******* جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة. وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره. و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله.. آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد. ******** الزواج هو الطريق الشرعي الذي حددته الشريعة الإسلامية، والديانات السماوية لتنظيم العلاقات الفطرية بين الرجل والمرأة، بهدف عمارة الأرض بالذرية الصالحة، وتعطيل هذه السنة بالمغالاة في المهور أو الاحتجاج بالانشغال بالتعليم والوظيفة، طلباً لمصلحة دنيوية أو وجاهة اجتماعية، أو حتى العزوف عن الزواج هرباً عن المسؤولية، كلها أمور تضر باستقرار وسلامة المجتمع، وتفتح أبواب الانحلال والفجور، وغيرها من الأمراض الاجتماعية والنفسية التي تصيب الفرد، ويمتد خطرها على المجتمع بأسره، وتلقي بظلالها القاتمة على الأمن والترابط الأسري. فما الذي يدفع البعض إلى هذا المسلك المناقض للفطرة السوية، والمخالف لهدي الإسلام؟ وما هي الآثار المترتبة عليه؟ وكيف عالجت الشريعة الغراء هذا الفعل الشاذ؟ وما هي حدود مسؤولية المجتمع المسلم بكافة فئاته في هذا الصدد؟! وما الوسائل والاجراءات والخطوات العملية التي تعين على معالجة العوائق، وتحقيق التيسير المطلوب في متطلبات الزواج وشؤونه؟ **** المشكلة معقدة ومتنامية بداية يقول معالي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء: الزواج استجابة للفطرة، وسنة من سنن المرسلين، ومن هنا والإسلام دين الفطرة، لم يصادمها، لأن الله خالق الخلق أعلم بما يصلحهم، فحث الإسلام على الزواج ورغب فيه، وحذر من التبتل، ولام رسول الله صلى الله عليه وسلم أناساً من صحابته عزموا عليه، وأراد بعضهم ان لا يتزوج النساء، وأخبر صلى الله عليه وسلم، أنه يتزوج النساء، وأن من رغب عن سنته فليس منه. وحث صلى الله عليه وسلم الشباب على وجه الخصوص على الزواج، فقال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، أي إن المقتدر على الزواج وتبعاته، عليه أن يتزوج ليحصن نفسه، ويمنعها من الوقوع فيما حرم الله ويحصن زوجه، ويكونا بيتاً، يتعاونان فيه، وينجبان ذرية، يربيانها على دين الله وخلق القرآن وتوجيهات سيد المرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم. وقد كانت عادة المسلمين فيما مضى، وفي المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، إلى عهد ليس بالبعيد، إيلاء تزويج الشباب والشابات العناية الفائقة، ودفعهما إلى بيت الزوجية، في وقت مبكر، مع سن البلوغ، حيث التكليف الشرعي، وتحمل المسؤولية، والاعتماد على الله سبحانه وتعالى، ثم على النفس، وكدها وكدحها في مجالات الحياة، وكان المستغرب، أن يوجد شاب أو شابة بعد سن تتراوح بين الخامسة عشرة والعشرين من العمر بدون زواج، حتى أن الجميع ليسأل عن أسباب ذلك، وكان الأب، يعتبر تزويج ابنه وابنته وموليته، من مسؤولياته، واهتماماً من اهتماماته، وكان المجتمع، يتعاون إلى حد كبير في أمر الزواج، وعون الزوجين. ولم يأت ذلك صدفة، أو من فراغ، ولكنه استجابة لنداء الفطرة ولتوجيهات رسولنا صلى الله عليه