من الصعب جداً أن تفاجأ بفقد صديق أو عزيز، تعجز الكلمات، وينعقد اللسان عن البيان، لكنها لواعج الحزن والأسى أبت إلا أن تسطر عن الشيخ منديل بن محمد الفهيد هذه الكلمات.. تلك الكلمات التي لا تقال إلا في النهاية ومن أجل ذلك تجيء وفيها نهاية ما تضمر النفس للنفس، وفاء لحقوق الوداد عن شخصيته الودودة، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. حقاً لقد كانت الفاجعة أليمة والمصيبة عظيمة، وبفقدك فقدت الساحة رجلاً من رجالات الوطن، ورافداً من روافد الشعر الشعبي، ومرجعاً تاريخياً يلجأ إليه في كثير من أخبار تاريخنا المعاصر، وينبئك بكل صدق وأمانة (ولا ينبئك مثل خبير)، وقبل ذلك افتقدنا الإنسان الذي لا يقلقه طمع ولا يسيره مصلحة، اختصه الله بمزيد من فضله ومنحه من صفات الإنسانية ما امتاز به عن أقرانه. لقد كنت رحمك الله ذا نظرة سليمة، وإلهاماً صادقاً، وشجاعةً في الحق، وزراية على الباطل تحمل قلباً رحيماً بالضعفاء، ومحباً للبذل والإحسان، كنت رحمك الله تحيط محبيك وزوارك وهم كثر بالعناية وسحائب الترحيب، كأني أرى تلك البشاشة التي لا تغيب عن محياك، وأنت تقوم بإسعاد كل من يستمع إليك في سرد خبر أو قصة أو رواية شعرية. لقد كنت من الذين يتحلون بالتهذيب والاحترام مع جميع من يعاشرونه، كنت ينبوعا متدفقاً من الحب والود والإخاء.. آثرت وبلغت بالفضل منازل الكبار، فأصبحت بما اتصفت به من حسن الخلق ولين في الطبع وصفاء في النفس محبوبا من جميع الناس. حقاً لقد افتقدناك كياناً أدبياً شامخاً بث عبق الفصاحة من شمائل الآباء والأجداد لنا وللأجيال القادمة، وستظل مؤلفاتك شاهد على ذلك، ومهما كتبت عنك فلن أوفيك حقك ولكنني سأحتفظ بذكراك وروحك الخلاقة التي أعتقد أنها لن تتكرر، وسيظل الجميع يذكرونك، ولن تبرح قلوب أهل الرأي، وذوي المكانة، وأبناء الفكر، وسوف يذكر هؤلاء مواهبك ومناقبك بقلائد النثر والنظم. وداعا.. ولئن رحلت عنا فلقد خلفت من الذكر الجميل ما سيخلد اسمك على مر السنين والأعوام رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته، وعزاؤنا لأبنائه وأسرته، والله معكم وقلوبنا تشارككم الأسى، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.