عبر الوسائل الإعلامية المختلفة تعميما للفائدة ونشرا للمعرفة وتطويرا لقدرات ومهارات الخيرين. رابعا:نمطية التغطية الإعلامية للنشاط الخيري في الصحافة العامة: تعطي الصحافة المحلية في دول الخليج- عموما- أخبار المؤسسات الخيرية مساحة جيدة تتفاوت حسب أهمية الخبر ومدى ارتباطه بالشخصيات العامة أودوره في مساعدة الحكومات في جهودها الرامية لمعالجة بعض القضايا الاجتماعية الملحة (مثل الفقر والبطالة والعنوسة ) وهذا الاهتمام من الصحافة المحلية بالعمل الخيري جهد مشكور للمؤسسات الإعلامية، وهو مما يؤكد على الحس الوطني الرفيع الذي تنظر به هذه الصحف للعمل الخيري، ومما يعضد العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني في الدول الخليجية إذ تعد الجمعيات الخيرية والصحف المستقلة من أهم المؤسسات المدنية في الدول الحديثة، ولكن المعالجة الصحفية لنشاطات العمل الخيري-في أغلبها - أصبحت أسيرة لنمط خبري لايكاد يتغير، ولم تعد تجاوز إشكالية الصياغة الخبرية الآنية التي يتلقاها المتلقي مجردة عن التأثير بل قد يظن الحدث المهم والنشاط الريادي المتعدي النافع أمرا عاديا لايقدم جديدا إن لم يسيء الظن ويظن أن الرغبة في إظهار الذات هي الحافز لنشر هذه الأخبار والتغطيات الصحفية عن النشاط الخيري، ومن هنا نرى أن إيجاد وسائل الإعلام الخيري المتخصص هي أحد الحلول التي ستسهم في تطوير وتوسيع قوالب المعالجات الصحفية لأنشطة المؤسسات الخيرية المختلفة خاصة إذا ماتم إعداد جيل من الصحفيين القريبين من النشاط الخيري والمتفهمين لرسالته النبيلة. ويبدو أن جزءا من هذه الإشكالية عائد إلى أن آلية إعداد التقارير الصحفية التي ترسل للصحف من قبل بعض الجهات الخيرية تخضع بدرجة كبيرة لسلطة رأس الهرم فيها، ولاتوكل هذه المهمة في أحيان كثيرة لصحفيين متخصصين في الصياغة لأسباب متعددة منها شح المعلومات والمستجدات والقابلة للنشر بسبب تخوف بعض القيادات الخيرية من النشر الصحفي وتحجيرهم للهامش الواسع المتاح واختلاط مفهوم إخلاص العمل لله مع نشره على الملأ وعدم تفعيلهم لوسائل العمل التطوعي الذي قد يتيح تواصل الكثير من الطاقات الإعلامية مع الجمعيات والمؤسسات الخيرية. إنني على يقين تام أن في داخل كل جمعية خيرية عشرات من التجارب والحالات والأنشطة التي لوتم توظيفها في قالب إعلامي مشوق لأسهمت في تحسين صورة هذه الجمعيات لدى شرائح المجتمع المختلفة ولأزالت اللبس الحاصل لدى البعض حيال أنشطتها، ولحققت أثرا إيجابيا على نفسية العاملين في الجمعيات والداعمين لها. وأخيرا أقول: إن كل الطامحين للتجديد والإبداع في المجال الإعلامي داخل القطاع الخيري يدركون أن ثمة صعوبات حقيقية قد تعترض سبيلهم عند سعيهم لتحقيق غايتهم، وأن بعض الصعوبات يمكن تجاوزها بالحكمة والمصابرة والتخطيط السليم، وأن بعضها الآخر بحاجة إلى تضافر جهود أكثر من مؤسسة للتغلب عليها، وأن قليلا من هذه العقبات الكأداء لايملك القطاع الخيري ورجالته الصلاحيات الكافية للتعامل معه وحدهم نظرا لتداخله وتقاطعه مع أعمال ومسؤوليات وصلاحيات مؤسسات المجتمع الأخرى، ولكن الأمل في الله كبير. [email protected]