وسلم، وتحقيقاً لما في كتاب الله وسنة رسوله من أوامر تحث على الزواج والاستعفاف، وتزويج الأيامي، وإقامة الأسر. لكن شبابنا اليوم يعاني بالفعل من وجود عراقيل تعطل هذه السنة، والمشكلة معقدة ومتنامية في مجتمعات المسلمين الأخرى، أكثر من مجتمعنا، وعلى الرغم، من إدراك مخاطرها من قبل العلماء والمربين والمسؤولين، إلا أن حلولاً جذرية لها لم تتخذ بعد، والمشكلة تتنامى، وقد يشعر فيها الشاب بتهاون والديه في الأمر، وعدم عون المجتمع له في مشكلته. الحياة الزوجية مسؤولية ويضيف معالي د.التركي: ولاشك ان كثيرا من الأبناء والبنات تأثروا بالدعاية السيئة، التي تدعو إلى التأخر في الزواج، وتُخوّفهم من تبعاته والتزاماته، وتُصوره بأنه الأعباء الضخمة، التي لا ينبغي ان يتحملها الشاب أو الشابة، فتؤثر على دراستهما ومستقبل حياتهما، وما إلى ذلك، مما يسمع كثيراً في وسائل الإعلام وغيرها، والمشكلة تبرز حينما نجد الأعداد الكبيرة من الفتيات بدون زواج، بعد ان فاتت الفرص، وأصبح أهل الفتاة يتبرمون منها، وتشعر أنها عبء عليهم، وتزداد حينما يتقدم بالشاب السن، ولا يجد لديه البيت الذي يسكن إليه، وتطمئن نفسه فيه، ولا يجد زوجة وأولاداً وعلاقات. وسواء أكان السبب التعلل بالمشاغل والدراسة، أم المبالغة في البحث عن امرأة كاملة الأوصاف، أو غلاء المهور، ونحو ذلك من الأعذار، فإن الآثار المترتبة على ذلك خطيرة جداً، وينتج عن ذلك، مشكلات أخلاقية، أو اجتماعية أو فكرية ودينية، نتيجة الفراغ الذي يجده غير المتزوج. نعم، إن الحياة الزوجية مسؤولية، وهل خلق الإنسان إلا لتحمل المسؤولية والتكاليف، والقيام بالأعباء؟ فالإنسان لم يخلق للعبث، والتمتع الحرام أو التسيب، والتفرغ لما يلهي ويضل. وإذا كان بعض العلماء الأفذاذ، أو المجاهدين الصادقين، انشغلوا في حياتهم وكفاحهم عن الزواج، فهم قلة نادرة، لهم ظروفهم الخاصة وليسوا قدوة في الانشغال عن الزواج بالذات، فالقدوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخير في اتباع طريقته وسلوكها. وقد لا يدرك البعض، أهمية تزويج الابن أو البنت في استقامتهما وانشغالهما بوسائل الحياة، وانصرافهما إلى حياة الجد، والابتعاد عن الفراغ الذي قد يكون سبباً في الانحراف أياً كان نوعه، وواجب الجميع التنبه إلى هذا الأمر وخطورته، والتعاون في حل مشكلتها. ولقد بدأت بدايات حسنة مشكورة لعون المعسرين على الزواج، شعبية كانت أو حكومية، وإذا كانت ظروف الحياة والناس، تغيرت عما كانت عليه الأمور في الماضي، فلا ينبغي أن ننساق وراء الضار منها، وأن نترك ما اعتدناه من خير وتعاون، وليصبر الآباء والأمهات على أبنائهم وبناتهم بعد الزواج، يعيشون معهم في نفس المنزل، حتى يتمكنوا من العيش منفردين. وما أجمل الأسرة حينما تكون في منزل واحد، الآباء والأمهات وأبناؤهم وأزواجهم وإن حصل شيء من المشقة فينبغي تحملها في سبيل المصالح المتحققة، ولا يستنكف الأبناء، أو أهل الزوجة من أن يعيش الابن وزوجته في منزل أبيه، فليس الهدف متعة مؤقتة قد تجر وراءها مشكلات قد تدمر الحياة الزوجية، وليكن الهدف اسمى وابعد، هو استمرار الزواج، وإنجاب الأولاد، وترابط الأسر، وفي حياة الابن وزوجه مع ابيه وأمه تعاون على الخير، وعون للوالدين وبرهما، واستفادة من تجاربهما في الحياة. حماية النشء ويتساءل معالي د.