من خلال عملنا بدور التوجيه الاجتماعي تلاحظ لنا أن كل المودعين بهذا الدور هم أبناء ممن ينتمون حسب المراحل العمرية لفئة المراهقين، وهي مرحلة لها طبيعتها وخصائصها، ومن هذه الخصائص مثلاً الحدة والصرامة والحسم فيما يعرض من أمور. وتشير هذه المرحلة للفترة الزمنية التي تبدأ من البلوغ الجسمي وتمتد إلى ما يطلق عليه النضج المعياري. وهي فترة ممتدة على مدى أكثر من عشر سنوات نماء، ويتخللها مجموعة من الفقرات التي تنال النمو الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي. ولذا تعتبر مرحلة المراهقة هي مرحلة العبور من سن الطفولة إلى مرحلة الرشد. واتضح لنا من خلال خبرة العمل المتواصل مع هذه الفئة ضرورة الوعي بمطالب النمو واحتياجات المرحلة التي هي محور البرامج الرعائية بهذا الدور، ومن هذه الاحتياجات الحاجة إلى الاجتماعية، ويعنى بها الارتباط التفاعلي مع الجماعات التي ينتمي إليها في البيئة الطبيعية وفي الدار وذلك بإقامة علاقات سوية وناضجة تدفع بمواقف قبول واحترام الذات، والتقدير المتبادل مع الوالدين ومع الكبار المحيطين ومع الاتراب والأهل.وتتضمن هذه العلاقات السوية إدراك موجبات التحكم الانفعالي والتوجه نحو الاستقلال الاقتصادي - فيما بعد - القائم على الاختيار الجيد للمهنة التي يفضلها التي يتم الاعداد لها والانخراط فيها عن حب واناة فإذا أحسن كسبه الاستغلالية الافتعالية والمهنية، والاقتصادية أحسن استعداده للزواج وحبه لإقامة أسرة تقوم على النضج والتفاهم والحب وامتلاك المهارات الاجتماعية والعقلية، واكتساب المرتكزات الأساسية للنجاح الواعد في خضم الحياة الاجتماعية عموماً واكتساب القيم الخلقية التي يستهدي بها في علاقاته وممارساته السلوكية. مع الوضع في الاعتبار أن الانتقال المجمع لخصائص المرحلة لا يتم فجأة بل يسير اليه المراهق بالتدرج على مدى الزمن المحقق - للنضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي. ولذا فإن مرحلة المراهقة مرحلة مهمة في عمر الإنسان حيث ينبني على معطياتها - ان أحسن تربيته - مرحلة الرشد والكبر. وهذا ما أكدته الدراسات العلمية الميدانية التي أوضحت أن معاناة المراهق تأتي نتيجة ما يواجهه من مشكلات وصعوبات تنتقل معه على مر الزمن باعتبارها أحد لوازم بناء الشخصية مما يوجب على الكبار أن يتحوطوا وأن يهتموا بأوجه رعاية، خاصة تنمية معرفته ووعيه بطبيعة ما يلحق جسمه من تغيرات وتأثير ذلك على كيانه النفسي والاجتماعي، ولذلك ينبغي أن نتيح له فرصة النمو المتوافقة بحيث يصبح متكيفاً مع نفسه ومع المجتمع الذي يحيط به وينتمي إليه. مع الوضع في الاعتبار أن التغير المتسارع الحادث في المجتمع وما لحق به من تغيرات مصاحبة جعل عملية الانتقال من الطفولة إلى المراهقة ليس مباشراً ولم يكن خالياً من الصراعات التي يقاسي منها المراهق في مجتمعنا المتحضر مما يجعلنا نلحظ فيه أنماطاً مختلفة لجماعات المراهقين نذكر منها ثلاثة أنماط ظاهرة للعيان هي: - نمط سوي يتوافق اجتماعياً ونفسياً وما ضٍ في سبيله بلا صعوبات ظاهرة لا من قبله ولا من قبل المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه. - ونمط آخر انسحابي لا يعنيه الحركة الدائبة الدافقة في مجتمعه فهو ينظر إليها نظرة ريبة وشك ومن ثم ينسحب من أسرته وأصدقائه ومن المحيطين به كافة ، ويقبع - وجدانياً - بعيداً منفرداً يعاني مشكلاته ولا يكترث بما يحيط به من أمور، وإذا ترك وشأنه - دون تدخل مهني - انقلب لكيان عدواني خاصة تجاه الذات. - نمط ثالث يتخذ العنف وسيلة للتعايش مع الآخر مما يجعله منبوذاً غليظ القلب يتسم سلوكه بالتصلب والعناد والعنف والخروج عن المألوف وعن نطاق الجماعة لا يبالي بقيمها بل يلجأ إلى العدوان عليها في كثير من الأحيان. هذا السلوك العنيف - العدواني - يؤدي إلى وقوع أضرار تحيط بالشاب - المراهق - والبيئة الاجتماعية التي يتواجد بها، كما يؤثر سلباً على سلوكه المستقبلي مما يتوجب معه المواجهة التربوية والعمل على تعديل السلوك وتهذيب العلاقة المتبادلة مع أفراد البيئة الاجتماعية المحيطة حتى يمكن أن يستدخل في ذاته أفكاراً ومعايير واتجاهات وأخلاقاً سوية ذات ارتباط بأهداف ومعايير المجتمع وغاياته التي تسهم في تكوين وصقل الضمير الإنساني الذي يحفز ويعزز القيام بالعمل الصالح.ومما يجدر ذكره أن سلوك العنف لدى المراهق صورة مكررة في جميع المجتمعات الإنسانية مما يؤكد أن الإرادة الفاعلة تدعو نحو التوحد مع غايات وأهداف المجتمع فإن حادت عند هذا الهدف أدت إلى تدمير الذات الشاخصة القائمة على هذا النمط السلوكي اللا معياري وما ينتج عنه من اضطراب في التنظيم النفسي.ويقول الاختصاصيون في السلوكيات إن سلوك المراهق يتوجب إزاؤه فهم النمط وتعرف غير المشجع على إدراك ما يعترض سبيله من مشكلات، وتأثيرها في المجالات الاجتماعية المختلفة ومصاحباتها من مشكلات أخرى ثم العمل على الوصول به لدرجة من الوعي بمشكلته ومشاركته في وضع برامج التوقي والعلاج.