التركي لماذا نُعقد الزواج؟ ونضع العراقيل في وجه الشاب والشابة؟، ونغالي في التكاليف في حين ان أكثر النساء بركة أقلهن تكاليف ومؤونة، والآباء والأولياء يسيؤون إلى أنفسهم وبناتهم أولاً، قبل إثقال كاهل الزوج، في المغالاة وكثرة التكاليف، ومجاراة أهل الثراء واليسار. لذا يجب ان يكون أثرياؤنا ووجهاؤنا قدوة يقتدي بهم ميسورو الحال في الاقتصاد، وتيسير الزواج، والابتعاد عن مظاهر الاسراف والتبذير المحرمة في شرع الله. فلا نعقد الأمور، ونكسر قلوب الفقراء بحفلات الزواج المبالغ فيها، وبالمهور المغالى فيها. وكم من مبالغ وإمكانات تهدر في مناسبة زواج واحدة يمكن ان يزوج بها عشرات الشباب والشابات فتحل مشكلاتهم، ويلتئم جمعهم. ولا ننسى ان الزواج من أهم الأسباب في حماية النشء من الانحراف، وفي شغل فراغهم بما ينفع، وفي تعويدهم على تحمل المسؤولية، وإعدادهم للمستقبل. فحينما يكون للشاب زوجة وأولاد ومسكن، سينشغل بهم كثيراً وسيفكر في مصالحهم وحياتهم، مما سيمنعه من الانحراف والجريمة، والانسياق وراء لصوص الفكر والهوى وقطاع الطرق أينما كانوا. وسيفكر حين يريد السفر إلى خارج بلاده، سيفكر في أولاده وبيته، وأن بعده عنهم، سيؤثر عليهم، وسيخل بواجباته تجاههم. وقد ثبت أن كثيراً من أنواع الانحراف له علاقة مباشرة بمشكلة الفراغ، وهي مشكلة مرتبطة بالزواج وتكوين البيت والالتزامات الأسرية والأسرة نواة المجتمع الأولى. فلنتق الله حق تقاته، ولنشكره على نعمه، وما شرع لنا مما فيه صلاحنا وفلاحنا، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. التعجيل بالزواج من جانبه يقول الاستاذ الدكتور عبدالرازق بن حمود الزهراني أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: إن الزواج هو الطريق المشروع في جميع المجتمعات البشرية تقريباً لارتباط الذكر بالأنثى، وكان الزواج المبكر منتشراً في مجتمعنا، وكان من المألوف ان يتزوج الفرد بعد البلوغ مباشرة، وهو أو هي في حدود الخامسة عشر من العمر، وكانا ينجبان ويؤسسان لأسرة مستقرة ومتكامل. رغم ان الحالة المادية في ذلك الوقت لم تكن جيدة، ولكن النظر إلى الجانب المادي لم يكن مهماً، فالمهم عند الآباء وقتئذ أن يكملوا نصف دين أبنائهم وبناتهم، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). فرسولنا الكريم أوضح سببين رئيسيين للتعجيل بالزواج هما: غض البصر، وتحصين الفرج ونصح من لم يستطع ان يتزوج بأن يصوم لأن الصيام يحد من الشهوة ومن عنفوانها وإلحاحها على صاحبها لإشباعها. إلا أنه من الملاحظ في العقود الأخيرة، رغم ارتفاع مستويات المعيشة، وتوفر وسائل العيش المختلفة، ان الكثير من الشباب والشابات بدأوا يؤخرون الزواج إلى أواخر العقد الثالث أو بدايات العقد الرابع من العمر بحجج مثل إكمال الدراسة، و(تكوين النفس) وغير ذلك من الحجج المختلفة والأسباب الواهية، والغريب اننا نعيش في زمن يفرض التعجيل بالزواج أكثر من ذي قبل، فالمغريات كثيرة ومحركات ومثيرات الشهوة تلاحق الشباب في كل مكان مثل القنوات الفضائية التي تحول بعضها إلى كبريهات على الهواء، وبعض الصحف والمجلات التي تنشر الصور الفاتنة والفاضحة للحسناوات وما يسمى بنجوم الفن، يضاف إلى ذلك سهولة السفر إلى الخارج وإشباع الشهوة عن طريق الحرام، وفي هذا ما فيه من أخطار على الصحة وعلى الاقتصاد وعلى المجتمع. العلاقات المشروعة ويضيف د.الزهراني: إن التعجيل بالزواج مهمة تقع على عاتق الآباء بالدرجة الاولى، فعليهم مساعدة أبنائهم في غض البصر وتحصين الفرح، وتقع كذلك على الشباب والشابات فيجب عليهم المبادرة للزواج عندما تتهيأ ظروفه المختلفة، والزواج لا يمنع من متابعة الدراسة، بل إنه في كثير من الحالات سبب للنجاح في الدراسة حيث الاستقرار النفسي والعاطفي، والقدرة على التركيز بدون تشويش وتشتت للذهن واضطراب للأحاسيس والعواطف. وعلى آباء الفتيات مسؤولية في هذا الجانب أيضاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فالمعيار هنا للقبول أو الرفض يتمثل في أمرين هما: الدين والأخلاق، ولم يذكر المال ولا الجاه ولا غير ذلك من العوامل. ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (تنكح المرأة لأربع لدينها ومالها وجمالها وحسبها، فاظفر بذات الدين تربت يداك). والزواج هو الطريق لبناء الأسرة التي هي أهم لبنة في بناء المجتمع. ولقد عملت الثقافة الغربية في الماضي على تحطيمها، وتحول المجتمع إلى مجتمع فردي فكثرت تبعاً لذلك حالات الطلاق وحالات الانتحار، وكثرت حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي وغير ذلك من السلبيات بسبب عدم وجود الأسرة بمعناها التاريخي والمعروف في الشرق والغرب. وفي رد فعل لهذا بدأ يتكون اتجاه قوي، وخاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لإعادة الأسرة إلى سابق عهدها، كمؤسسة اجتماعية وتربوية لها دور فاعل في التنشئة، وامتصاص توترات الحياة، والابتعاد بأفرادها عن كل ما يضرهم. ولقد قام أحد علماء الاجتماع بعد انتشار مرض الإيدز بدراسة على طلاب الجامعة لمعرفة اتجاهاتهم حول العلاقة الجنسية، فوجد ان الغالبية العظمى تميل إلى تكوين علاقات مشروعة ودائمة، ولديها اتجاهات سلبية نحو إشباع الغريزة بالطرق غير المشروعة. ويستطرد د.الزهراني: ونحمد الله إننا نعيش في مجتمع ما زال قريباً من الفطرة، ولا يزال فيه خير كثير، ولديه إطار مرجعي عظيم هو الإسلام بتشريعاته وآدابه وقيمه، ولهذا يجب أن تتضافر الجهود لتسهيل الزواج المبكر، وإعانة الشباب على تكوين أسرة مستقرة، ومن ذلك نشر ثقافة الزواج الجماعي، وإبراز الحالات التي يتم فيها تيسير الزواج وتسهيله ليقتدي بها الآخرون، والتوسع في المشروعات التي تساعد الشباب على الزواج وتعينهم عليه مثل مشروع الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله - وكذلك تشجيع الشباب على الزواج، وبيان حسناته وفضائله، وبيان ما يمكن ان يقود إليه العزوف عنه من آثار نفسية، واجتماعية، واقتصادية وصحية. تقدم عمر المرأة؟ أما د.ريما بنت صالح الحمادي رئيس قسم النساء والولادة بمستشفى الحمادي بالرياض فتقول: الزواج المبكر من التقاليد العربية القديمة، والتي أقرها الإسلام، وحث عليها، مما له من فوائد اجتماعية وصحية ونفسية كبيرة، تنعكس بشكل ايجابي على المجتمع كافة، فهو من جهة اجتماعية ونفسية يصقل الرغبات، والتوجهات الفطرية لدى الشباب الجدد في قالب سليم شرعي، لتحقيق الغاية الأساسية التي شرع الله الزواج من أجلها، وهي بناء المجتمع السليم ابتداء من الأسرة السليمة. والفائدة الصحية من الزواج المبكر بالنسبة للمرأة تكمن في تحاشي حدوث التشوهات الجنينية، أو اختلاطات الحمل الخطيرة، والتي يمكن ان تشاهد أحياناً عند الحوامل الشابات، ولكن نسبة حدوثها تزداد مع تقدم عمر السيدة الحامل. ومن هذه التشوهات مثلاً التشوهات الناجمة عن اضطراب عدد الصبغيات لدى الجنين، والتشوه الأكثر شيوعاً هو تناذر داون أو كما يدعى بالمنغولية، والذي له علاقة وثيقة بازدياد عمر الأم، ولا سيما التي تجاوزت ال40 سنة. وهناك تشوهات جنينية أخرى لها علاقة بنقص بعض أنواع الفيتامينات، وقصور الغدة الدرقية لدى الأم، وهذا النقص يلاحظ أكثر عند تقدم عمر الأم. ومن المعلوم ان النضج الجنسي يكتمل عند الأنثى بعمر الثامنة عشرة، وفي العشرين عند البعض منهن، ويختلف ذلك حسب الوراثة، وبعض العوامل البيئية والجسدية، وسن الإخصاب الأمثل للمرأة يكون بين عمر العشرين وحتى الخامسة والثلاثين، لذلك ينصح بتبكير الزواج قبل الثامنة عشرة. وتضيف د.ريما الحمادي: وبما أن الإنجاب مرتبط بالزواج، فالمرأة القوية تنجب أطفالاً أقوياء وأذكياء، وفي عصرنا الحالي عصر تطور الطب الوقائي، أصبحت الغاية من مراجعة الأطباء ونشر التوعية الصحية هي تلافي حدوث الأمراض والاختلاطات، فإذا حدث المرض أو الاختلاط أصبح الطبيب مجبراً على تقديم العلاج للحصول على نتائج نجاح نسبية، والأفضل طبعاً هو تلافي حدوث الاختلاطات، وأذكر هذا لأن كثيراً من اختلاطات الحمل تزداد نسبة حدوثها مع تقدم عمر الأم الحامل مثل الإصابة بارتفاع الضغط الشرياني، وما يرافقه من أذية كلوية للأم، ونقص حجم الجنين، واحتمال حدوث انفصال المشيمة الباكر، والنزف الغزير الذي ينجم عنها، ويهدد حياة الأم بالخطر. كذلك فإن احتمالات الإصابة بالداء السكري، والسكري الحملي تزداد مع تقدم العمر، وتعدد الولادات إذا كانت الأم لديها العوامل الوراثية المهيئة للإصابة بهذا المرض، والذي يعرضها للإجهاض أحياناً، وأحياناً أخرى لموت الجنين داخل الرحم في الأشهر الأخيرة من الحمل، إذا لم يتم العلاج بشكل مناسب وكاف، وفي أفضل الأحوال يستمر نمو الجنين ولكن بشكل زائد عن الوزن الطبيعي، مما يعرض الأم لعسرات الولادة، وتأذي الجنين أثناء الولادة، وأحياناً يتم اللجوء للولادة القيصرية حفاظاً على سلامة الأم والجنين، كما ان آلام الظهر والمفاصل، ونقص التكنس تزداد مع تقدم العمر، ولاسيما بعد 40 سنة من العمر، مما يجعل من الحمل عبثاً إضافياً على المرأة، ومصحوباً بالآلام المبرحة التي تزداد مع تقدم الحمل وثقله، لا سيما في الأشهر الأخيرة، لذلك ينصح الفتيات بضرورة الزواج المبكر والحمل في سن الشباب قبل ان يفوت الوقت، لنساعد جميعاً في بناء مجتمع سليم وصحيح ومعافى جسدياً وفكرياً، وكذلك فإن الزواج المبكر مهم أيضاً بالنسبة لصحة الشباب، فتقدم العمر يؤثر على الرجل من ناحية الاخصاب والانجاب، وقد وجد ان بعض التشوهات الجنينية مرتبط أيضاً بتقدم عمر الأب، مما يسبب حدوث الاجهاض أو ولادة أطفال غير طبيعيين إذا كان عمر الأب يتجاوز مرحلة معينة ( بعد الأربعين) وأيضاً تزداد نسبة إصابة الرجال بأمراض القلب والشرايين والداء السكري مع تقدم العمر، وهذان المرضان لهما علاقة وثيقة بالانجاب. قلة الوازع الديني من ناحيته يرى الشيخ حمد بن فريح معيقل العلي إمام مسجد الربوة بسكاكا ومأذون الأنكحة ان عزوف الشباب عن الزواج مشكلة عظيمة يترتب عليها مضار كبيرة لا يعلمها إلا الله، وهذا العزوف الاختياري عن الزواج مبعثه قلة الوازع الديني لدى بعض الشباب، والرسول يناديهم ويقول (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) وقوله (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) هذا من ناحية الشباب. أما من ناحية أولياء الأمور بامتناعهم من تزويج موليته بالكفء الصالح الذي يظن أنه لا يدفع له صداقاً كثيراً فهذا طغت عنده المادة على مصلحة ابنته، وهو بذلك عاصٍ لله ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). وعن الآثار المترتبة على هذا العزوف يقول الشيخ العلي: إن جعل أكثر الشباب أعزباً وجعل أكثر البنات عوائس يؤدي بلاشك إلى حصول الفساد الأخلاقي في الجنسين عندما ييأسون من الزواج فيبحثون عن بديل لذلك، وتفاقم الأمراض النفسية لدى الشباب من الجنسين بسبب الكبت وارتطام الطموح بخيبة الأمل، وخروج كثير من الأولاد عن طاعة آبائهم وأمهاتهم وتمردهم على العادات الطيبة والتقاليد الكريمة الموروثة، وغش الولي لموليته بامتناعه من تزويجها بالكفء الصالح، وتكليف الزوج فوق طاقته يجلب العداوة في قلبه لزوجته لما يحدث له من ضيق مالي بسببها. وقد عالجت الشرعية هذه المشاكل بصدق النية والتمسك بهدي الإسلام بحيث يبين للشباب ما في الزواج من مزايا وحسنات وخيرات ترجح على ما ذكرناه من معوقات، وليس في هذه الدنيا شيء إلا ويقابله شيء، الزواج ليس ميسوراً من كل وجه، أو ليس فيه مشقة، أو ليس فيه مشاكل ولكن مصالح ترجح على هذه المشاكل وعلى هذه المشاق. ومن أفضل وسائل العلاج لهذه المشكلة تزويج الأكفاء الذين يتقدمون للزواج ولو كان الحال غير ميسور لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ومن العلاج أيضاً تخفيض المهور لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تغلوا في صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم). ومن العلاج عدم الإسراف في الوليمة قال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة). أما مسؤولية المجتمع في هذا الصدد فتتحقق بأن يبدأ بتطبيق الشريعة قادة الناس ووجهائهم وأعيانهم، ومن ثم يتم التوعية إلى طريق الصواب بعدم المباهاة في غلاء المهور والإسراف والتبذير، والتعريف بالمشاكل المترتبة على العزوف، وبعد ذلك يأتي دور وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بتوعية الناس وارشادهم والدور الفعال هو دور الخطباء الذين يخاطبون أكبر شريحة في المجتمع وتبصير الناس وتوجههم الوجهة السليمة. أسباب تعطيل السنة!! وتقول الاستاذة نوال بنت زين رشيد الشافعي المعيدة بقسم الدراسات الإسلامية بكلية البنات بضباء: قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج) وبين القرآن الكريم ان الزواج سنة المرسلين، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}. ولما كان الزواج حاجة فطرية بعيدة الغور في النفس الإنسانية فإن الإسلام لم يكثر من الأمر به والحث عليه، وإنما بين مشروعيته والحكمة منه، ووضع له الضوابط والمنهج الذي يسير عليه. وتعطيل هذه السنة أصبح مشكلة اجتماعية خطيرة ليست في مجتمعنا فحسب بل في جميع الدول العربية، ولا نعلم إن كانت قد وصلت إلى مسمى ظاهرة اجتماعية أو لا، وبالرغم من كثرة الحديث عن هذا الموضوع إلا إنني اتساءل أحياناً.. لماذا نجعل غلاء المهور والانشغال بالتعليم والوظيفة - شماعة - نعلق عليها أسباب تعطيل هذه السنة!! ولماذا لا ننظر إلى الأسباب الرئيسية في المشكلة التي تدفع كلا الطرفين من الشباب والفتيات إلى هذا المسلك المناقض للفطرة والمخالف لجميع الأديان السماوية. وتقسم الاستاذة نوال الشافعي الأسباب الرئيسة التي تؤدي بالشباب والفتيات إلى تعطيل هذه السنة كالتالي: 1 - أسباب خاصة بالفتاة: فالفتاة في عصرنا الحالي لم يعد لديها نفس التصور للزواج خاصة وقد صار لديها دخل مادي يحميها من الحاجة ويغنيها عن السؤال.. فلم تعد تبحث عمن يعولها.. ولم تعد تقبل بأي شاب يعجز عن تحقيق طموحها.. ويقف حجر عثرة أمامها. هذا رأي وهناك آخر.. كالانشغال بالتعليم والوظيفة، ورفض الزوج المعدد.. كما أن البحث عن الزوج المثالي الذي رسمته لها الشاشة الفضية يُعد من أكبر العوائق لتعطيل هذه السنة. 2 - أسباب خاصة بالشاب: كالسفر الذي ينتج عنه التفسخ الأخلاقي بحيث يمكن له اشباع غريزته الفطرية بأيسر وأقصر السبل دون تحمل عبء مسؤولية الزواج وتكاليفه هذا بالإضافة إلى إصرار الشباب على الزواج بالجميلات فقط.. وهذا ما يطلبه أغلب الشباب دون التفكير في باقي الأمور، كذلك غلاء المهور.. والزواج من الأجانب.. وعدم الرغبة في الأرامل، والمطلقات، وبعض من يزاولن مهنة الطب والتمريض، وغيرها من المهن التي إلى الآن لم يتقبلها المجتمع!! 3 - أسباب خاصة بالأسرة: فقد يكون سبب تعطيل زواج الفتاة هو الطمع في راتبها.. أو بقائها لخدمة المنزل أو ترتيبها بين أخواتها متأخر.. أو إجبارها بشخص لا تريده.. وغير ذلك هذا بالنسبة للفتاة، أما الشاب: فقد يكون ممن يعول أسرته ويرعى شؤونهم ولا يستطيع الانفصال عنهم إما لكبر سنهم أو لحاجتهم إليه.. وهذا الذي لا تقبل به الفتيات غالباً. 4 - أسباب أخرى: كالتأثر بالإعلام الفاسد الذي يصور الحياة الزوجية بالسجن الذي ينبغي الفكاك منه، وأن الزوج ما هو إلا إنسان متسلط يريد أن يقيد حرية المرأة، ويستمتع بها فقط. 5 - عدم إحياء سنة التعدد: إن عدم إحياء سنة التعدد الذي ما زال الإعلام الفاسد يثير حوله الشبهات ويصوره بأبشع الصور.. ويعتبره الجاهلون خيانة في حق الزوجة الأولى. بينما يباركون أمور محرمة على أنها هي الأفضل والأقل ضرراً كاتخاذ الأخدان والصديقات بصفة غير شرعية،